الوقت - بعد مناورة حزب الله العسكرية الأسبوع الماضي، فإن الصهاينة الذين يتابعون التطورات بقلق، مع خوفهم من المناورة التحذيرية للمقاومة اللبنانية الذي ظهر جلياً في تقارير وتحليلات وسائل إعلام وخبراء إسرائيليين، حاولوا إثارة الجدل والضجيج في سياق زيادة تهديداتهم ضد المقاومة.
رد فعل الدوائر ووسائل الإعلام العبرية على مناورات حزب الله الأخيرة، يظهر أن الإسرائيليين قد تلقوا رسائل هذه المناورة غير المسبوقة، وأدركوا أن قواعد الصراع في المرحلة الحالية مختلفة تمامًا عن العقدين الماضيين. تلقى الإسرائيليون عدة رسائل من التدريبات العسكرية لحزب الله، أهمها ثلاث رسائل:
- أولاً: حزب الله مستعد لشن هجوم بري للسيطرة على منطقة الجليل الاستراتيجية شمال فلسطين المحتلة، وهذا موضوع يثير قلق الإسرائيليين للغاية بعد حرب تموز (يوليو) 2006.
- ثانياً، معادلة "وحدة ساحات المقاومة" ليست مجرد كلام، وانعكاسها العملي ظهر في مناورة حزب الله هذه التي جرت بعد الحرب الأخيرة بين قطاع غزة وجيش الاحتلال.
والرسالة الثالثة لمناورة حزب الله، هي أن المقاومة لديها القدرة الكافية على تحرير المستوطنات الفلسطينية المحتلة من شر الصهاينة.
السلوك الغريب والمتوتر للصهاينة
السيد "حسن نصرالله"، أمين عام حزب الله، يتحدث عن الاستعدادات لتحرير منطقة الجليل منذ أكثر من عقد. المرة الأولى كانت في 16 فبراير 2011، والتي أعلن فيها الأمين العام لحزب الله عن استعداد المقاومة لتحرير هذه المنطقة في حال اندلاع الحرب مع الکيان الصهيوني.
مواقف السيد حسن نصر الله هذه تم التعبير عنها وتكرارها عدة مرات ردًا علی طلب رئيس وزراء الکيان الصهيوني آنذاك، إيهود باراك، لعودة جنود هذا الکيان إلى الأراضي اللبنانية بعد الهزيمة في حرب تموز (يوليو) 2006.
لكن الإسرائيليين أنفسهم يعرفون أيضًا أن السيد حسن نصر الله لا ينطق بأي تصريحات دون أن يكون له انعکاس عملي، وهکذا خلال العقد الماضي، أصبحت سيطرة حزب الله على الجليل سيناريو حقيقي يخافه المحتلون، ويثقون أنه في أي حرب مستقبلية، سيكون تحرير الجليل هو الإجراء والهدف الأول للمقاومة.
لكن ادعاءات وتهديدات القادة الصهاينة ضد المقاومة خلال الفترة الأخيرة ليست بجديدة، ومثل هذه التهديدات تم التعبير عنها من قبل السلطات السياسية والأمنية في کيان الاحتلال منذ سنوات، حتى دون تنفيذ أي منها.
في الأسبوع الماضي، أفادت شبكة " كان" الصهيونية بأنه بالنظر إلی تهديدات المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين، تلقى وزراء الحکومة السياسية والأمنية إخطارًا لعقد اجتماع في المستقبل القريب. ومن المفترض أن يتم التطرق في هذا الاجتماع إلى تصعيد التوترات في الجبهة الشمالية.
يوم الثلاثاء الماضي، وبعد وقت قصير من مناورة حزب الله في جنوب لبنان، ألقى جنود الکيان الصهيوني منشورات على حدود لبنان، وهو إجراء وصفته وسائل الإعلام العبرية بأنه غير عادي، واعتقدت أن هذا العمل تم بدافع الارتباك.
وتضمنت المنشورات رسائل تهديد لأعضاء حزب الله، الذين طُلب منهم الابتعاد عن السياج الحدودي. وکُتب في المنشورات: "فكر قبل أن تتصرف، فإن كسر الحدود يعرضك للخطر وقد يؤذيك".
وسائل الإعلام اللبنانية وصفت تصرفات الجيش الصهيوني بأنها سخيفة، وأعلنت أن مثل هذه التصريحات هي أكثر ملاءمةً للتحذير من مخاطر التدخين وما إلى ذلك، وليس لقادة المقاومة والمقاتلين الذين تواجدوا في ساحات المعركة في كل الظروف، وغيروا كل المعادلات.
جاء هذا الإجراء من قبل الصهاينة بعد ساعات من بيان غير معتاد لـ "أهارون حليفة"، رئيس شعبة المخابرات العسكرية الإسرائيلية "أمان"، أشار حليفة في هذا البيان إلى عملية مجدو في آذار الماضي في شمال فلسطين المحتلة وحمّل حزب الله المسؤولية عنها. وقبل ذلك، رفض جهاز الأمن الإسرائيلي الإدلاء بتعليق رسمي على العملية وحاول حجب أخبارها، لكن رئيس أمان أعلن أن عملية مجدو لم تكن الأولى من نوعها وستتكرر أيضًا.
سلسلة أحداث خطيرة أرعبت الصهاينة
أعلن جيش الاحتلال، الخميس الماضي، بالتزامن مع عيد المقاومة وذكرى تحرير جنوب لبنان، أن طائرةً مسيرةً دخلت الأجواء الإسرائيلية (فلسطين المحتلة) من الجانب اللبناني. لكن حادثة أخرى وصفها موقع "srugim" العبري بأنها استثنائية، وهي استهداف طائرة إسرائيلية دون طيار بمحاذاة الحدود بين سوريا وفلسطين المحتلة.
وفي اليوم نفسه، أفادت وسائل إعلام عبرية عن وقوع محاولات لإطلاق صواريخ في الضفة الغربية، الأمر الذي تعتبره المصادر الأمنية في غاية الخطورة. وأخيرًا، تبين أن صاروخًا انفجر بالقرب من بطارية مدفعية وبعد الإطلاق مباشرةً. وبعد ذلك أثيرت تساؤلات كثيرة في دوائر الأمن التابعة للکيان الصهيوني، حول الجهة التي تقف وراء هذه العملية الصاروخية.
وأعلن "هيلل بيتون روزين"، المراسل العسكري للقناة 14 التلفزيونية الصهيونية في هذا السياق، أن "الهجوم الصاروخي على منطقة جنين بالضفة الغربية يثير مخاوف إضافية لإسرائيل، وهذا تهديد جديد في شمال الضفة الغربية ضد الجبهة الداخلية لإسرائيل".
لكن الصهاينة لم يتمكنوا بعد من معرفة الأبعاد الدقيقة للحادث الأخير في الضفة الغربية والدوافع وراءه، وهذا يسبب مزيدًا من الارتباك في الدوائر العسكرية والأمنية.
کواليس التهديدات الفارغة للصهاينة
أعلن وزير الحرب في کيان الاحتلال، يوآف غالانت، أن "هدف إسرائيل الرئيسي في المرحلة الحالية أكثر تعقيدًا وأهميةً من أي وقت مضى، ويجب أن يكون سلاح الجو جاهزًا في أي لحظة. ومن أجل منع تطوير برنامج إيران النووي وزيادة تخصيب اليورانيوم إلى 90٪، يجب على إسرائيل أن تطرح كل الخيارات على الطاولة".
واستمر نتنياهو في تفاخره السخيف، فقال لإيران: "يجب أن يعرف أعداؤنا أننا متقدمون عليهم بفارق كبير".كما كرر "تساحي هنغبي"، رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، مزاعم قادة صهاينة آخرين وزعم "أننا سندعم نتنياهو إذا قرر مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية. تخصيب اليورانيوم بنسبة 90٪ من قبل إيران خط أحمر للعالم كله، وإسرائيل لن تضيع الوقت".
کما أعلن "أهارون حليفة"، رئيس أمان، والذي ظهر بوضوح خوفه وقلقه من الحرب مع المقاومة في تصريحاته: "حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، قريب جداً من القيام بعمل قد يؤدي إلى حرب كبرى في المنطقة. وقد يخلق سلوك نصر الله هذا، إلى جانب الثقة العالية بالنفس لدى بشار الأسد، رئيس سوريا، إمكانيةً كبيرةً لتصعيد التوترات في المنطقة، وتفعيل المواجهات ضد إسرائيل من الجبهة الشمالية، يمكن أن يؤدي إلى تصعيد التوتر وصراع كبير بين إسرائيل وحزب الله".
وأضاف: "إن سماح بشار الأسد لحزب الله باستخدام الأراضي السورية لإطلاق طائرات مسيرة على إسرائيل، يزيد من احتمالية اندلاع هذه الحرب، وعلى إسرائيل الاستعداد لها".
لكن مضمون تهديدات الصهاينة يشير إلى أن کيان الاحتلال الآن في موقع دفاع وليس هجوم، والتفاخر العبثي لقادة هذا الکيان يأتي أيضًا في سياق محاولة استفزاز الطرف الآخر للتراجع، وعدم الدخول في حرب مع هذا الکيان.
والواقع أن المحتلين يحاولون شن حرب نفسية على المقاومة للتغطية على إخفاقاتهم ومخاوفهم، وخاصةً بعد مناورة حزب الله غير المسبوقة. كذلك، في ظل تحول كل التطورات والمعادلات في المنطقة ضد الکيان الإسرائيلي، يحاول الصهاينة جذب انتباه حلفائهم الأمريكيين والأوروبيين من خلال تهديد المقاومة، ويريدون معرفة ما إذا كان الغرب وأمريكا لا يزالان على استعداد لدعم الکيان، في ظل الصراع مع مخاوف مثل الحرب في أوكرانيا.
جهود الکيان الإسرائيلي غير المجدية لاستعادة الردع
إذا نظرنا بعناية إلى تصريحات قادة کيان الاحتلال، يمكننا أن نرى أنهم يتطلعون إلى استعادة الردع المفقود لهذا الکيان. وكانت الحرب التي شنها الکيان على قطاع غزة قبل أسابيع قليلة، تتماشى أيضًا مع نفس الهدف.
لقد اعتقد الصهاينة أنه بشن حرب على حركة الجهاد الإسلامي، وهي إحدی فصائل المقاومة في فلسطين فقط، يمكنهم استعادة ردعهم الهش جزئيًا، لكن النتيجة كانت معاكسةً لرغباتهم.
كما أن تركيبة ومحتوى تهديدات الکيان، تشير إلى عقدة النقص التي يحاولون تعويض هذا الإذلال بمواقف قاسية، وذلك على الرغم من أنه لم يتم العثور بعد على طريقة لمنع تآكل الجبهة الداخلية للکيان الإسرائيلي.
بعد التطورات التي حدثت مؤخراً في أعقاب الاتفاق بين إيران والسعودية، وعودة سوريا إلى الجامعة العربية والزيارة الاستراتيجية التي قام بها السيد "إبراهيم رئيسي" رئيس إيران إلى دمشق، فإن الإسرائيليين قلقون من أن الدول العربية في المنطقة ستقترب من محور المقاومة.