الوقت_ بشكل مباشر مؤخراً، أوضحت بثينه شعبان أنّ مشاركة الأسد في قمة جدة كانت انتصاراً لسوريا وفشلاً للمخططات الكبيرة ضد بلادها، عقب 12 عاماً من القطيعة على خلفية الأزمة التي عصفت بالبلاد ومن ثم تحولت إلى نزاع إقليميّ ودوليّ دام بحق هذا البلد وأبنائه، في ظل الحديث عن موافقة سوريا على الحد من تجارة المخدرات وإنهاء تهريب المخدرات عبر حدودها مع الأردن والعراق، وتحدثت المستشارة الخاصة للرئيس السوري عن العقد الصعب الذي مرت به بلادها ووصفت مشاركة الرئيس بشار الأسد في قمة جدة بفشل المؤامرة، حيث إنّ العرب وضعوا خارطة طريق لإنهاء الصراع السوري المستمر منذ سنوات طويلة، فيما تتقارب العلاقات العربية مع دمشق بقوّة، وهذه الخطوات تمثل محاولة حقيقية من قبل تلك الدول لإعادة بناء العلاقات مع الدولة التي مزقتها الحرب، حيث إن دول الشرق الأوسط تركز الآن على إعادة بناء اقتصاداتها بعد سنوات من الصراع والفوضى التي خلفتها القوى الخارجية، بما في ذلك فشل المعارضة في سوريا في تقديم بديل قابل للتطبيق للحكومة الحالية، وباعتبار أن القوى الخارجية خلقت الكثير من الفوضى في الشرق الأوسط، تحاول دول الشرق الأوسط في فضائها الخاص بوسائلها الخاصة بناء اقتصاداتها، فالحوار مع دمشق كان ضروريًا في مرحلة ما على الأقل لمعالجة القضايا الإنسانية وعودة اللاجئين، ومهذا ما تعتبره سوريا انتصارا لها.
درسٌ للعالم أجمع
"ما حققته سوريا في المرحلة السابقة هو درس للعالم أجمع"، عبارة شدّدت عليها بثينة شعبان المستشارة الخاصة للرئيس السوري التي أشارت إلى أنّ ذلك يدفع سوريا للتقدم بتعاطف نحو الهدف الأساسي وهو تحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيليّ، في الوقت الذي سعى فيه المشروع العدوانيّ لإسقاط "معادلة سوريا" وتشريد وتجويع شعبها، ومنعها من العودة للحضن العربي، عقب فشل المشروع الغربيّ في المنطقة وانتصار السوريين وحلفائهم في هذه الحرب الشعواء ضد أصحاب المشاريع الاستعماريّة والعدوانيّة في منطقتنا.
"التجربة الصعبة التي مرت بها سوريا طوال عقد كامل درس سيتم استخدامه في قضايا الأمة وخاصة القضية الفلسطينية، لأنه في النهاية، سينتصر أولئك الذين لديهم أكبر قدر من الإيمان بقضيتهم"، هذا ما أضافته مستشارة بشار الأسد، وخاصة أنّ عودة سوريا إلى الجامعة العربية مهمة للغاية رغم تشكيك البعض، باعتبارها موافقة مبدئية من دمشق على التفاوض بشأن خطة سلام، بينما تحاول الدول العربية والدول الأكثر تأثراً بالصراع التوصل إلى إجماع حول وتيرة تحسين العلاقات مع الأسد مع عودته إلى قمة الجامعة العربية، حيث يدور الإجماع العربيّ على دعم سوريا ومؤسساتها في أي جهود مشروعة لبسط سيطرتها على أراضيها، بعد أن أودت الحرب المستمرة بحياة أكثر من نصف مليون شخص وشرّدت أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها، وتحولت الأراضي السورية إلى ساحة تصفية حسابات بين قوى إقليمية ودولية، في انتصار دبلوماسيّ كبير لدمشق وانتهاء كامل لعزلة سوريا وبشكل رسميّ.
وإن حضور الرئيس السوري بشار الأسد في القمة العربية في جدة ليس إعلان انتصار سوريا فحسب، بل إعلان فشل الخطط الكبرى التي تدعمها أقوى القوى العالمية، وهذا الانتصار دليل على أن الإنسان الذي يؤمن بقضيته لا يستطيع أحد إخضاعه وهو منتصر في النهاية وعليه فقط التحلي بالصبر، هذه وجهة النظر السورية التي تؤكّد أنّ الأمة والجيش السوري وائتلاف المقاومة وحلفاء سوريا كلهم صبروا ونتيجة لذلك يقر العالم كله بما في ذلك الإعلام الغربي بأن عودة سوريا ومشاركتها في القمة العربية تدل على كرامتها،
وأرادت بثينة شعبان مراراً التأكيد على أهمية التفكير الذي ركز عليه بشار الأسد خلال العقد الصعب من سوريا وأنه كان مصدر أمل، واعتبرت مستشارة الرئيس السوري أن مسألة الأمل مهمة للأمة الفلسطينية، فالفلسطينيون هم أصحاب هذه الأرض وسيبقون فيها، وعاجلاً أم آجلاً سيتم القضاء على المستعمرين والمحتلين الإرهابيين، وللأمة الإسلامية كنز ثقافي وحضاري، والأعداء يخافون من وحدة هذه الأمة وهم قلقون من أن تصبح كتلة إقليمية كبيرة سيكون لها وزن كبير في المعادلات العالميةـ وبالتالي سوف يصبح العالم متعدد الأقطاب والغرب لن يكون قادراً على الحديث عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان بعد ذلك، والغرب يعلم تماماً أنه في دوامة من الانحدار والوضع ليس في صالحه.
نتائج مختلفة لعودة سوريا
كلنا نعلم أنّه بعد الزلازل الأخير حتى الدول العربية التي كان لها علاقات صعبة مع سوريا في السابق ترى الآن في ذلك فرصة لتحسين العلاقات، وخاصة بعد أن دخلت الحرب على سوريا عامها الثاني عشر، في ظل أوضاع معيشيّة واقتصاديّة مأساويّة لا يمكن وصفها إلا بـ "حرب لقمة العيش"، وكما نعلم جميعاً أنّ ما تسمى "جامعة الدول العربيّة" التي مقرها القاهرة، علّقت عضوية سوريا في تشرين الثاني عام 2011، مع اندلاع ما سُميت بـ "الثورات" في معظم البلدان العربيّة، وبعد أن غُيبت دمشق قبل عقد من الزمن، تقود بعض العواصم العربية مساع دبلوماسيّة كبيرة عبر أكثر من بوابة بنتائج نالت أصداءً ربما تكون مبشرة قليلاً لدى الشارع السوريّ المُنهك من الغلاء الفاحش والفساد والعقوبات التي تستهدف حياته وصحته ولقمة عيشه بشكل مباشر، وسط حديث عن آمال بقرب تسويّة ومفاجآت سياسيّة، ربما تضع حداً للحرب على سوريا بعد أن تحمل السوريون الكثير من المآسي في واحدة من أشد الحروب الدمويّة التي مرت في تاريخ البلاد.
وعقب عودة سوريا إلى جامعة الدول العربيّة، تتحرك العثرات أمام الحل السلميّ والسياسيّ، وإنَ توجه الدبلوماسيّة العربية تنشط بقوة لبحث قضايا المنطقة، وبالأخص الملف السوري، بما يوحي باتفاق دوليّ، سيمر عبر "بوابة عربية"، بما يُظهر رغبة عربية بدعم سوريا التي أصبحت عضواً كامل العضويّة في المجتمع الدوليّ وأن تعود إلى الأسرة العربيّة، وبالتالي استعادة مكانة سوريا في جامعة الدول العربية، بعد أن تم تعليق عضويتها في تشرين الثاني عام 2011، حيث إنّ العاصمة السورية كانت ومازالت من ركائز العمل العربيّ المشترك.
وتأتي عودة سوريا إلى مقعدها بجامعة الدول العربية، بعد التركيز من أهم الدول العربية على حماية الأمن القوميّ العربيّ، ومواجهة التدخلات الخارجيّة في المنطقة، بالاستناد إلى ضرورة التعاون الإقليميّ لبدء مسار عودة سوريا إلى محيطها، وخاصة أنّ من الأدوار المهمة لعودة سوريا هو أن تعود للجامعة العربية، وهذا يتطلب جهداً أيضا من الجانب السوريّ كما يتطلب جهداً من المسؤولين العرب ودول الجامعة العربيّة، وأنّ الأمر يتعلق بمصلحة سوريا والمنطقة، ولا يمكن سوى العمل على عودة سوريا إلى محيطها.
ومنذ أسابيع، ظهرت مساعي العديد من الدول العربيّة لعودة سوريا إلى عضوية الجامعة وتسلم مقعدها لتكون ضمن المنظومة العربية بدلاً من استمرار عزلها دون أيّ نتيجة تُذكر في إنقاذ هذا البلد بل كانت عاملاً مهماً في الحرب الاقتصاديّة على السوريين، الأمر الذي يؤثر بطبيعة الحال على ما يُسمى "العمل العربيّ المشترك" إيجاباً، ما يعطي الجامعة صبغة أكثر تماسكاً وانسجاماً في هذا الموقف، في ظل الضعف الكبير للدور العربيّ في إيجاد حلول سياسيّة للأوضاع المتأزمة منذ سنوات طويلة، ولا بد للدول العربيّة أن يكون لها تدخل ايجابيّ واضح في هذا الملف، وأن توفر مظلة عربية جيدة لسوريا بما يمكّنها من تجاوز عثرتها الحالية، وخاصة أنّ الملف السوري من الملفات الأكثر تعقيداَ بالمنطقة، بالنظر إلى وجود قوات عسكريّة لعدّة دول على أراضيها، ويجب التكاتف لمساعدتها.
وإن عودة سوريا إلى مقعدها بالجامعة العربية لاحتلال مقعدها الطبيعيّ باعتبارها من الدول المؤسسة للجامعة، يعود بالنفع على تكامل التعاون بين الدول العربيّة وتضافر الجهود لدعم العمل العربيّ المشترك، لأنّ عودة سوريا لممارسة دورها سينعكس بأهميّة على العالم العربي بأكمله، كما أن لذلك انعكاسات إيجابية بإحياء فكرة النظام الإقليميّ العربيّ في مواجهة النظام شرق الأوسطي الذي تدعو إليه بعض الدول الأخرى.
من ناحية أُخرى، تحتاج المنطقة اليوم إلى مثل هذه الدول المؤسسة والمحوريّة، على الرغم من آثار الدمار المتعدد الأوجه الذي سببته الحرب، وباعتبار أنّ سوريا أصبحت ساحة للصراع الإقليميّ والدوليّ، تحتاج إلى مزيد من الجهد العربيّ لإعادتها إلى دورها المحوريّ السابق، فميثاق "جامعة الدول العربيّة" ينص في بعض جوانبه على ميثاق الدفاع المشترك والتعاون الاقتصاديّ، إلا أن مثل هذه البنود لم يتم تطبيقها، بالتزامن مع الأزمة الاقتصاديّة التي تعصف بالبلاد بعد كل هذا الاستنزاف الاقتصاديّ للدولة السورية، وبعيداً عن الحالة العسكريّة المعقدة بشكل كبير، تحتاج سوريا إلى تضافر الجهود العربيّة لاستقرار الوضع الاقتصاديّ وتجنيبها المزيد من الانحدار والويلات لشعبها، فضلاً عن ضرورة تفعيل العمل الإنسانيّ لإنقاذ الشعب السوريّ، في ظل الوضع العالميّ والكارثيّ على إثر انتشار فيروس كورونا المستجد.
وإنّ المؤازرة العربيّة لسوريا في هذه الظروف المأساويّة وهي في بداية نهاية خروجها من أتون الحرب التي دمرت كل مناحي الحياة، هو أقل ما يمكن تقديمه لدمشق، ولا سيما في ظل العقوبات الاقتصاديّة أو ما يصفه السوريون بـ "الإرهاب الاقتصاديّ"، وثمة هامش يمكن للجامعة العربية أن تقوم به وهو الجانب الاقتصاديّ الإنسانيّ الذي ورد في ميثاق جامعة الدول العربية، حيث تحتاج سوريا أكثر من أي وقت مضى إلى تفعيل هذا الجانب الذي سيؤدي الى مواجهة تداعيات الحرب، التي لم تترك فرحاً في أيّ بيت سوريّ.
نتيجة لكل ما ذُكر، صدقت وجهة النظر السورية فعودة سوريا إلى الجامعة العربية مهمٌة للغاية في الدفاع عن مصالح الدول العربية وزيادة تضامنها وتعاونها في مختلف المجالات السياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة، إضافة إلى التحرر من السيطرة الأجنبيّة وتحقيق الوحدة بين الدول الأعضاء، وإن تطبيق ذلك يحول الشرق الأوسط إلى منطقة تتشكل من خلال الدبلوماسية الإقليمية وليس التطورات الدولية، وإن تواصل الدول العربية مع الرئيس بشار الأسد جزء من ذلك، لكن ما يجري ضروري للغاية وقد أنهى عزلة سوريا، كما أنّ رفض بعض الدول العربية المحدودة إقامة علاقات مع دمشق هو مؤقت وظاهريّ فقط، وهذا انتصار عظيم لسوريا وشعبها.