الوقت- على الرغم من مرور سنوات على مأساة جرائم داعش البشعة بحق الأقلية اليزيدية في منطقة سنجار بالعراق، لم يعد الوضع في هذه المنطقة إلى ما قبل الأزمة، وسنجار ما زالت غير آمنة لعودة النازحين. الأمر الذي تسبب في إرباك عشرات الآلاف من الأشخاص في هذه المنطقة. وقد دفعت هذه القضية مختلف السلطات العراقية إلى التحذير من وقت لآخر بضرورة معالجة حالة اللاجئين في المنطقة بشكل عاجل وعواقب استمرار الوضع غير المواتي الحالي.
وفي هذا الصدد، قال فالح الفياض، رئيس الحشد الشعبي، السبت إن عودة النازحين إلى ديارهم في سنجار تتطلب حوارا مع حكومة إقليم كردستان. وحسب هذا المسؤول في الحشد الشعبي، فإن استقرار سنجار مهم، وبقاء هذه القضية لا ترضي العراقيين سياسياً.
وفي آب / أغسطس 2014 هاجمت عناصر داعش منطقة سنجار غرب محافظة نينوى وقتلت وجرحت العديد من الإيزيديين وشردتهم ودمرت منازلهم، ومنذ ذلك الحين لم يتم اتخاذ أي إجراء إيجابي لإعادة النازحين. هذا الرقم يُضاف إلى عمليات اختطاف آلاف الأشخاص، وخاصة النساء والأطفال الأيزيديين، ولا يزال مصير العديد منهم مجهولاً.
الخلافات بين أربيل وبغداد تمنع عودة اللاجئين
يأتي الوضع الأمني غير المواتي في سنجار في وقت تتحمل فيه سلطات حكومة إقليم كردستان والمجتمع الدولي والحكومة العراقية مسؤولية بقاء حوالي 300 ألف إيزيدي في مخيمات اللاجئين، أغلبهم في إقليم كوردستان. بعد تحرير سنجار من براثن داعش، عادت أكثر من 20 ألف عائلة فقط إلى ديارها في منطقة سنجار، التي أغلب قاطنيها هم من أتباع هذه الطائفة.
جدير بالذكر أن بغداد وأربيل توصلتا في تشرين الأول 2020 إلى اتفاق لتطبيع الأوضاع في سنجار، تتوخى بموجبه الإدارة المشتركة للقضاء إدارياً وأمنياً وخدماً. واستناداً إلى هذه الاتفاقات بين الجانبين، كان من المفترض أن يحل السلام والاستقرار في سنجار وتتوافر شروط عودة اللاجئين، لكن هذا الاتفاق لم يتحقق بعد لأسباب سياسية.
في آب / أغسطس 2020، قال أحد نواب الإيزيديين في مجلس النواب، رداً على عدم عمل الحكومة المركزية وحكومة الإقليم لتهيئة الظروف الأمنية في سنجار، إنه بعد سنوات قليلة على تحرير سنجار، فإن الوضع الإداري والأمني والخدمي لهذه المدينة غير مستقر وهذا الوضع يؤدي إلى عدم استقرار المدينة ويجعل من الصعب على اللاجئين العودة وتقديم الخدمات لهم. وطالب ممثل الإيزيديين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم بإيجاد حل لتنظيم الشؤون الإدارية والقضائية لسنجار حتى يتمكن آلاف النازحين من العودة.
في السنوات الأخيرة، أثرت الخلافات السياسية بين إقليم كردستان والحكومة المركزية في العراق أيضًا على القضايا الأمنية في بعض المدن، بما في ذلك سنجار. ودائما ما يمنع قادة أربيل دخول قوات الحشد الشعبي لإرساء الأمن في المناطق الشمالية.
لكن في السنوات الأخيرة، أظهرت هذه القوات أنها أقامت الأمن والاستقرار في هذه المناطق أينما عملت، ويمكنها أن تفعل الشيء نفسه بنجاح في سنجار حتى يتمكن النازحون من العودة إلى ديارهم بعد سنوات من التجوال. ورغم إصرار الحكومة المركزية وفصائل الحشد الشعبي على إصلاح الوضع في سنجار، فإن كل شيء يعتمد الآن على أربيل لإظهار رغبتها في حل مشاكل هذه المنطقة.
استيلاء "حزب العمال الكردستاني" على إرث داعش
رغم اختفاء تهديد داعش من سنجار، لا تزال هناك مشاكل وتحديات أخرى لا تسمح للاجئين بالعودة. إضافة إلى الصراعات بين قادة الإقليم، أدى وجود جماعات انفصالية وإرهابية أخرى في سنجار إلى زيادة القضية. أكد عويد الجحيشي، عضو مجلس محافظة نينوى السابق، مؤخرًا على ضرورة ترسيخ دولة القانون وسيادة القانون في القضاء من أجل استعادة الاستقرار بشكل طبيعي، وأشار إلى أن على الحكومة العراقية معالجة موضوع وجود عناصر حزب العمال الكردستاني. وحسب هذا المسؤول العراقي، فإن حزب العمال الكردستاني قد شكل فصيلاً موالياً هناك يسمى "وحدات حماية سنجار".
كما قال محمد خليل، رئيس بلدية سنجار، إن حزب العمال الكردستاني يمنع تنفيذ اتفاق سنجار وعودة اللاجئين. لان وجود حزب العمال الكردستاني في سنجار غير شرعي لان هذا الحزب غير عراقي. وأوضح خليل أن الحكومة الاتحادية جادة في تنفيذ اتفاقية سنجار المدعومة دوليا، مشيرا إلى أن مفتاح التطبيع يكمن في توفير الأمن لعودة النازحين وتقديم الخدمات. وحسبه، يرفض حزب العمال الكردستاني مغادرة منطقة سنجار وتشن تركيا هجمات ضد مقاتليه من حين لآخر، ما يزيد من مخاوف عودة اللاجئين.
وحسب الأوضاع الأمنية في سنجار، تعتقد بعض المصادر العراقية أنه إذا تدخلت الحكومة المركزية لإرساء الأمن في هذه المدينة، فسيبدأ الصراع مع حزب العمال الكردستاني وحلفائه وسيزداد الوضع سوءًا. وحسب هذه المصادر، فإن عناصر حزب العمال الكردستاني كانوا يستعدون للصراع مع الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي منذ شهور. وبناء على ذلك، يحاول حزب العمال الكردستاني منذ عدة أشهر حفر نفق في جبال سنجار، وكأنه يستعد لفرض وجوده وعدم مغادرة الأراضي العراقية.
حزب العمال الكردستاني يعمل على تنفيذ خططه الانفصالية وتشكيل حكومته المنشودة، وفي هذه الحالة لا يوجد نقص التهديدات برحيل إرهابيي داعش، ووجود عناصر هذه المجموعة الإرهابية في إقليم كوردستان من العقبات البغيضة من أجل عودة اللاجئين اليزيديين وإرساء الأمن. على الرغم من أن الحكومة العراقية طلبت مرارًا من قادة الإقليم الحد من أنشطة هذه الجماعات الانفصالية، إلا أن أربيل لا تستجيب لهذه الطلبات، وبعبارة أخرى، تركت أيدي حزب العمال الكردستاني والجماعات الانفصالية الكردية الأخرى حرة لدرجة أنهم يتخذون إجراءات ضد الأمن القومي الإيراني، الأمر الذي أثار حفيظة السلطات الإيرانية.
تكمن أهمية جبال سنجار في أن أي قوة تكمل سيطرتها على هذه المنطقة يمكن أن تسيطر على المناطق الجنوبية والجنوبية الشرقية مثل تلعفر والموصل. كما أن السيطرة على سنجار تعني أنه يمكن تثبيت السيطرة الأمنية على جزء كبير من حدود العراق وسوريا من ربيعة إلى الحدود الشمالية للأنبار. لهذا السبب، وبعد تدمير داعش، فإن الجماعات الإرهابية مثل حزب العمال الكردستاني قد وضعت سنجار نصب عينيها، واعتبار أن سلطات الإقليم قد غضت الطرف عن جرائم هذه المجموعة الإرهابية، فإن ذلك سيمكنها وحلفاءها من الانتشار بسهولة في سنجار ومحيطها.
ذريعة للاحتلال التركي
وبالنظر إلى أن الحكومة التركية تعتبر حزب العمال الكردستاني أكبر تهديد لأمنها القومي، فقد أقامت قاعدة لها في المناطق الشمالية من العراق واحتلت أجزاء منه في العقد الماضي بهذه الذريعة. لذلك، طالما استمر حزب العمال الكردستاني في احتلال أراضي سنجار، فهناك عذر لتركيا لمواصلة احتلال أراضي العراق، وأصبحت هذه القضية أكبر تحد أمني للحكومة المركزية في العامين الماضيين، حيث تنتهك هجمات تركيا سلامة أراضيها. تصاعدت هجمات الجيش التركي بشكل كبير لدرجة أن مجموعات الحشد الشعبي حذرت من أنه يتعين على أنقرة سحب قواتها من العراق في أسرع وقت ممكن، وإلا فإنها ستلجأ إلى القوة لطردها، كما تم تنفيذ عدة هجمات بطائرات مسيرة على قواعد غير قانونية في تركيا.
التحدي المهم الآخر في سنجار، كما قال مسؤولون أكراد سابقون، هو الوجود المتزامن لحكومتين محليتين على المدينة، أحدهما يتم تعيينه من قبل مسؤولي الحكومة الفيدرالية والثاني هو حكومة منتخبة تدير أعمالها من محافظة دهوك. هناك مقولة شهيرة مفادها بأن "ملكين لا يحكمان في منطقة واحدة" وفي سنجار، فإن وجود حكومتين متوازيتين لن يمنع الاستقرار فحسب، بل سيؤدي أيضًا إلى تصعيد التوترات الأمنية. إن بدء التوترات الداخلية في سنجار، إضافة إلى عرقلة عودة عشرات الآلاف من النازحين، سيؤدي أيضًا إلى نزوح آلاف الأشخاص الآخرين ويمكن أن يخلق معضلات سياسية كبيرة. لذلك، وحسب المشاكل المتزايدة لأهالي سنجار، فإن أفضل حل هو حل الخلافات بين الحكومة المركزية والمنطقة وزيادة التعاون الأمني لإعادة النازحين.
ويطالب الإيزيديون في سنجار المقربون عرقيا من الأكراد قادة المنطقة بتنحية طموحاتهم والتعاون مع بغداد في هذا الشأن، معتبرين تجربة قوات الحشد الشعبي في محاربة الإرهابيين، إذا وافقت أربيل على السماح لهذه القوات بالدخول إلى سنجار، ففي غضون فترة وجيزة، سيتم تفكيك الجماعات الانفصالية من حزب العمال الكردستاني، ومع استتباب الأمن، سيتم توفير الطريق لعودة اللاجئين، ومن ناحية أخرى، سوف تختفي أي ذريعة للسلطات التركية أيضا للوجود داخل العراق، وسيصبح العراق أكثر استقرارا من ذي قبل.