الوقت- الخوف من الزوال والانهيار هو شعور متغلغل في قلوب وعقول المستوطنين في كيان الاحتلال الاسرائيلي، فالوضع في كيان الاحتلال هو الاسوأ والاكثر ظلامية منذ عام 1948. استطلاع للراي اجراه مركز المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، اظهر هبوطاً حاداً في معدل المتفائلين بمستقبل الكيان، حيث وصل عددهم الى نحو تسعة واربعين في المئة، بعد ان كانوا اكثر من ستة وسبعين في المئة في عام ألفين واثني عشر.
وأظهر الاستطلال انخفاضاً حاداً وغير مسبوق في الثقة بعموم مؤسسات الكيان، حيث بلغت ثلاثة وثلاثين في المئة فقط. واظهر الاستطلاع ايضا ارتفاعاً في مستوى الاشخاص الذين صنفوا وضعهم على أنه سيئ أو سيئ جدا، حيث بلغوا سبعة وثلاثين في المئة، بعد أن كانوا نحو ستة وعشرين في المئة في عام ألفين وتسعة عشر.
رئيس دولة الاحتلال اسحق هرتسوغ، علق عند تلقّيه تقرير نتائج الاستطلاع، بانه قلق جدا من المعطيات الثلاثة التي وجدت في التقرير، وهي ضعف التضامن في الكيان وتضعضع إحساس الانتماء، والانخفاض في مدى التفاؤل بالنسبة لوضع الكيان.
وأضاف إن هذه المعطيات صعبة، تضاف إلى أجزاء أخرى في التقرير تعكس التوترات الداخلية في كيان الاحتلال. وأوضح أن هذا الامر يحتم على المستوطنين رص صفوفهم والالتزام باعادة بناء الكيان. قيادات الاحتلال باتت تعي تماما ان زوالها ومستقبل هذا الكيان حتمي لا محالة، فقد كان وزير الحرب السابق بيني غانتس، قد عبر عن مخاوفه الوجودية على مستقبل الكيان.
وتابع ان هناك مخاوف من سيطرة الفلسطينيين على إسرائيل في المستقبل ليس بالبعيد. واوضح ان دولة الاحتلال ستتقلص خلال السنوات المقبلة لتصبح ما بين مستوطنة غديرا والخضيرة.
تصريحات غانتس في سياق مقال لرئيس حكومة الاحتلال الأسبق إيهود باراك، الذي اثار فيه قلقاً كبيراً مما سماها لعنة العقد الثامن التي عاشتها الممالك اليهودية السابقة، وقد تطيح بدولة الاحتلال خلال السنوات القريبة.
واضاف باراك محذرا من ان إسرائيل تقع في محيط صعب لا رحمة فيه للضعفاء. واكد ايضا ان العواقب الوخيمة للاستخفاف بأي تهديد. هذه التصريحات تأتي في وقت يعيش فيه الكيان ازمة داخلية كبيرة سواء على مستوى التظاهرات المستمرة او في العمليات الفلسطينية، حيث باتت المقاومة تفرض استراتيجياتها للمعركة، فبدلا من ان يخرج الصاروخ من قطاع غزة ليستهدف المستوطنات الاسرائيلية ردا على الانتهاكات في المسجد الاقصى او الاعتقالات في الضفة الغربية، باتت البندقية تخرج من داخل الاراضي المحتلة عام ثمانية واربعين وتستهدف المستوطنين، وسلاح الاسود المنفردة اصبح يرهق مسؤولي الاحتلال ويزعزع استقرار حكومتهم التي باتت هي الاضعف والاكثر هشاشة في تاريخ الكيان، بسبب فشلها الامني والعسكري بوجه المقاومين الفلسطينيين.
هواجس الزوال والدمار لا تزال تلاحق كيان الاحتلال الاسرائيلي ومفكريه، وكان اخرهم البروفيسور دانيال كانمان الباحث الإسرائيلي والحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد، الذي اكد انه قلق من زوال كيان الاحتلال أكثر مما كان خلال حرب عام 1973.
حيث اشار الى انه يخاف من الانقلاب القضائي، في إشارة إلى خطة تدفعها حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة لتنفيذ إصلاحات على نظام القضاء، والتي أدت بالفعل إلى تحذير من محافظ بنك إسرائيل، وأثارت احتجاجا في عالم التكنولوجيا الفائقة هاي تيك وزادت كذلك من مستوى القلق بين وكالات التصنيف الائتماني الدولية.
وقال كانمان انه بالنسبة له ان ما يحصل هو نهاية إسرائيل كما كان يعرفها. واضاف انه عندما تتوغل السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، فإنها تديم حكم أي حزب وهذه نهاية الديمقراطية بلا شك. ولفت الى ان كيان الاحتلال ينضم بهذا الامر إلى المجر وبولندا وهي دول الديكتاتوريات التي تتظاهر بأنها ديمقراطية. وتبدأ العملية بإلغاء النظام القضائي كنظام مستقل وتستمر مع الصحافة والحرية الفردية.
الانقسام في الكيان الصهيوني ظهر علانية خلال خطط حكومة بنيامين نتنياهو لاصلاح القضاء والتي ادت لتظاهرات حاشدة في تل أبيب والقدس وحيفا وبئر السبع، حيث اعتبر المتظاهرون ان ما يجري هو انقلاب، واضافوا ان ما يجري سيهدد منظومة الضوابط والتوازنات الديمقراطية فيما يتعلق بتعامل المحاكم مع الوزراء.
وأثارت خطط نتنياهو معارضة شرسة أدت الى اتساع نطاق الانقسامات السياسية العميقة بالفعل في المجتمع الإسرائيلي.
نتنياهو من جهته رفض تلك الاحتجاجات، ووصفها بأنها رفض من معارضي اليسار لقبول نتائج انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي التي أفرزت واحدة من أكثر الحكومات اليمينية المتطرفة في تاريخ الكيان الإسرائيلي.
وقال ان ما يقوم به هو من اجل تعزيز الديمقراطية وان تستعيد السلطات توازنها. وفي وقت سابق من الشهر الجاري، عرض وزير القضاء في حكومة الاحتلال ياريف ليفين، ملامح خطة لإصلاح القضاء يتوقع أن ينتهي من صياغتها بنهاية الشهر الجاري.
وتشمل الخطة سيطرة الحكومة على تعيين القضاة والحد من سلطات المحكمة العليا وهي أعلى سلطة قضائية في كيان الاحتلال الإسرائيلي، التي لن يكون بإمكانها الاعتراض على قوانين تم تمريرها بأغلبية 61 صوتا في الكنيست، ويملك تحالف نتنياهو 64 مقعدا من أصل 120 في الكنيست.
والأحزاب الدينية المتشددة وتحالف اليمين المتطرف لعبوا دوراً رئيساً في تأمين عودة نتانياهو إلى السلطة، وهو الذي يحاكم أمام المحكمة المركزية في القدس بتهمة الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة والفساد وهي قضية اخرى تتربص بتلك الحكومة المتطرفة. واصلاح القضاء يعني انه وحلفاءه لن يستطيع القضاء محاسبتهم فيما بعد.