الوقت- ترافق الحديث عن معاودة فتح محادثات سرية بين سلطة أردوغان و الكيان الاسرائيلي مع مجموعات من التطورات على الساحة السياسية وأخرى اقتصادية منها، هذه المحادثات تأتي وفق ما رشح أنها استكمالاً لتلك التي جرت في ايطاليا منذ أشهر، المحادثات الأخيرة تم الإتفاق فيها على آلية لإعادة تطبيع العلاقات بينهما، على أن يتم اعادة السفيرين، وتوافق تركيا على الغاء الدعاوى القضائية بحق عناصر القوات الإسرائيلية التي اعتدت على سفينة مرمرة لكسر الحصار عن غزة في العام 2010 والزام تركيا بالغاء تنسيقها مع حركات المقاومة الفلسطينية من على اراضيها، واجراء مداولات حول مدى انبوب الغاز الإسرائيلي عبر اراضيها واجراء نقاش حول شراء الأخيرة لهذا الغاز. وفي الحديث عن اعادة تطبيع العلاقات هذه فقد اهمل الكثير من الجوانب التي ينبغي التركيز عليها والتي سنناقشها في هذه السطور، مضافاً إلى الظروف التي ادت إلى هذا التطبيع.
أولاً: هناك تناقض كبير في سياسة اردوغان الخارجية، فهو وبالرغم من حديثه على مدى الأعوام وبالتحديد خلال السنوات الخمس الأخيرة عن دعم القضية الفلسطينية ودعم حركات المقاومة فيها، واصراره على ضرورة رفع الحصار عن قطاع غزة، واستضافته لقيادات حركة المقاومة على اراضيه، مع كل هذا نرى اليوم أن كل هذه المطالب والإدعاءات قد ذهبت ادراج الرياح مع الإتفاق مع الكيان على الغاء نشاط قيادات حركات المقاومة الفلسطينية من على اراضيها، ولم يأت على ذكر لأي حديث عن رفع الحصار عن قطاع غزة، بل ان الإتفاق جاء للحديث عن ضرب كل مطالب اردوغان الإعلامية حول فلسطين وغزة ومرمرة، وتركز الحديث حول نقل الغاز من الأراضي الفلسطينية المحتلة اليه وعبرها.
يوضع التطبيع على اسس المصالح الإقتصادية والمنافع، فالكيان الاسرائيلي يواجه مشكلة في تصدير كميات الغاز من حقل لفيتان، فتصديره الى مصر كمستورد رئيسي تحول الى مهزلة بعد اكتشافات الغاز الأخيرة على طول الشواطئ المصرية، اما نقله عن طريق قبرص واليونان إلى اوروبا فتحيطها معوقات تقنية اقتصادية امنية وكانت تهدف بالأساس إلى خلق انطباع أن لدى الكيان الإسرائيلي أكثر من خيار لتصدير الغاز، وعليه فان الكيان يرى الحل عن طريق تركيا. من جهة أخرى فإن تركيا وبعد سلسلة من السياسات التي اتبعتها في دعم الفوضى في سوريا والعراق إلى تدخلاتها في الشأن العراقي الأخير إلى سياساتها الخاطئة الأخيرة بموضوع اسقاط الطائرة الروسية كلها عوامل وضعت اردوغان في مأزق، وباعتبار أن الروس عملياً يزودون تركيا بـ 60% من الغاز، فعليه ذهب خيار اردوغان للكيان. أما فلسطين وغزة فلا مكان لها في السياسة الأردوغانية سوى اتخاذها كمنطلق للضغط نحو تحقيق مزيد من المنافع والمصالح الاقتصادية.
ثانياً: اعادة التطبيع هذا يطرح تساؤلات حول توازن سياسة اردوغان و واقعيتها لا سيما في الفترة الأخيرة، فينظر إليها على أنها سياسة الهروب نحو الأمام من جهة ومخالفة لواقع تركيا والمنطقة من جهة أخرى، فأردوغان وحزبه بنى شعبيته وربح الإنتخابات على أسس وقواعد اسلامية محافظة وسياسة ضد العلمانية، وارتكز على منهجية بأنها ضد الكيان الاسرائيلي وأنه يعمل على قيام دولة قوية لا تنزل عند رغبات الأمريكيين والغربيين، إلى أنه اليوم رمى تركيا مجدداً في احضان الكيان الاسرائيلي والغرب في سياسة الهروب إلى الأمام من سياساته الخاطئة في المنطقة والدول المجاورة، وهو سمح لأمريكا الإستفادة من قاعدة انجرليك واتخاذها منطلقاً لإدارة الإرهاب في المنطقة، وهو جعل بسياساته تركيا خاضعة لتحكم الغرب، فاليوم يخشى من زيادة معدل الفائدة الأميركية الذي كان يحوم حول الصفر، والذي كان قد دفع العديد من المستثمرين إلى توظيف أموالهم في بلدان الأسواق الناشئة، كتركيا وجنوب أفريقيا والبرازيل. كما أنه يخشى من الإضطرابات الإقتصادية التي ستُضاف إلى الإضطرابات الأمنية وإلى صراعه مع حزب العمال الكردستاني في جنوب شرق تركيا. فأردوغان وضع تركيا على فوهة بركان وحوّل المنطقة المجاورة لها كمرتع للغرب.
ثالثاً: لا استقلالية للقرار الأردوغاني بمعزل عن السياسة الغربية الأمريكية الأسرائيلية، فبعد دخول القوات التركية الأراضي العراقية، وبعد تمرد اردوغاني على مطالب الحكومة والشعب العراقي بضرورة انسحاب هذه القوات، جاء الإتصال الأمريكي الذي وجه هذه القوات نحو التراجع والإنسحاب. هذا وقد برز الترحيب الأمريكي بوضوح حيال التوجه التركي نحو تطبيع العلاقات مع الكيان الاسرائيلي.