الوقت- كشفت صحيفة "دويتشه فيله" الالمانية أنه في ظل وضعية سياسية مُعقدة، يُهرول مسؤولون أوروبيون إلى الصين، أحدثهم رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي وصل بكين في زيارة دولة تستمر ثلاثة أيام، بحثاً عن بارقة أمل لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وكذلك من أجل بناء "شراكة استراتيجية متوازنة". وتكشف تلك الزيارات الأوروبية إلى بكين تطلع دول القارة العجوز إلى "حقبة جديدة من العلاقات مع الصين"، على أساس تطوير العلاقات الاقتصادية، ولا سيما في ظل الضغوطات التي تواجهها الاقتصادات الأوروبية تحت وطأة تداعيات الحرب في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا. وتصطدم تلك التطلعات بخطاب أمريكي مناهض للصين، الأمر الذي تُطرح معه عديد من الأسئلة حول مدى تأثير العلاقات الأميركية الأوروبية على دخول العلاقات الأوروبية مع الصين حقبة جديدة، وعلى مجالات التعاون الاقتصادي المشترك.
وعبرت رئيسة المفوضية الأوروبية، في خطاب لها نهاية الأسبوع الماضي، عن هذه المعضلة، مُقرة بأن العلاقات مع بكين "أصبحت أكثر بعداً وصعوبة في السنوات القليلة الماضية"، لكنها في الوقت نفسه تسافر إلى الصين رفقة الرئيس ماكرون. وفي السياق، قال رئيس الدبلوماسية الأوروبية، جوزيب بوريل، الذي يتوجه إلى الصين الأسبوع المقبل، إن "كثيراً من الأوروبيين سيذهبون إلى الصين". وترتبط تلك الرسالة بشكل أساسي بالموقف الصيني من الحرب في أوكرانيا، لكنها تحمل عدداً من التطلعات الاقتصادية لتطوير العلاقات مع بكين، طبقاً لمحللين، فقد شددوا على تبعات الأزمة التي تواجهها الاقتصادات الأوروبية على الانفتاح على بكين التي لا يُمكن العمل بعيداً عنها في ظل ما تمثله كقوة اقتصادية دولية مؤثرة ورئيسية.
الف) ارتفع إجمالى حجم التجارة بين الاتحاد الأوروبي والصين بنسبة حوالي 23 بالمئة في 2022 مقارنة بالعام 2021، ليصل إلى 856.3 مليار يورو (912.6 مليار دولار)، حسب يوروستات.
ب) بلغ حجم التجارة الثنائية بين الصين وفرنسا في 2022 أكثر من 81.2 مليار دولار أميركي.
ج) الصين هي أكبر شريك تجاري لفرنسا في آسيا، وسادس أكبر شريك على مستوى العالم.
د) فرنسا هي أكبر شريك تجاري للصين داخل الاتحاد الأوروبي. كما أن باريس كانت أول دولة تنشئ آلية مع الصين للتعاون بين الشركات في كلا البلدين في إطار مبادرة الحزام والطريق.
"أزمة اقتصادية"؛ ماذا تريد أوروبا من الصين؟
يقول مؤسس حزب التجمع الوطني الفرنسي، إيلي حاتم، إن هناك أزمة كبيرة في فرنسا وعموم أوروبا، ونوعا من الخوف من تفاقم تلك الأزمة مع ضغوطات التضخم الحالية بسبب الحرب في أوكرانيا، والانعكاسات الواسعة على الداخل الأوروبي والتي تعبر عنها التظاهرات الممتدة في فرنسا وإسبانيا وحتى ألمانيا وعديد من الدول الأوروبية الأخرى. ويتابع: "تعرف فرنسا أن من مصلحتها ومن مصلحة الاتحاد الأوروبي فتح جسر مع العالم الجديد الذي يُبنى في سياق الأزمة الراهنة، وهو عالم متعدد الأقطاب"، موضحاً أن هذه المساعي "لها أبعاد تجارية مالية وأيضاً سياسية، على اعتبار أنه من الصعب بعد العقوبات المفروضة على روسيا أن يفتح الاتحاد الأوروبي جبهة ثانية مع الدول الأخرى، الصين تحديداً". وبناءً على ذلك "فتح الرئيس ماكرون الباب، وذهب إلى الصين، إضافة إلى رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، للتعبير عن أن هذه المبادرة ليست فقط تتعلق بفرنسا ولكن أيضاً تشمل كل دول الاتحاد التي تعاني من مشاكل اقتصادية ومالية"، حسب حاتم الذي يضيف قائلاً: "نحن نعلم بأن هناك أزمة مالية في فرنسا وبعض الدول الأوروبية، وهذا هو الهدف الرئيسي لتوطيد هذه العلاقات وفتح أبواب جديدة وصلبة للتعاون الاقتصادي والتجاري بين أوروبا الغربية والصين".
ترسم تلك المعطيات خيوط المعضلة الأوروبية، ما بين العلاقات مع الصين (التي هي أكبر مورد للاتحاد الأوروبي وثالث أكبر مشتر لسلع الاتحاد في 2022) وبين التماهي مع السياسات الأميركية، وفي وقت يظل فيه النمو الاقتصادي الأوروبي عرضة لتبعات الحرب في أوكرانيا. ورداً على ذلك، يُلمح حاتم إلى أن الواقع مختلف، حيث "يدرك الرئيس ماكرون الآن على سبيل المثال أن الأوكسجين بالنسبة لفرنسا والاتحاد الأوروبي هو أن ينفتح على آسيا والصين خصوصاً؛ للخروج من هذه الهيمنة الأمريكية"
المواءمة الأوروبية بين العلاقات مع واشنطن والمصالح مع الصين
من جانبه، يشير الخبير في الشؤون الصينية، نائب رئيس الطبعة العربية لمجلة الصين اليوم، حسين إسماعيل، إلى أنه "كما هو معروف أن الصين أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي، وتعد عاملاً مشتركاً في كثير من القضايا التي تهم أوروبا، وعلى رأسها الحرب في أوكرانيا، وفي ظل ما طرحته بكين أخيراً بشأن ما يمكن وصفه بالمبادرة لحل الأزمة". ويشدد إسماعيل، على أن "المصالح متشعبة على المستويين السياسي والاقتصادي، بينما الدول الأوروبية تجد نفسها في موقفٍ صعب، لجهة المواءمة بين علاقاتها مع واشنطن ومصالحها مع الصين ".ويستطرد: "لابد أن نميز هنا بين دول الاتحاد الأوروبي، على أساس أنها ليست جميعها على المنوال نفسه في القرب من واشنطن، فبينما دولة مثل هولندا هي أقرب في تبني مواقف أميركا، لكن دولا أخرى مثل فرنسا وألمانيا لا تتفق مع الرؤية الأمريكية للعلاقة مع الصين".
ويتابع الخبير في الشؤون الصينية: "هذه الدول تسعى للمواءمة بين العلاقات مع الولايات المتحدة والمصالح مع الصين، وفي مقدمتها المصالح الاقتصادية"، مشيراً إلى عديد من الملفات المهمة الأخرى، من بينها الوجود الصيني في أفريقيا، بينما فرنسا لها وجود أيضاً، وبالتالي من المهم وجود تنسيق. ويختتم حديثه بالإشارة إلى أن الدول الأوروبية تتطلع إلى أن يكون للصين دور في إنهاء الحرب في أوكرانيا، ولا سيما أنها من أكثر المتضررين من نتائجها".
هرولة أوروبية إلى الصين بحثاً عن تسوية لوضعية معقدة
وفي السياق، يقول المحلل السياسي من باريس، نزار الجليدي، إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "لم يخرج عن السرب الغربي الذي يهرول الآن نحو الصين ونحو مقاربات اقتصادية جديدة في العالم". ويلفت في ذلك السياق إلى الزيارة التي أجراها المستشار الألماني أولاف شولتس في وقت سابق بعد انتخابه، إلى الصين، قائلا: "جاءت تلك الزيارة دون استشارة أوروبا، بحثاً عن تسوية لوضعية قادمة معقدة جداً في الاقتصاد الدولي وفي تغير خارطة الجغرافية السياسية في العالم". على الجانب الآخر، فإن الأمر بالنسبة للرئيس ماكرون معقد بشكل أكبر، وهو ما يضيء عليه الجليدي بقوله إن "الرئيس الفرنسي يعيش ضغطاً داخلياً كبيراً، من أزمات متتالية ومع ارتفاع معدلات التضخم والفقر، علاوة على المسائل السياسية.. يذهب الآن إلى الصين (في أول زيارة لبكين منذ 2019) وهي الشريك المحبوب والمرغوب فيه، وفي الوقت ذاته المكروه جداً بالنظر إلى سياسة الغرب وهي الكيل بمكيالين مع الصين، أمام فرضية حتمية التعاون، رغم اختلاف السياسات الدولية".
ويشدد على أن "الصين رقم صعب في المجتمع الدولي، رغم صمتها فهي بركان قد ينفجر في أي لحظة وقد يحدث زلزالاً في الوضع الدولي". ويلفت الباحث السياسي من باريس إلى أن الرئيس ماكرون بينما لم يحد عن سرب الهرولة الغربية إلى بكين بحثاً عن تسويات، فهو في وضعية اقتصادية وسياسية خاصة جداً، ذلك أنه يحتاج إلى تأمين شراكة اقتصادية وسياسية قوية مع بكين، حتى وإن رضخ إلى طلباتها، ولا سيما أنه يعرف جيداً أن الصين تأخذ مكانه في أفريقيا ومناطق نفوذ أخرى، وبالتالي تحمل هذه الزيارة ملفات اقتصادية مهمة ودبلوماسية بالأساس". ولاسيما، تغطي مشاريع التعاون الثنائي بين فرنسا والصين البنية التحتية وحماية البيئة والطاقة الجديدة، بقيمة إجمالية تزيد على 1.7 مليار دولار أمريكي، حسب الإحصاءات التي نشرتها شبكة تلفزيون الصين الدولية.
ولقد بلغت الصادرات الصينية إلى فرنسا نحو 45 مليار دولار خلال 2022 (وفق بيانات الجمارك الصينية). وخلال الـ 26 عامًا الماضية، زادت صادرات الصين إلى فرنسا بمعدل سنوي قدره 9.82 بالمئة، من 4.16 مليارات دولار في عام 1995 إلى 45 مليارا في العام الماضي. وبلغت الصادرات الفرنسية إلى الصين نحو 35 مليار دولار في العام الماضي، وخلال الـ 26 عامًا الماضية، زادت صادرات فرنسا إلى الصين بمعدل سنوي قدره 9.29 بالمئة، من 2.76 مليار دولار في عام 1995 إلى 35 مليار دولار في عام 2022.