الوقت- بعد سنوات من الصراع بين الحكومة المركزية في العراق وإقليم كردستان حول طريقة بيع النفط، والتي عُرضت على المحكمة الدولية، حققت الحكومة المركزية أخيراً انتصاراً كبيراً في هذه القضية. حيث أصدرت محكمة التحكيم الدولية التابعة لغرفة التجارة الدولية في باريس، اليوم الخميس، حكمها بعد قرابة 9 سنوات على فتح قضية تصدير نفط إقليم كردستان وشكوى الحكومة العراقية ضد تركيا، وكان لصالح العراق.
وحسب قرار هذه المحكمة، لن يُسمح لتركيا بعد الآن بتحميل النفط الخام لصالح إقليم كردستان دون موافقة السلطات الفيدرالية العراقية، ولهذا السبب أوقفت تركيا تصدير النفط من خط أنابيب جيهان منذ بداية الأسبوع الماضي. في هذه القضية، اشتكى العراق من أن تركيا انتهكت اتفاق عبور خط الأنابيب لعام 1973 بتصدير النفط الخام من الإقليم دون موافقة بغداد.
وقال مصدر مطلع إن السلطات العراقية طلبت 33 مليار دولار من تركيا كتعويضات، لكنها لم تستطع الحصول على هذا المبلغ، وأن تركيا ملزمة بدفع 1.4 مليار دولار للعراق للفترة 2014-2018. أعلنت وزارة النفط العراقية في بيان أن بغداد، من خلال وكالة تسويق النفط الحكومية، هي الجهة الوحيدة التي ستصدر عبر خط أنابيب جيهان.
تجدر الإشارة إلى أنه منذ عام 2014، بالتزامن مع غزو إرهابيي داعش للعراق، استغلت حكومة إقليم كردستان ضعف الحكومة المركزية وفتحت حقولها النفطية باستخدام خط الأنابيب الحالي الذي كان يربط النفط الخام في كركوك. حقل نفط إلى جيهان مرتبط بالمنفذ الحدودي التركي في فيشبور، وفي هذه السنوات صرفت عائداته لمصالح الإقليم، وأصبحت هذه القضية تحديا أساسيا بين بغداد وأربيل. وبعد أن لم تسفر المفاوضات السياسية الداخلية عن أي نتائج، أحالت سلطات بغداد القضية إلى محكمة التحكيم الدولية لإثبات حقها وبعد 9 سنوات فازوا.
العراق ثاني أكبر منتج في أوبك ويصدر نحو 3.3 ملايين برميل يوميا، وترسل بغداد 75 ألف برميل منها يوميا من كركوك إلى جيهان. لا ينشر إقليم كردستان أرقاماً حول صادراته من النفط، لكن خبراء الصناعة يقدرون أنه يبلغ حوالي 440 ألف برميل يوميًا. ووفقًا للبيانات التي جمعتها بلومبرج، تم تصدير مليون برميل يوميًا عبر ميناء جيهان في يناير، وهو ما يعادل واحد بالمئة من الإمدادات العالمية، وإذا كانت جميع صادرات شحنات النفط هذه ستسيطر عليها وتديرها الحكومة المركزية من خلال العائدات الناتجة، يمكن أن يحل بيع النفط جانبا من المشاكل الاقتصادية التي ابتلي بها هذا البلد.
واستطاعت تركيا، التي احتلت أجزاء من شمال العراق منذ 2014 بذريعة مواجهة التهديدات الإرهابية، تعويض جزء من احتياجاتها النفطية عبر الإقليم، وتم توقيع عقود بين الجانبين في هذا الصدد. قال كارفان أنور، عضو الاتحاد الوطني الكردستاني، في أبريل / نيسان 2022، إن الحزب الديمقراطي وقع عدة عقود نفطية رخيصة مع تركيا على مدار الخمسين عامًا القادمة.
وذكر أنه لم يعلم بهذه العقود سوى 5 أفراد من الأسرة الحاكمة لإقليم كردستان. نظرًا لموقعها على طرق العبور السريعة، فقد حققت تركيا الكثير من الأرباح من نقل النفط إلى أوروبا ومناطق أخرى في العقد الماضي، وبالنسبة لاقتصاد تركيا المتدهور، يعتبر نفط الإقليم تجارة مربحة، ولكن مع حكم المحكمة الدولية خسرت أنقرة هذه المصالح.
رغم أن قرار محكمة التحكيم الدولية أوقف تصدير النفط من تركيا، قالت وزارة النفط العراقية إنها ستناقش آلية تصدير النفط العراقي عبر ميناء جيهان مع المؤسسات ذات الصلة في إقليم كوردستان والسلطات التركية لضمان استمرار الصادرات النفطية.
تعزيز الثقل السياسي لبغداد ضد أربيل
في السنوات الأخيرة، أجرت الحكومة المركزية في العراق وإقليم كوردستان عشرات الجولات من المفاوضات السياسية لحل الخلافات النفطية، لكن أربيل لم تمتثل لمطالب بغداد، لكن مع حكم المحكمة، خسرت سلطات الإقليم مصدر الدخل.
وفي هذا الصدد، أعلن مسرور بارزاني، رئيس الإقليم: "توجه وفد من حكومة إقليم كردستان إلى بغداد الأحد الماضي لمناقشة قضايا الطاقة، وهناك مفاوضات جيدة مع الحكومة المركزية، حتى لو فقدت قدرتها على التصدير بشكل مستقل، من المرجح أن يضعف هذا استقلالية الإقليم." وقال المتحدث باسم الاقليم لاوق غفوري ان "قرار المحكمة الفرنسية لصالح الحكومة الفيدرالية العراقية ضد تركيا لن يعيق علاقاتنا مع الحكومة الفيدرالية العراقية".
تعتمد كردستان العراق على تصدير النفط الخام عبر تركيا، وسيزيد حكم محكمة باريس من إحكام طوق قانوني على أربيل في قطاع النفط في البلاد، وإضعاف يدها في المفاوضات مع بغداد.
بذلت بغداد جهوداً كثيرة في السنوات الماضية للسيطرة على موارد الطاقة في الإقليم، وتوجت هذه الجهود محلياً بحكم المحكمة الاتحادية العراقية الصادر في شباط / فبراير 2022، والذي قضت فيه المحكمة الاتحادية بعدم قانونية قانون النفط والغاز في الإقليم، كما الغت المحكمة الاتحادية عقود حكومة اقليم كردستان مع شركات النفط الاجنبية. حاليا، حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مجهزة بحكم محكمة باريس بالإضافة إلى حكم المحكمة الفيدرالية ويمكنها فرض شروطها ومطالبها على قادة أربيل على طاولة المفاوضات.
منذ عام 2007، يدير إقليم كردستان موارد النفط في الإقليم بشكل مستقل عن الحكومة المركزية، بما في ذلك بيع وتصدير وتنمية الموارد النفطية، بينما وفقًا لقرار المحكمة الفيدرالية العراقية، يجب على حكومة أربيل المحلية نقل جميع نفط الاقليم والمناطق المجاورة للحكومة الاتحادية وتسليمه في بغداد.
تعتمد أربيل بشكل كبير على عائدات النفط، وسيؤثر عدم القدرة على بيع نفطها الخام بشدة على اقتصادها الحالي. منذ سنوات، لم تتمكن الحكومة من دفع رواتب أكثر من مليون موظف حكومي في الوقت المحدد وبالكامل، لذلك إذا تم إيداع عائدات النفط في خزينة الحكومة الاتحادية، سيتم دفع رواتب موظفي الحكومة أيضًا في وقته. كان تصدير النفط شريان الحياة الاقتصادي لإقليم كردستان العراق. لسنوات، استخدمت حكومة إقليم كردستان الغموض في الدستور العراقي لتصدير النفط الخام والاحتفاظ بالإيرادات كوسيلة للحفاظ على الاستقلال المالي عن بغداد.
ضربة كبيرة للكيان الصهيوني
الكيان الصهيوني، يواجه موجة احتجاجات ضخمة وعصيانًا لقوات الجيش داخليًا منذ عدة أشهر، وإن الوضع في الفضاء الدولي لا يتوافق مع رغبات الصهاينة. بعد الاتفاق الأخير بين إيران والسعودية، والذي كان بالضد من عملية تطبيع العرب مع تل أبيب، فإن حكم محكمة التحكيم الدولية هذه المرة لصالح الحكومة العراقية سيوجه أيضًا ضربة قوية إلى حكومة المحتلين الصهاينة.
وعلى الرغم من أن قادة الإقليم نفوا مرارًا وتكرارًا تصدير النفط إلى الأراضي المحتلة في السنوات الأخيرة، فقد تم نشر العديد من الوثائق والأدلة في هذا الصدد، والتي تظهر أن الكيان الصهيوني كان أحد المشترين الرئيسيين للنفط في الإقليم. أعلنت وسائل إعلام الكيان الصهيوني أنه عقب صدور حكم محكمة التحكيم الدولية لصالح حكومة بغداد ونتيجة لتصدير النفط الخام من إقليم كردستان في هذا البلد إلى تركيا، فإن تل أبيب ستتعرض لخسائر كبيرة، الأمر الذي أثار قلق الصهاينة.
أعلنت القناة 12 الصهيونية أن هذا الكيان كان يستورد النفط الذي توفره حكومة كردستان عبر خط أنابيب يصل ميناء جيهان في تركيا من شمال العراق منذ سنوات. وأشارت هذه الشبكة الصهيونية إلى أن خط الأنابيب هذا سيغلق اعتباراً من يوم السبت (12 نيسان) لأن الحكومة المركزية أكدت أن كردستان العراق ليس لها الحق في بيع النفط بشكل مستقل، وهذا سيؤدي بشكل واضح إلى انقطاع التجارة مع الكيان الإسرائيلي.
على الرغم من أن سلطات أربيل وتل أبيب لم تؤكد رسميًا بعد اتفاقيات شراء وبيع النفط، ولكن وفقًا للتحليل الذي أجرته شركة ClipperData، وهي شركة أمريكية متخصصة في تتبع شحنات النفط العالمية، فإن حوالي نصف النفط الخام المستخرج من حقول النفط في الإقليم ذهبت إلى إسرائيل في عام 2017. كما اعترف وزير الثروات المعدنية في الإقليم آشتي هورامي في عام 2015 أنه من أجل منع اكتشاف النفط المصدر للكيان الصهيوني، تم تهريب النفط في كثير من الحالات إلى تل أبيب عبر السفن.
لذلك، استخدمت حكومة إقليم كردستان موانئ عسقلان وتل أبيب كمنافذ تخزين لتسويق النفط المهرّب. من ناحية أخرى، وحسب التقارير، فمنذ بداية عام 2023، استورد الكيان الصهيوني 40٪ من نفط إقليم كردستان العراق. لذلك، مع 400 ألف برميل من الصادرات اليومية من الإقليم، تم تصدير حوالي 15 مليون برميل إلى الأراضي المحتلة في الأشهر الثلاثة الماضية، وهو رقم مرتفع.
وسبق أن كشفت الأحزاب السياسية العراقية أن نفط إقليم كردستان العراق يوفر 70٪ من احتياجات الكيان الصهيوني بأسعار منخفضة للغاية مقابل دعم اللوبي الصهيوني في أمريكا لقضايا هذه الإقليم. وطالبت الجماعات السياسية العراقية مرارا بوقف تصدير نفط الإقليم، لكن أربيل ما زالت مستمرة على هذا المسار، وزعم قادة الإقليم أن شحنات النفط التي تغادر العراق تخضع لعدة تغييرات قبل وصولها إلى وجهتها النهائية.
هذا فيما انتشرت أنباء عن وجود رجال أعمال من الموساد وضباط تجسس في إقليم كردستان، تشير إلى أن وراء الكواليس علاقات طيبة بين أربيل وتل أبيب تتعزز يومًا بعد يوم بعيدًا عن أعين العراقيين. لطالما دعم الكيان الصهيوني خطة استقلال كردستان العراق حتى يتمكن من نهب موارده النفطية بفصل هذا الإقليم عن الحكومة المركزية، لأنه مع وجود حكومة بغداد المخالفة للتطبيع مع الصهاينة، فإن مشروع النفوذ في هذا الإقليم سوف يفشل.
بالإضافة إلى التصدير من الإقليم، فإن معظم النفط السوري الذي سرقته الولايات المتحدة يتم تصديره أيضًا إلى الأراضي المحتلة عبر كردستان، وهذه الموارد الرخيصة تعجب الصهاينة والولايات المتحدة، وهم غير مستعدين لفقدان هذا العمل المربح. لذلك، بقطع معبر الإقليم إلى الأراضي المحتلة، سيتم تسريع تهريب النفط السوري إلى الأراضي المحتلة حتى لا يواجه الصهاينة أزمة طاقة.