الوقت - ترتبط الأزمتان السورية والعراقية إرتباطاً وثيقاً بمنظومة الأهداف و المصالح التي تسعى لتحقيقها الدول الغربية و حليفاتها الإقليمية والتي بدأت في الآونة الأخيرة تشعر بقلق شديد إزاء تداعيات هاتين الأزمتين على أوضاعها الأمنية و السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية التي تتأثر بشكل مباشر أو غير مباشر بالأخطار الناجمة عن تهديدات الجماعات الإرهابية لاسيّما تنظيم "داعش" على المدی القريب و البعيد.
و بعد وقوع عدد من الهجمات الإرهابية في العاصمة الفرنسية باريس الشهر الماضي و التي أدت إلى مقتل و جرح مئات الأشخاص أثيرت تساؤلات بشأن السيناريوهات المحتملة التي سيلجأ لها الغرب لمواجهة تلك الأخطار، و تبلورت تصورات متعددة بشأن هذه السيناريوهات يمكن الإشارة إلى بعضها باختصار على النحو التالي:
السيناريو الأول؛ تقوية "التحالف الدولي" الذي تقوده أمريكا لمحاربة الإرهاب
برز هذا السيناريو بشكل واضح من خلال الإجراءات التي إتخذتها بعض الدول الغربية مباشرة بعد الهجمات الإرهابية التي استهدفت باريس و من بينها إستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي لمواجهة تنظيم "داعش" الإرهابي و تحريك فرنسا لبارجتها الحربية "شارل ديغول" في مياه البحر المتوسط، و تكثيف ضرباتها الجوية على مقرات و مواقع "داعش" في سوريا و العراق.
و يعتقد المراقبون إن هذه الإجراءات رغم أهميتها لازالت تفتقد إلى التخطيط الدقيق و ليس لها تأثير واضح على أرض الواقع و تهدف فقط لإستعادة هيبة فرنسا التي إهتزت بعد هجمات باريس.
من الاجراءات الاخرى التي إتخذها الغرب في إطار هذا السيناريو دعوته لحلفائه الإقليميين و في مقدمتهم تركيا و قطر و السعودية لزيادة تعاونهم مع "التحالف الدولي"، و إرسال عدد محدود من الضباط الغربيين لتدريب قوات البيشمركة التابعة لإقليم كردستان العراق، و تسليح العشائر السنيّة في المنطقة الغربية من العراق. و هذه الإجراءات هي الأخرى لم يكن لها تأثير ملموس على أرض الواقع في إضعاف الجماعات الإرهابية.
السيناريو الثاني؛ تشكيل ائتلاف دولي جديد يضم إيران و روسيا
بعد هجمات باريس دعا الكثير من الخبراء العسكريين و السياسيين إلى تشكيل تحالف دولي جديد يضم إيران و روسيا لمواجهة تهديد الجماعات الإرهابية في المنطقة و العالم، خصوصاً بعد إعتراف العديد من المسؤولين الغربيين لاسيّما الأمريكيين و من بينهم وزير الدفاع السابق "تشاك هيغل" بأن التحالف الغربي الذي تقوده بلاده غير قادر على دحر الإرهاب.
السيناريو الثالث؛ إشراك القوات البريّة لحلف الناتو في الحرب ضد الإرهاب
هذا السيناريو و حسب إعتقاد الكثير من الخبراء لايمكن تطبيقه على أرض الواقع ما لم يستند الى السيناريوهين الأول و الثاني، لكنهم يرجحون في الوقت ذاته تحققه و بدرجة عالية في حال عاودت الجماعات الإرهابية ضرب الدول الغربية لاسيّما أمريكا.
يأتي هذا في وقت تصاعدت فيه الدعوات من قبل الكثير من القادة العسكريين الغربيين بضرورة إعتماد هذا السيناريو (إشراك القوات البريّة للناتو في ضرب الإرهاب) قبل أن تتعرض دول الحلف إلى هجمات إرهابية جديدة، في حين دعا آخرون إلى تكثيف الضربات الجوية على مقرات و مواقع التنظيمات الإرهابية خصوصا "داعش" و ترك مهمة تطهير الأراضي السورية و العراقية للقوات البريّة في هذين البلدين.
السيناريو الرابع؛ عدم الإتفاق على خطّة محددة لضرب الإرهاب
يعتقد الكثير من المراقبين إن الإتفاق بين الدول الغربية على سيناريو محدد تجاه الجماعات الإرهابية غير متاح في الوقت الحاضر، حتى و إن كانت هذه الدول متفقة فيما بينها على ضرورة تشكيل تحالف جديد لمواجهة الإرهاب، بسبب التباين في وجهات النظر بشأن الدولة التي تقود هذا التحالف من جهة، و من جهة أخرى هناك دول إقليمية حليفة للغرب (تركيا وقطر و السعودية) لازالت تدعم بشكل مباشر و غير مباشر تلك الجماعات، و هذا يعني إن الغرب بات أمام خيارين لاثالث لهما؛ إمّا تشكيل تحالف جدّي لمواجهة هذا الخطر، و هذا يتطلب منع الحلفاء الإقليميين من دعم الإرهابيين، أو القبول بنتائج هذا الدعم و التغاضي عن تداعياته التي باتت تهدد الغرب في عقر داره كما حصل في فرنسا الشهر الماضي.
ختاماً يجب القول إن هجمات باريس كشفت بشكل واضح ضعف "التحالف الدولي" الذي تقوده أمريكا لمحاربة الإرهاب من جانب، كما بيّنت هشاشة الإجراءات التي إتخذتها الدول الغربية في هذا المجال خلال الأسابيع الأخيرة من جانب آخر، و هذا يثير جملة من التساؤلات حول حقيقة مزاعم الغرب في مواجهة الإرهاب، خصوصاً بعد أن ثبت بالدليل القاطع تواطؤ بعض الدول الغربية و في مقدمتها أمريكا في تشكيل و دعم تنظيم "داعش" وهو ما إعترف به الكثير من المسؤولين الأمريكيين ومن بينهم وزيرة الخارجية السابقة و المرشحة للإنتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة هيلاري كلينتون.