الوقت - بعد الزلزال الذي ضرب مناطق جنوب تركيا يوم الاثنين الماضي بقوة 7.8 درجات على مقياس ريختر، وأودى بحياة قرابة 20 ألف شخص وإصابة عشرات الآلاف، بصرف النظر عن الخسائر البشرية والدمار المادي والروحي الذي خلّفه وراءه، تتجه أذهان المحللين إلى مسألة تأثير هذه الكارثة على التطورات السياسية في هذا البلد.
على الرغم من أنه في مثل هذا الموقف الحرج، يتطلب الأمر أن يتحد جميع المسؤولين والشعب في تركيا من أجل تقليل خسائر هذه الكارثة إلى الحد الأدنى، ولكن عندما يتعلق الأمر بالسياسة يوجد خصوم سياسيون أيضًا. حيث تشير ردود أفعال قادة المعارضة في الحكومة في الأيام الأخيرة، إلى أنهم بدؤوا الاستعدادات للفوز في الانتخابات المقبلة.
رکوب المعارضين على موجة ضعف المساعدات
بينما تحاول حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تقليص الأبعاد البشرية والمادية للزلزال الرهيب الأخير في أسرع وقت ممكن، لكن الانتقادات واسعة النطاق لخصوم الحكومة بشأن أوجه القصور والضعف في تقديم المساعدات للمناطق المنكوبة بالزلزال في الأيام الأخيرة، قد جعلت من الصعب على أردوغان استمراره في الحکم والفوز في الانتخابات المقبلة.
قادة أحزاب المعارضة اتهموا الحكومة التركية بالتأخير في إنقاذ الناس تحت الأنقاض، والتأخير في إرسال قوات الإغاثة، وعدم استخدام قوة الجيش والقوات المسلحة، وكذلك التأخير في إرسال المساعدات وقوات الإغاثة المتطوعين إلى المناطق المتضررة من الزلزال في 10 مقاطعات جنوبية من هذا البلد.
كمال قلجدار أوغلي زعيم حزب الشعب الجمهوري التركي، الذي ذهب إلى المناطق المتضررة من الزلزال مع رؤساء البلديات التابعين للحزب، نشر رسائل متتالية على حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي، واتهم حكومة أردوغان بعدم الكفاءة في إدارة هذه الأزمة.
كما نشر صلاح الدين دميرطاش، الزعيم السابق لحزب الشعوب الديمقراطي، رسالةً على حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي، كتب فيها: "التضامن القوي والموقف السياسي القوي أمران مهمان وقيّمان للغاية لتجاوز هذا الوقت الصعب معًا".
يتهم المعارضون أردوغان بعدم تجهيز البلاد للزلازل في العقدين اللذين كان فيهما في السلطة في تركيا، وكان بإمكانه تقليل عدد الضحايا في أوقات الأزمات مع الإنشاءات المقاومة في المدن.
وحسب المعارضين، كان ينبغي إنفاق الضرائب التي تم تحصيلها من الناس في السنوات الأخيرة على إعادة تأهيل المباني، لكن الحكومة أهدرت هذه الأموال وأعطتها لمؤيديها للحفاظ على أسس مقعدها الرئاسي. ويحاول معارضو الحكومة الذين يشار إليهم بـ "الطاولات الست"، تضخيم قلة عمل الحكومة وضعفها في تقديم الإغاثة من خلال رکوب موجة أزمة الزلزال واستمالة الرأي العام.
أثار اتهام المعارضة للحكومة غضب أردوغان، وأثناء زيارته للمناطق المتضررة من الزلزال، وبعد تعرضه لانتقادات شديدة بسبب الأداء السيء لحكومته في تقديم مساعدات أسرع لضحايا الزلزال، هدد أردوغان منتقديه بعنف وطلب من جميع فئات الشعب أن تتحد في هذا الوضع الحرج، وعدم الالتفات إلى ما تروجه المعارضة.
وعلى الرغم من أن الزلزال حدث على نطاق واسع ومن دون شك ستكون الخسائر أكثر انتشارًا، إلا أن هذه القضية وفرت فرصةً جيدةً للمعارضة لاستخدام هذا الوضع ضد أردوغان.
معارضو الحكومة الذين بدؤوا حملتهم الانتخابية منذ أشهر وينسقون مع بعضهم البعض خلال هذه الفترة حتى ينجحوا في الانتخابات المقبلة، ربما يكون الزلزال نقطة انطلاق لهم للإطاحة بأردوغان من السلطة بعد عقدين.
كان حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان في عام 1999 قادراً على تمهيد الطريق لوصوله إلى السلطة من خلال استغلال الإدارة السيئة للحكومة التركية آنذاك ضد الزلزال وانتقاده على نطاق واسع، وربما هذه المرة فإن الزلزال 7.8 ريختر، وهو أكثر تدميراً بكثير مما كان عليه قبل 24 عامًا، لهذا سيجلب الكارثة نفسها على حكومة أردوغان ويزيد من فرص انتصار الخصوم.
الاقتصاد كعب أخيل أردوغان
على الرغم من أن الحكومة التركية واجهت العديد من الأزمات في السنوات الأخيرة، إلا أن الزلزال الأخير سيكون اختبارًا كبيرًا للحياة السياسية لأردوغان.
تواجه تركيا أسوأ أزمة اقتصادية منذ تولي أردوغان السلطة عام 2002، مع تضخم بنسبة 80٪ وهبوط بنسبة 30٪ في قيمة الليرة مقابل الدولار العام الماضي. کما بلغ عجز الميزانية في البلاد ما يقرب من خمسة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويضر الركود الاقتصادي بشعبية أردوغان ولا تزال الاستطلاعات تظهر أن المعارضة قد تطيح به.
في الأشهر الأخيرة، وباستخدام الاستقرار النسبي في اقتصاد البلاد، حاول أردوغان ببرامجه الجديدة تعزيز قيمة الليرة مقابل الدولار وحل بعض المشاكل الاقتصادية في السنوات الثلاث الماضية، لكن يبدو أن وقوع الزلزال قد خلق عقبةً كبيرةً في طريق سياسات الحكومة، والآن ينصب كل تركيز الحكومة على حل مشكلة ضحايا الزلزال، والتعامل مع القضايا السياسية والاقتصادية في الوضع الحالي، يمكن أن يكون مكلفًا للحكومة.
بعد الزلزال، انخفضت قيمة الليرة أيضًا، ومن غير المرجح أن يكون هناك انفراج في هذا المجال في الأشهر التي تسبق الانتخابات الرئاسية، لأن الأضرار التي سببها الزلزال تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، وتعطى الأولوية لبناء المناطق المدمرة. ذلك أنه إذا ترك أردوغان أهالي هذه المناطق وشأنهم وفكر في خططه السياسية للانتخابات، فإن صورة أردوغان، التي اهتزت في السنوات الأخيرة، ستشوَّه بين الرأي العام أکثر فأکثر.
في الأشهر الأخيرة، أطلق أردوغان مبادرات جديدة، بما في ذلك إعفاء المواطنين من الديون، ومن خلال اقتراح التقاعد المبكر لنحو 2.3 مليون عامل، وتخصيص دعم كبير للطاقة ووعد ببناء نصف مليون منزل للأسر ذات الدخل المنخفض، سعى إلى الإنفاق لإنعاش اقتصاد البلاد وحاول زيادة ثقله السياسي ضد منافسيه.
حتى في مجال السياسة الخارجية، من خلال تطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني وتحسين العلاقات مع مشيخات الخليج الفارسي، ومحاولة تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية، حاول أردوغان إظهار سجل لامع لنفسه من أجل تحسين شعبيته، لكن الزلزال الأخير يمكن أن يدمر كل جهود أردوغان للفوز بالانتخابات.
وعلى الرغم من ضخ بعض المشيخات العربية للدولارات النفطية في الأشهر الأخيرة، وشراء الطاقة الرخيصة من روسيا والحصول على الدخل من خلال عبور البضائع، فمن غير المرجح أن تقلل هذه المداخيل من تكاليف الكارثة الأخيرة. لأن الخسائر والأضرار جسيمة لدرجة أنها تكفي لإسقاط أردوغان وحكومته، وستستغل المعارضة هذه الكارثة في الأشهر المقبلة، لأنها هذه المرة عازمة على الإطاحة بأردوغان بعد عقدين.
ويحاول أردوغان، الذي لا يريد تسليم کرسي الرئاسة للمنافسين، تقليص الأبعاد التي سببها الزلزال بالمساعدات الخارجية وحلفائه في المنطقة. يدرك أردوغان أن الزلزال سيضعف الوضع السياسي لحكومته، وبسبب طبيعته الطموحة هناك احتمال أن يؤجل الانتخابات لبعض الوقت لزيادة فرصه في الفوز.
الآن، قبل ثلاثة أشهر بالضبط من الانتخابات، أعلن أردوغان حالة الطوارئ، وكان الزلزال الأخير أكبر أزمة في تركيا في القرن الماضي، وسيكون له تأثير كبير على اقتصاد وسياسات هذا البلد لسنوات.
ورغم ضعف موقف أردوغان وتقوية مواقف معارضي الحكومة بعد الزلزال، ولکن إذا تمكن أردوغان من القيام بعمل مقبول في الأشهر المقبلة في تنظيم الوضع في المناطق المتضررة من الزلزال، فيمكنه زيادة شعبيته مرةً أخرى وربما الفوز بالرئاسة للولاية الثالثة على التوالي.
لقد أظهر أردوغان أنه رجل الأوقات العصيبة، وبسبب خبرته التي تزيد على عشرين عامًا على رأس السلطة السياسية، فهو يعرف كيف يحول الوضع لصالحه في أقصر وقت ممكن، وسيظهر في الأشهر المقبلة ما إذا كان سيتمكن من تغيير الأزمات الحالية لصالحه والتغلب على المعارضة، كما فعل بعد الانقلاب الفاشل في يوليو 2016، أم سيفشل في ذلك.
يعتقد البعض أن أردوغان سيستغل هذه الأزمة لإحداث انقسامات في جبهة المعارضة، حتى يتمكن من تهدئة الظروف لانتصاره في الانتخابات. والقضية التي ستساعد أردوغان في هذه الأثناء، هي أن خصومه ليسوا أقوياء وأن هناك فجوات بينهم في الآونة الأخيرة، وهذه فرصة جيدة لأردوغان لتوجيه الضربة النهائية لهم.