الوقت - السعودية، التي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني، استخدمت الاقتصاد والطاقة كذريعة للوصول إلى مشروع التطبيع.
فبعد أيام قليلة من الكشف عن خطة نقل الغاز من الأراضي المحتلة إلى السعودية، أصبح إنشاء خط سكة حديد بين الجانبين على جدول الأعمال هذه المرة.
وفي هذا الصدد، بحث بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، خلال زيارته للأردن، مع العاهل الأردني عبد الله الثاني، فتح خط سكة حديد من ميناء حيفا في البحر الأبيض المتوسط لنقل البضائع إلى السعودية. وعلى الرغم من أن السلطات السعودية لم تعلق على إنشاء هذا الممر، لکن يبدو أن الأردن يتقدم في هذا المشروع نيابةً عن سلطات الرياض.
خط سكة حديد حيفا-السعودية هو جزء من مشروع حيفا-الخليج الفارسي، الذي اقترحه الکيان الصهيوني والدول الخليجية في عام 2009، حتى يتمكنوا من نقل بضائعهم من المنطقة إلى أوروبا.
وكتب "الخليج أونلاين" في تقرير في مايو من هذا العام، أن خط السكك الحديدية هذا سيكتمل قريبًا، وقالت سلطات الدول العربية الست إن هذا الخط سيبدأ العمل بحلول عام 2025.
يبلغ طول هذا الخط 2177 كلم، لكن يبدو أن الاستعدادات لهذا المشروع بدأت منذ سنوات، وكما أعلنت وسائل الإعلام الصهيونية سابقًا، فإن جزءًا كبيرًا من هذا الطريق متاح حاليًا في البلدان المعنية، ويجب بناء 300 كيلومتر فقط منه، والتي تقع في أراضي السعودية والأردن.
وفقًا لمسؤولين صهاينة سابقين، استثمرت الإمارات والکيان الإسرائيلي بشكل كبير في بناء وتحديث البنية التحتية، ويحاولان ربط الخليج الفارسي بميناء حيفا عبر خط سكة حديد. ولهذا الغرض، فإن الوجهة الأولى للصهاينة هي السعودية، التي تحتضن المشيخات الأخرى بالقرب من الخليج الفارسي.
يبدأ ممر حيفا - الخليج الفارسي من الأراضي المحتلة، ويمرّ عبر الأردن والسعودية إلى شمال الكويت، ويمر عبر مدينتي جبيل والدمام السعوديتين، ثم يمر عبر البحرين ومن المنامة ثم الدوحة يصل إلی الإمارات ومن هناك إلى مسقط.
تتيح السكة الحديدية الجديدة نقل البضائع من الأراضي المحتلة إلى الإمارات في يوم أو يومين؛ بينما يستغرق الآن نقل البضائع من قناة السويس إلى الخليج الفارسي 12 يومًا، وهذه ميزة مهمة للکيان الصهيوني.
من ناحية أخرى، وبسبب سيطرة حرکة أنصار الله اليمنية على مضيق باب المندب، وما نجم عن ذلك من تهديدات للتجارة البحرية للکيان الصهيوني، تحاول تل أبيب جاهدةً تقليل اعتمادها على نقل البضائع عبر هذا المضيق، ولهذا السبب يتطلع إلى تطوير مشروع السكك الحديدية مع الدول العربية.
البنية التحتية العربية جاهزة
إذا تم تنفيذ هذا الممر الحديدي، فإنه سيسهل المبادلات التجارية بين الکيان الصهيوني والمشيخات العربية، وسيؤدي إلى تطوير العلاقات بين الجانبين.
في ديسمبر 2021، ناقش رؤساء الدول الخليجية خط السكة الحديدية هذا، والسعودية التي تمتلك أكبر خطوط سكك حديدية في الخليج الفارسي نظرًا لحجم أراضيها، تلعب دورًا مهمًا في إنشاء هذا الخط المشترك للسكك الحديدية، وفي السنوات الأخيرة طورت بنيتها التحتية للسكك الحديدية، وافتتحت محطة قطار بالقرب من الحدود الأردنية في مارس 2022، وهذا يدل على أن السعوديين قد اتخذوا خطوات عديدة لتنفيذ هذا الخط.
ووفقًا للتقارير المعلنة، طورت المشيخات الأخرى أيضًا البنية التحتية للسكك الحديدية في السنوات الأخيرة، من أجل إكمال هذا المشروع العبري-العربي في أقرب وقت ممكن.
وبناءً على ذلك، تنشغل الإمارات التي أصبحت وسيطًا بين العرب والکيان الصهيوني، في استكمال المرحلة الثانية من مشروع السكك الحديدية الوطنية الذي انطلق في عام 2016، ويفترض أن يربط 11 مدينة إضافة إلى حقول الغاز في جنوب هذا البلد.
في قطر أيضًا، تسارعت عملية إنشاء البنية التحتية للاتصالات، وأصبح عقد كأس العالم حافزًا للتنفيذ الأسرع لمشاريع السكك الحديدية في البلاد.
کما تخطط عمان لبناء شبكة سكك حديدية وطنية، وهي طريق مقترح بطول 2100 كيلومتر، يبدأ عند حدود الإمارات، ويمر عبر صحار ومسقط في الشمال، ثم يتصل بمدينتي الدقم وصلالة وهما من الموانئ الرئيسية على الساحل الشرقي.
لقد أحرزت الحكومة العمانية تقدماً كبيراً في هذا المشروع، وبالنظر إلى أن عمان حظرت مؤخرًا أي تفاعل اقتصادي وتجاري مع الکيان الصهيوني، فربما يتم استبعاد هذه الدولة من مشروع حيفا-الخليج الفارسي.
وبالنظر إلى تحركات دول التطبيع لتنفيذ هذا الممر في السنوات الماضية، فإن ذلك يعزز الفرضية القائلة بأن أحد أسباب استئناف العلاقات بين الدول العربية وقطر بعد أربع سنوات من التوتر يعود إلى استكمال هذا المشروع.
حيث إنه بعد أشهر قليلة من بدء العلاقات العربية مع الدوحة، أعلنت وسائل الإعلام أن خط السكك الحديدية بين قطر والسعودية سيبدأ قريبًا. وهذا يدل على أنه كان هناك تعاون سري بين الصهاينة والعرب من أجل إنشاء هذا الخط الحديدي، الذي تم الکشف عنه الآن علناً.
إضافة إلى العرب، يقال إن الهند ستتعاون أيضًا في هذا المشروع حتى تتمكن من استخدام خط السكة الحديدية هذا، من نقل بضائعها إلى الأراضي المحتلة ومن هناك إلى أوروبا في أقصر وقت ممكن.
كانت الهند تركز من قبل على سد تشابهار في إيران، لتصدير بضائعها إلى آسيا الوسطى ومن هناك إلى روسيا وأوروبا، لكن مع إغلاق الحدود الروسية بعد حرب أوكرانيا، اجتذب خط سكة حديد حيفا-الخليج الفارسي انتباه الهنود وهم يحاولون تنفيذ هذا المشروع.
مقدمة لتطبيع العلاقات
تحاول الدول الخليجية تعزيز عملية تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني بمشاريع اقتصادية وطاقة، وكلما زادت هذه العلاقات في مجالات مختلفة، كان من الأسهل على الرأي العام لهذه الدول تبرير التطبيع.
تحاول السعودية التظاهر بأن العلاقات مع الصهاينة ستؤدي إلى ازدهار اقتصادي وتجاري في هذا البلد، من خلال خط سكة الحديد هذا ونقل الغاز من الأراضي المحتلة إلى أراضيها، وتدفع سراً علاقاتها الدبلوماسية مع تل أبيب، وبمثل هذه المشاريع تريد إعداد الرأي العام للتطبيع.
ذلك أن العلاقات الاقتصادية والأمنية بين السعودية والکيان الإسرائيلي قائمة حالياً، ولم يبق إلا العلاقات السياسية. السعوديون يعتبرون هذه الأيام في تصريحاتهم الرسمية تطبيع العلاقات مع الصهاينة لصالح العرب، وهم يعدون الدقائق لإعلان علاقاتهم مع الکيان، ويحاول محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، أن يتم هذا المشروع في أسرع وقت ممكن.
يحاول قادة التطبيع العرب التظاهر بأن هذه المشاريع هي نوع من الميزة النسبية للتعاون مع تل أبيب، حتى تتمكن هذه الدول من نقل بضائعها إلى أوروبا في أقصر وقت وبأقل تكلفة.
لكن الواضح أن أي اتفاق بين الدول العربية والکيان الصهيوني هو في مصلحة الصهاينة، الذين يمكنهم أيضًا إخراج أنفسهم من العزلة التاريخية وتقليل اعتماد تجارتهم الخارجية على البحر، والحصول على أدوات ضغط ضد هذه الدول، من خلال المشاريع الاقتصادية مثل ممرات السكك الحديدية وأنابيب الغاز.