الوقت - في ظل محاولة الحكومة الجديدة في الكيان الصهيوني تضييق الخناق على الفلسطينيين، تحاول بعض الدول العربية وقف الأعمال المستفزة لهذا الكيان بمبادرات إقليمية. وفي هذا الصدد، عقد قادة مصر والأردن ورئيس السلطة الفلسطينية اجتماعا ثلاثيا في القاهرة يوم الثلاثاء وأكدوا على استمرار الجهود لتحقيق السلام وضمان حقوق الأمة الفلسطينية وتشكيل فلسطين المستقلة.
أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني استمرار الدعم الكامل لجهود محمود عباس رئيس منظمة الحكم الذاتي، واعتبروا أن دعم المجتمع الدولي للأمة الفلسطينية وحقوقها القانونية ضروري.
وفي ختام الاجتماع أصدر المشاركون بيانا حذروا فيه من مخاطر غياب الأفق السياسي وانعكاساته على أمن واستقرار المنطقة. وحسب هذا البيان، فإن وقف جميع الإجراءات الأحادية الجانب وغير القانونية للكيان الصهيوني مثل الاستيطان ومصادرة الأراضي الفلسطينية وتدمير المنازل والتهجير تعيق حل الدولتين وفرص إقامة سلام عادل ونزوح المواطنين الفلسطينيين من منازلهم، والاعتداءات الصهيونية على المدن الفلسطينية، ومن الضروري التعامل مع الوضع التاريخي والقانوني للقدس والأماكن المقدسة. كما أكد المشاركون على الحفاظ على المكانة التاريخية والقانونية لمدينة القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية فيها، وتكريس المسجد الأقصى لعبادة المسلمين والإشراف الأُردني عليها وإدارة شؤونها باعتبارها الجهة الوحيدة المخولة بإدارتها.
تنسيق المواقف ضد تصرفات تل أبيب
وعقد الاجتماع في القاهرة، مع صعود أحزاب اليمين المتطرف في تل أبيب في الأسابيع الأخيرة، وازدادت المخاوف من تصاعد التوترات بين هذا الكيان والفلسطينيين. أظهر اعتداء إيتمار بن غفير، وزير الأمن الداخلي للكيان الصهيوني، على ساحة المسجد الأقصى، والذي أثار موجة من ردود الفعل الداخلية والدولية، أن السلطات الجديدة في تل أبيب تبحث عن مغامرة وتوتر مع فلسطين، وقد ذكروا مرارًا هذه المسألة علنًا في خطاباتهم.
في الأحداث الأخيرة في الضفة الغربية، رد العالم الإسلامي بحدة على مغامرة الصهاينة في المسجد الأقصى، وأعلن أن هذه القضية هي خط أحمر وأن مهاجمة القبلة الأولى للمسلمين يمكن أن يكون لها عواقب وخيمة. كما حذرت فصائل المقاومة الفلسطينية من أنه إذا استمر الصهاينة في مهاجمة المسجد الأقصى فإنهم سيُشعلون الأراضي المحتلة.
حل الدولتين، الذي تم طرحه في الاجتماع الثلاثي وهو مطلب المجتمع الدولي وحتى الولايات المتحدة، لا تحظى بشعبية بين الصهاينة. لا يعارض القادة الصهاينة المتطرفون حل الدولتين فحسب، بل يريدون أيضًا طرد جميع الفلسطينيين من وطنهم الأم من أجل إقامة دولة يهودية بالكامل على الأرض الفلسطينية، لكنهم فشلوا في تحقيق هذا الحلم بعد 75 عامًا من إنشاء الكيان المزيف.
من ناحية أخرى، فرض الكيان الصهيوني مؤخرًا عقوبات على السلطة الفلسطينية استجابة لمناشدة السلطة الفلسطينية للمحكمة الجنائية الدولية لإنهاء احتلال هذا الكيان، والتي سيتم خلالها اقتطاع 39 مليون دولار من موازنة السلطة الفلسطينية.
بمثل هذه الإجراءات، يحاول الكيان الصهيوني الضغط على منظمة الحكم الذاتي ومحمود عباس للموافقة على المطالب غير المشروعة لهذا الكيان في الضفة الغربية، وأهمها نزع سلاح فصائل المقاومة. هذا على الرغم من أن المقاومة في الضفة الغربية نظمت في الأشهر الأخيرة العديد من العمليات ضد المستوطنين وأثارت هذه القضية الخوف والرعب في الأراضي المحتلة. لهذا السبب، اشتعلت البيئة الأمنية في الضفة الغربية بشدة هذه الأيام وازدادت المخاوف بشأن تصعيد التوترات.
تعرف مصر والأردن جيدًا أنه في حال حدوث جولة جديدة من النزاعات في الأراضي المحتلة، فإن نطاقها سيكون أوسع بكثير من ذي قبل ويمكن أن يشكل تحديًا خطيرًا للمنطقة، ولهذا السبب يحاولان اتخاذ موقف حاسم ضد مغامرات المتطرفين في تل أبيب، لتجنب أي عمل طائش.
من ناحية، يعيش جزء كبير من اللاجئين الفلسطينيين في مصر والأردن، وتنتقد الطوائف الدينية وحتى الجزء القومي من هذه الدول دائمًا سياسات احتلال الكيان الصهيوني في فلسطين، حيث تستمر إسرائيل في احتلال مناطق مثل الباقورة والغمر في الأردن.
تدرك الأردن ومصر أن صعود المتطرفين في تل أبيب يشكل تهديدًا كبيرًا لفلسطين وحتى الدول العربية، وهما يحاولان اتخاذ موقف مشترك ضد الحكومة الصهيونية الفاشية حتى لا يتمادى الصهاينة من خلال الخلافات العربية لتحقيق أهدافهم. لأن أحد أسباب تصاعد جرائم الكيان الصهيوني في الضفة الغربية يعود إلى صمت دول التسوية العربية التي أدارت ظهرها لقضية القدس وتتخذ خطوات نحو التطبيع، وإذا ازداد الدعم الإقليمي لفلسطين مرة أخرى، سيكبح هذا الصهاينة، ودعم الأردن ومصر يمكن أن يساعد في هذا المجال.
وعدت حكومة بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الصهيوني، بتطوير المستوطنات في الضفة الغربية، ومن أجل تحقيق هذه الخطة الخطيرة، فقد اختار المتطرف سموتريتش رئيسًا لوزارة المالية لتنفيذ هذه الخطة بطاقة أكبر. لكن المجتمع الدولي عارض هذه الإجراءات المسببة للتوتر ويعتبر استمرار البناء الاستيطاني سببًا لتصعيد التوترات في الأراضي المحتلة، الأمر الذي قد يشعل نار الحرب.
الأردن ومصر تبادران بالمصالحة
تحاول الأردن ومصر، اللتان كانتا أول دولتين عربيتين أقامتا علاقات دبلوماسية مع الاحتلال الصهيوني، الشروع في مفاوضات في الوضع الذي كانت فيه المشيخات العربية في الخليج الفارسي في مقدمة عمليات التطبيع مع تل أبيب مع الصمت في وجه جرائم هذا الكيان بحق الفلسطينيين، وإمكانية إحياء المصالحة واستعادة دورهم السابق كعنصر فاعل في مسيرة التطورات الفلسطينية.
يشعر الأردن، المسؤول عن الضفة الغربية، بقلق بالغ إزاء تزايد جرائم تل أبيب في هذه المنطقة المتوترة والحساسة، وقد اتخذت سلطات البلاد مواقف قاسية ضد تصرفات الإسرائيليين في الأشهر الأخيرة. حتى وزارة الخارجية الأردنية استدعت السفير الإسرائيلي يوم الثلاثاء وأعلنت في بيان أنها أبلغت السفير الصهيوني احتجاجها على الأعمال غير المقبولة والتدخلية في شؤون المسجد الأقصى المبارك.
مصر التي كانت تتوسط في الماضي بين الفلسطينيين والمحتلين، غير راضية عن تهميشها وتحاول لعب دور بناء في هذا الصراع مرة أخرى. لأن تطبيع العلاقات بين الإمارات والبحرين مع الكيان الصهيوني وربما السعودية في المستقبل غير البعيد قد طغى على دور مصر في التطورات الفلسطينية. وتحاول مصر الاستفادة من صمت شيوخ الخليج الفارسي ضد جرائم محتلي القدس واستعادة مكانتها السابقة بدعم حقوق الشعب الفلسطيني.
شيوخ الخليج الفارسي على طريق آخر
وبينما تحاول مصر والأردن إعادة القضية الفلسطينية إلى بؤرة التطورات في العالم الإسلامي، في هذه الأثناء، لا يهتم شيوخ الخليج الفارسي كثيرًا بهذه القضية، وستعقد هذه الدول اجتماعاً في الإمارات العربية المتحدة.
وبما أن هذا الاجتماع يعقد بعد يوم واحد من المحادثات الثلاثية في القاهرة ودعوة رئيسي الأردن ومصر إلى الإمارات، فإنه يشير إلى أن مجلس التعاون لا يريد التخطيط الجاد للتطورات في الضفة الغربية بسبب الدعم الواسع لفلسطين الذي سيعيق عملية التطبيع، وستواجه اسرائيل مشاكل خطيرة، وهذا ليس بشرى سارة للإمارات والسعودية اللتين تكافحان من أجل الاتحاد مع تل أبيب.
حتى أن الإمارات العربية المتحدة فتحت أقدام الصهاينة على اليمن والخليج الفارسي، الأمر الذي يمكن أن يزيد التوترات في هذه المنطقة البحرية.