الوقت - تستمر الأزمة بين الرباط وباريس رغم كل محاولات المصالحة، ولم تتحدث الدبلوماسية الفرنسية رسميا عن السبب الرئيسي وراء هذه الأزمة التي تمتد منذ سنة ونصف، غير أن باريس سربت أكثر من خبر مفاده بأن السبب الرئيسي هو التجسس الذي تعرض له ماكرون بواسطة برنامج بيغاسوس الإسرائيلي، ويفترض أن المغرب هو من قام بذلك، بينما ينفي الأخير عملية التجسس.
ويسود الاعتقاد في الرباط بأن الرئيس ماكرون غير خبير وغير واع بأهمية العلاقات المغربية- الفرنسية، حيث فشل اللوبي المغربي في فرنسا في إقناع الرئيس إيمانويل ماكرون بالتراجع عن مواقفه المتشددة نحو المغرب، حيث يجسد استمرار الأزمة منذ صيف 2021 حتى الآن، الفشل الذريع للوبي المغربي في دواليب قصر الرئاسة الفرنسي ووزارة الخارجية ومؤسسات أخرى، ولم تنجح كل المحاولات بتقريب وجهات النظر بين المغرب وفرنسا، وفقد اللوبي المغربي في فرنسا القوة التي تمتع بها سابقا إبان حقبتي الرئيسين جاك شيراك ونيكولا ساركوزي.
وكشف الكاتب المعروف طاهر بنجلون بأن ماكرون عنيد ولا يستمع لأي أحد في ملف المغرب.
ونقلت جريدة “هسبريس” في نسختها الفرنسية السبت عن طاهر بنجلون: “لقد أهمل ماكرون علاقة فرنسا بالمغرب بسبب الجهل والخطأ السياسي. إنه يركز على الجزائر لكن ما يجب عليه فعله هو السعي لتطوير علاقات متوازنة مع جميع البلدان المغاربية،ويستحضر علاقات المغرب مع رؤساء سابقين مثل فرانسوا ميتران وجاك شيراك وساركوزي.
ويعتبر ساركوزي قرار فرنسا تجميد نسبة كبيرة من التأشيرات للمغاربة بنوع من “العقاب المثير للسخرية”، ويشير إلى قلق باريس لكونها بقيت على الهامش في اتفاقيات أبراهام التي أدت الى اعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء.
وقد شهدت الفترة الماضية حسب رأي بعض المحللين التقارب بين باريس والجزائر”، وذلك بالنظر إلى زيارة ماكرون الأخيرة للجزائر والشروط الجزائرية التي استجابت لها فرنسا.
ويرى خبراء أن فرنسا تطمح لانشاء "شراكة متجددة" مع الجزائر بعد 60 عاماً من العلاقات المؤلمة، وهذا واضح من تطور العلاقات بين فرنسا والجزائر والانتقال من حالات فتور وتوتر إلى تقارب وتعاون، وأشار بعض الأكاديميين ، إلى أن رغبة ماكرون بإعادة توثيق العلاقة التاريخية بين البلدين ربما هي امتلاك الجزائر ورقة الغاز والطاقة، فضلاً عن وجود جالية كبيرة للجزائر في فرنسا .
ومن ناحية أخرى انتشرت أخيراً أخبار حول إمكانية تعيين باريس سفيرا لها في الرباط بعدما سحبت سفيرتها المعتمدة خلال سبتمبر الماضي، ويجري الحديث عن كريستوفر لوكرتيي مدير “بيزنس فرانس”، وقد يكون الخبر في حال صحته مقدمة لذوبان الجليد في العلاقات بين المغرب وفرنسا بعد أزمة تجاوز السنة والنصف.
وكتبت جريدة “لبيراسيون” في افتتاحيتها بأنه قد يلوح في الأفق ذوبان جليد في العلاقات بين فرنسا والمغرب إذا صحت الأخبار حول تعيين سفير جديد وزيارة ماكرون الى المغرب، ونبهت إلى أن ملفات التوتر كثيرة من الصحراء الغربية الى التأشيرات وتحتاج الى جهد لتجاوزها، ولا تستبعد مصادر مقربة من فلك الرئيس بأن ماكرون سيتصالح مع المغرب بعد حل ملف الهجرة والتجسس.
وبالعودة لأصل التوتر بين الشريكين، اكد رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عزيز غالي على أهمية البحث في الأسباب العميقة للأزمة، معددا عدة أسباب جعلت التوتر أو الفتور في العلاقات يتحول إلى أزمة صامتة.
وعزا إطلاق توصيف 'الأزمة الصامتة' إلى أن البلدين بادرا بسحب سفيريهما بشكل غير معلن وإن تحت عناوين بعيدة عن السبب المباشر للتوتر، فالشغور الدبلوماسي الناشئ منذ أن غادرت السفيرة الفرنسية لدى الرباط هلين لوغال منصبها قبل أسابيع وإعلان المملكة تعيين السفير المغربي لدى باريس محمد بنعشبون مديرا لصندوق محمد السادس للاستثمار ليصبح منصب السفير شاغرا، يعتبر في كل الحالات علامة على حالة الفتور في العلاقات.
وتبدو الأزمة صامتة كانت أو غير صامتة على صلة بالموقف الفرنسي البارد من قضية الصحراء مقارنة بمواقف نظرائها الأوروبيين وهي مواقف أكثر وضوحا وأقرب للطرح المغربي لحل النزاع بل وتتناغم مع مبادرة الحكم الذاتي للصحراء تحت السيادة المغربية.
والحلقة المفقودة على أرجح التقديرات في هذه السياقات هي ميل الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون للموقف الجزائري وان لم يعلن ذلك، بينما يتلمس طريقه لانتزاع حصص أكبر من الغاز الجزائري في خضم أزمة طاقة تهدد أوروبا بسبب تقلص إمدادات الغاز الروسي للاتحاد الأوروبي على خلفية الحرب الروسية في أوكرانيا.
وأشار عزيز غالي إلى التقارب الفرنسي الجزائري وتدشين البلدين مرحلة جديدة في العلاقات بعد زيارة الرئيس ماكرون للجزائر التي يبدو أنها فرضت شروطها في مصالحة مرغوبة أكثر من باريس.
كما يبدو أيضا أن ثمة أسباب اقتصادية وراء حالة الفتور بعد أن عدل المغرب بوصلته في تعزيز قدرات قواته المسلحة واتجاهه لتنويع مصادر التسلح من الكيان الصهيوني والولايات المتحدة.
ويقول غالي إن لدى المملكة رغبة في إنفاق نحو 17 مليار دولار لتحسين وتعزيز قدراتها الدفاعية في محيط إقليمي مضطرب ووسط توترات جيوسياسية متناثرة في منطقة الساحل الإفريقي زيادة على تنامي نشاط الجماعات الإرهابية والجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية وكلها شواغل تضعها الرباط ضمن الأولويات في استراتيجيتها الدفاعية وتحصين أمنها القومي.