الوقت- لندن – أيام أو ربما سنوات صعبة تنتظر الاقتصاد البريطاني، هذا ما يمكن فهمه من تفاصيل الميزانية الجديدة التي قدمها وزير الخزانة جيرمي هانت أمام مجلس العموم.
ميزانية تقدم صورة قاتمة عن وضعية البلاد وسط توقعات متشائمة بالقدرة على الخروج من هذا النفق في القريب العجل.
وبات شبه مؤكد وبشكل رسمي أن ما يعيشه المواطن البريطاني هو أسوأ انهيار لجودة الحياة في بريطانيا منذ الحرب العالمية الثانية، بسبب ارتفاع نسبة التضخم إلى ما فوق 11%، وعدم قدرة الاقتصاد البريطاني على الإقلاع بعد جائحة كورونا.
ويعد الاقتصاد البريطاني أسوأ اقتصاد من حيث نسبة النمو مقارنة مع دول مجموعة السبع، التي حققت جميعا نسب نمو جيدة، باستثناء المملكة المتحدة التي انكمش اقتصادها بنسبة 1.4% بعد فترة جائحة كورونا.
ورغم محاولات جيرمي هانت طمأنة البريطانيين بحزمة من المساعدات لتغطية تكاليف فاتورة الطاقة، فإنها لن تخفي الواقع الاقتصادي الصعب، الذي يتحمل المحافظون جزءا من المسؤولية فيه، خصوصا بعد خسائر تكبّدها الاقتصاد البريطاني عقب "الميزانية المصغرة"، التي اقترحتها رئيسة الوزراء البريطانية السابقة ليز تراس وكلفت الاقتصاد خسائر بقيمة 33 مليار جنيه إسترليني في ظرف أسبوعين فقط، وفق مراقبين.
ضرائب أكثر
أجمعت جل التحليلات الاقتصادية لميزانية حكومة ريشي سوناك على أنها ميزانية طوارئ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وإنْ كان الأمر على حساب الطبقة المتوسطة خصوصا، ذلك أنها تقوم على الرفع من الضرائب وخفض النفقات العمومية.
ضرائب أكثر
أجمعت جل التحليلات الاقتصادية لميزانية حكومة ريشي سوناك على أنها ميزانية طوارئ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وإنْ كان الأمر على حساب الطبقة المتوسطة خصوصا، ذلك أنها تقوم على الرفع من الضرائب وخفض النفقات العمومية.
وتهدف خطة هانت لجمع 55 مليار جنيه إسترليني إضافية لخزينة الدولة خلال هذه السنة من خلال رفع الضرائب وتقليص الإنفاق الحكومي.
واعترف هانت بأن الاقتصاد البريطاني بات يعيش ركودا حقيقيا قد يستمر إلى نهاية سنة 2023 على الأقل، متوقعا أن يستمر معدل التضخم في مستويات مرتفعة وقد يتراجع إلى 7% خلال العام المقبل.
وأثارت خطة هانت الضريبية الكثير من الغضب في صفوف البريطانيين، خصوصا قرار تجميد العتبة الضريبة للمدخول المعفى من هذه الضريبة، المحدد في 12 ألفا و570 جنيها إسترلينيا.
فهذا القرار يعني دخول الملايين من الأشخاص ضمن الوعاء الضريبي، خصوصا بعد الرفع من الحد الأدنى للأجور الذي سيبلغ 10 جنيهات إسترليني للساعة.
ويقول المنتقدون لهذه الخطة إنه من غير العدل أن يتم تجميد العتبة الضريبية، خصوصا أن الفئة الأقل دخلا تعاني من أجل رفع مدخولها ليتماشى مع التضخم في البلاد، لتجد نفسها مجبرة على أداء الضريبة.
في المقابل تم خفض عتبة فئة الأعلى دخلا لتنتقل من 150 ألف جنيه إسترليني في السنة إلى 125 ألف جنيه إسترليني في السنة، وهذه الفئة سيكون عليها دفع نسبة ضريبة محددة في 45%.
وبموجب هذه الخطة:
سيدخل حوالي 3.2 ملايين شخص جدد إلى سجلات مصلحة الضرائب، وسيكون عليهم دفع الضرائب بعد أن كانوا معفيين منها.
2.5 مليون شخص سيدفعون ضرائب إضافية.
حوالي مليوني شخص جديد سيدفعون أعلى نسبة من الضرائب.
الأمر الذي يعني أن أكثر من 7 ملايين شخص سيدفعون المزيد من الضرائب في بريطانيا.
اقتصاد منهك
أقر وزير الخزانة جيرمي هانت بأن حجم الاقتصاد البريطاني قد انكمش بنسبة 1.4%، بل إن ما حققه الاقتصاد البريطاني من نمو خلال السنوات العشر الماضية سيصبح في خبر كان بسبب الانكماش والركود والتضخم وتراجع جودة الحياة، ومن المتوقع أن يؤدي هذا الواقع إلى فقدان 500 ألف شخص وظائفهم خلال هذه السنة.
وكان الأمر سيصبح أكثر سوءا، حسب "مكتب مسؤولية الميزانية" "أو بي آر" (OBR)، الذي قال إنه لولا المساعدات التي قدمتها الدولة لدعم فواتير الطاقة والتي بلغت قيمتها 400 جنيه إسترليني لكل بيت موزعة على 6 أشهر، لأضحى الملايين من الأسر غير قادرين على أداء فواتير الطاقة.
ومن الملفات المؤرقة لمسؤولي الخزانة في بريطانيا ما يسمى بـ"الثقب في الميزانية"، أي عجز الميزانية المقدر بحوالي 50 مليار جنيه إسترليني، والذي تسعى الحكومة إلى سده بأي طريقة، خصوصا وأن حجم المديونية العمومية في ارتفاع مستمر وسيصل هذه السنة إلى 400 مليار جنيه إسترليني.
وباستثناء 3 قطاعات حكومية، فإن جميع المؤسسات الحكومية سترفع خفضا لميزانيتها، بداية بميزانية التعاون الدولي التي كانت تخصص لدعم الدول الفقيرة والشعوب التي تعاني الحروب والصراعات، حيث تم خفض مخصصاتها من 0.7% من الناتج الداخلي الخام إلى 0.5% فقط.
في المقابل أعلنت الحكومة عن الحفاظ على مستوى إنفاق عال للدفاع، وزيادة مخصصات قطاع الصحة بحوالي 3.3 مليارات جنيه إسترليني خلال هذه السنة، فضلا عن زيادة 2.3 مليار جنيه لميزانية قطاع التعليم.
إرضاء المستثمرين
ما زالت الأضواء المسلطة على الأسواق المالية لمعرفة ردها على خطة جيرمي هانت الاقتصادية، وظهر من خلال الساعات الأولى أن الأسواق تعاملت بهدوء مع هذه الخطة الجديدة، باستثناء تراجع طفيف في قيمة الجنيه الإسترليني.
وحقق جيرمي هانت هدفه بإعادة الهدوء للسوق المالية بعد العاصفة التي مر بها عقب إعلان "الميزانية المصغرة"، التي اقترحتها ليز تراس وتسبب في انهيار تاريخي لقيمة الجنيه الإسترليني.
كما أثنى صندوق النقد الدولي على خطة حكومة ريشي سوناك، واعتبرها "ملائمة" للتعامل بمسؤولية مع الضرائب وحماية الأسر الفقيرة، وتوفير 55 مليار جنيه إسترليني لخزينة الدولة.
في المقابل فإن الردود السياسية والإعلامية كانت ناقمة على هذه الخطة، التي تضع المزيد من الضغط الضريبي على البريطانيين في ظروف صعبة.
واتفقت الكثير من التقارير الإعلامية على أن حزب المحافظين تحوّل إلى "حزب الضرائب"، دون حلول حقيقية لمشاكل الاقتصاد البريطاني