الوقت_ مؤخراً، حذر رئيس جهاز المخابرات الداخلية التابع للكيان الصهيونيّ "الشاباك"، رونين بار، رئيس الوزراء المكلف بنيامين نتنياهو، من "إمكانية انهيار السلطة الفلسطينية"، على الرغم من أنّ حكومة رام الله فتحت كل أبواب التعاون مع "إسرائيل" واستخدمت جميع الأساليب الإجراميّة ضد شعبها، مستجدية العدو الباغي لأنّها تعتبر مقاومته أمراً خاطئاً، إضافة إلى أنّ التعامل الإسرائيليّ مع السلطة الفلسطينيّة برئاسة محمود عباس يتم بإذلال واستعباد، ومع ذلك مستمرة في التنسيق الأمنيّ مع العدو وملاحقة المقاومين في الضفة الغربية التي شهدت تفعيل كل وسائل المقاومة بوجه الكيان العنصريّ وعصاباته، حيث أعلنت مراراً عن استمرارها في استخدام منهج الخنوع الذي لم يجلب لها سوى الخيبة والهزيمة والاستحقار أمام الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء.
سُلطة فلسطينيّة مُنهارة
بكل وضوح، تحدث موقع "والاه" العبريّ، أن بار الذي التقى نتنياهو قبل أيام، رسم صورة سوداوية لتداعيات انهيار السلطة الفلسطينية، حيث بيّن أن هذا التطور سيفضي إلى مزيد من التدهور في الأوضاع الأمنية، فيما تعيش الأوساط الإسرائيليّة على كل مستوياتها، حالة ذعر شديدة، نتيجة تصاعد موجات عمليات المقاومة الفلسطينية بشكل لا يشبه أيّ مرحلة سابقة أبداً، ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه الذين يحاولون إبادة الشعب الفلسطينيّ في أرضه وخارجها، الشيء الذي أدى إلى خلق حالة جديدة من المقاومة، لم تنجح تل أبيب حتى بمُساعدة من الأجهزة الأمنيّة التابعة للسلطة الفلسطينيّة في رام الله في وأدها، حيث تعيش أجهزة الأمن لديهما ارتباكاً كبيراً بعثر كل أوراق المسؤولين الأمنيين وبالأخص الإسرائيليين، نظرًا لكثافة العمليات ونجاحها في إنجاز ضرباتها الموجعة، فالضفة لم تعد كالسابق والمقاومة تتطور كماً ونوعاً، مع ارتفاع احتمالات أن تنفجر الأوضاع أكثر وأكثر هناك بسبب التمادي الإسرائيليّ الصادم، باعتبارها ترزح تحت الاعتداءات الإسرائيليّة الممنهجة والمتصاعدة منذ عام 1967.
وفي الوقت الذي أشار فيه الموقع العبريّ إلى أنّ بار لفت نظر نتنياهو المتطرف إلى أن الحكومة الجديدة، التي ستشارك فيها قوى تمثل اليمين الديني المتطرف، ستكون مطالبة ببلورة سياساتها للتعامل مع الأوضاع الأمنية في الضفة، وسيطلب منها أن تقرر طابع العلاقة التي يجب أن تسود مع السلطة الفلسطينية، يبدو التحليل الإسرائيليّ هنا صائباً إلى حد ما، فالسلطة انهارت وليست بانتظار الانهيار، بعد أن ساهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بتطبيق مشاريع الكيان الغاصب التي تهدف إلى تصفيّة القضيّة الفلسطينيّة من خلال التعاون اللامحدود مع الإسرائيليين، ومن منا لا يعرف أنّ السلطة الفلسطينيّة سقطت سقوطاً مدويّاً من قلوب الفلسطينيين وباتت أداة رخيصة تستعمل ضد إرادة الشعب وتطلعاته، والمشكلة تكمن في السلطة الفلسطينيّة ذاتها التي أثبتت التجارب الكثيرة أنّها لن تكون في يوم من الأيام ممثلاً شرعيّاً لمطالب الفلسطينيين الذين يعيشون الويلات بسببها على أراضيهم المسلوبة.
وعلى أساس أن الكيان الصهيونيّ الغاصب كان ولا يزال منبعاً للعنصريّة والدمار والإرهاب والعنف على الأرض الفلسطينيّة، كان الأجدر بتلك السلطة أن تكون في موقع الدفاع عن شعبها الذي فعل وسائل المقاومة بإمكانات بسيطة هزت عروش القيادات الإسرائيليّة على مختلف الصُعد، وبالتالي تردع الكيان وتوقفه عند حده بسبب عدوانه الإجراميّ المتزايد بحق الأبرياء، وقضمه الجنونيّ لأراضي الفلسطينيين وتهجيرهم، حيث إنّ أكبر دليل على "الغباء السياسيّ" للسلطة المنهارة أساساً في عيون أبنائها هو نص إعلان الدولة الإسرائيليّة المزعومة، والذي يدعي أنّ أرض فلسطين هي مهد الشعب اليهوديّ، وفيها تكونت شخصيته الروحيّة والدينيّة والسياسيّة، وهناك أقام دولة للمرة الأولى، وخلق قيماً حضاريّة ذات مغزى قوميّ وإنسانيّ جامع، وأعطى للعالم كتاب الكتب الخالد، ويزعم الإعلان أنّ اليهود نُفيوا عنوة من بلادهم، ويعتبرون أنّ الفلسطينيين هم ضيوف في "إسرائيل" وأنّ الجرائم التي يرتكبونها بحقهم بمثابة استعادة لحرياتهم السياسيّة في فلسطين، فَعن أيّ استقرار يتحدث داعمو الاحتلال، فأيّ منهج ذلك الذي تسير عليه!.
ويبدو القلق الصهيونيّ العارم من تنبؤات الإسرائيليين في انهيار السلطة، واضحاً كعين الشمس، كيف لا!، والسلطة الإسرائيليّة إن صحت تسميتها خذلت الشعب الفلسطينيّ بشكل كامل وأعادت غرز خنجر الحقد الصهيونيّ الأعمى والخيانة العربيّة في ظهر قضيّتهم من خلال خنوعها وتنسيقها الكبير مع الأجهزة الأمنيّة التابعة للعدو لمحاولة منع إطلاق يد المقاومة وعرقلتها في لجم العدوان الصهيونيّ على الشعب الفلسطينيّ، إضافة إلى محاولة منع توجيه البنادق باتجاه العصابات الصهيونيّة المعتدية، ثأراً لدماء شهداء فلسطين وحماية لأبناء الضفة الغربيّة المحتلة والمستهدفة، في وقت لا يوفر جنود الاحتلال المجرم وقتاً لاستهداف هذا البلد وأبنائه وقتل وتهجير الفلسطينيين ونهب أراضيهم، ولاتزال السلطة تحدثنا عن "سلام الجبناء" الذي لن يجلب سوى العار والموت على طريقة العصابات الصهيونيّة.
أيضاً وتأكيداً على ذلك، يتحدث الإعلام العبريّ نقلاً عن رموز صهاينة بعدم رغبة الإسرائيليين بالسلام مع الفلسطينيين، والدليل هو الواقع الذي يفرضه العدو في العاصمة الفلسطينيّة المحتلة القدس وحصار قطاع غزة وجرائمه الشنيعة في الضفة الغربية، في مخالفة شنيعة للشرعيّة الدوليّة، بل يمارس نشاطاته الاستيطانيّة بشكل أخطر وأوسع، ونتنياهو بالتحديد،"لم يكن مستعدا للسلام" ولن يكون كذلك، والدليل أنّ محمود عباس اعترف مراراً بأنّ الكيان الصهيونيّ "دمر ما تبقى من عملية السلام"، ويجب أن تقوم السلطة الفلسطينيّة بالتوقف عن هراء الاستسلام، فهل سمعتم عن محتل اندحر عن أرض اغتصبها بالتنديد والتنسيق والسلام؟، بما أنَّ التحرر من استعباد المحتل لا يكون إلا بالمقاومة، بالاستناد إلى قاعدة التحرير المعروفة للقاصي والداني "ما أخذ بالقوة لا يسترد بغيرها".
قلقٌ إسرائيليّ عارم
تتشارك شعبة الاستخبارات العسكرية التابعة للكيان الصهيونيّ "أمان"، مع "الشاباك" المخاوف من تدهور الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية، على الرغم من مزاعم تحسن الأوضاع الاقتصادية هناك، وبالتالي اعتراف إسرائيليّ يضاف إلى الكثير من الاعترافات بهزيمة الصهاينة الكبرى في الضفة، بالتزامن مع مجموعة كبيرة من الإجراءات من عمليات المقاومة الفلسطينيّة، نتيجة جرائم قوات الاحتلال الإسرائيليّ، كما أنّ المسؤولين الصهاينة لا يملكون بالفعل حلولاً لمواجهة هذه المقاومة الجديدة والفريدة من نوعها، وبالأخص فيما يتعلق بعمليات الطعن والدهس، بعد أن أثبت المقاومون أنّهم قادرون على فرض معادلاتهم على العدو القاتل والسلطة الفلسطينية الخانعة، والدليل هو الحملة الإسرائيليّة الفاشلة ضدّهم نتيجة أمرين الأول أنّهم غير منظمين بمقرات ومؤسسات محددة والثاني أنّهم منتشرون بكثرة في كل شارع وحيّ.
وتتبع حكومة العدو حاليّاً أسلوب "صب الزيت على النار"، والدليل الحديث عن اتفاق بين نتنياهو وبن غفير العنصريين على شرعنة عشرات المستوطنات بالضفة الغربية، وهذا بلا شك سيحرقها عاجلاً أم آجلاً، مع تأكيد "الشاباك" و"أمان" على أن ظاهرة بروز تشكيلات للمقاومة غير المرتبطة بالتنظيمات، مثل مجموعة "عرين الأسود" وتهاوي قدرة السلطة الفلسطينية على الحكم في كثير من مناطق الضفة الغربية، يوفران بيئة تسمح بتدهور كبير في الأوضاع الأمنية، فكيف سيكون الوضع مع اتخاذ إجراءات ترفع يوماً بعد آخر من احتماليّة وقوع "ثورة غضب" عارمة في الضفة الغربيّة بوجه الاحتلال الصهيوني لم يشهدها من قبل، لأنّ التصدي لاقتحامات وهجمات وضم قوات الاحتلال والمستوطنين وعربدتهم المتصاعدة هو السبيل الوحيد لردعهم ولحماية فلسطين وشعبها من مخطّطات العدو الاستيطانيّة الرامية إلى إنهاء الوجود الفلسطينيّ السياسيّ والسكانيّ في الضفة الغربيّة ومدينة القدس.
من ناحية أُخرى، يطالب زعيم حركة "الصهيونية الدينية" بتسلئيل سموتريتش، وزعيم "عوتسما يهوديت" إيتمار بن غفير، اللذان سيكونان عضوين في المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن، بتصعيد أنشطة جيش الاحتلال في الضفة الغربية، وتغيير أوامر إطلاق النار، واتخاذ خطوات عقابية ضد السلطة الفلسطينية، ما يعني أنّ الضفة الغربيّة المحتلة تتجه إلى أن تتحول "غزة ثانيّة" تردع الكيان وتوقفه عند حده، وخاصة مع تصاعد جرائم الكيان بشكل لا يوصف بحق الأهالي، ما يرفع من احتماليّة تصعيد المواجهة مع الكيان الغاشم في كل مناطق وجوده وبالتحديد في الضفة الغربيّة، في ظل ارتفاع حدة الاعتداءات والاستيطان والتهويد وسرقة الأرض الفلسطينيّة لمصلحة المستوطنين في القدس والضفة، إضافة إلى إمكانية أن تخلق الهجمات وجرائم القتل الإسرائيليّة معركة جديدة في غزة وبالتالي أمطارا من الصواريخ والقذائف على الأراضي السليبة.
ختاماً، لن تكون الأيام القادمة كما يشتهي الصهاينة، فحكومة نتنياهو لن تفشل فقط في القضاء على حالة المقاومة المتصاعدة في فلسطين بل ستزداد الأمور سوءاً عن أيام حكومة لابيد، وربما تصل لذروتها ولنقطة ستزلزل بلا شك الكيان الغاصب، بعد أن بات المقاومون الجدد في حالة متطورة من الهجوم ما يشكل معادلة قوية في الصراع مع المستعمرين، وأصبح المقاومون قادرون على قلب الموازين في الضفة المحتلة والقدس بعد أن نجحوا في تحويل البيئة الأمنية لجيش الاحتلال ومستوطنيه إلى حالة من الرعب المتواصل، وكل هذا بهدف تعميم حالة المقاومة وإشعال الضفة بركاناً في وجه المعتدين، للانعتاق من الاحتلال وعصاباته الدمويّة.