الوقت_ عقب التقارب الشديد بين الكيان الصهيونيّ وتركيا وبالأخص في الأشهر الماضية، يجري الحديث عن زيارة للرئيس التركيّ رجب طيّب أردوغان إلى الأراضي الفلسطينية التي يحتلها الكيان، رداً على زيارة رئيس الاحتلال الغاصب، يتسحاق هرتسوغ إلى تركيّا واستقباله هناك استقبال الملوك، على وقع نشيد الاحتلال الإسرائيليّ في زيارة رسميّة كانت الأولى من نوعها منذ أكثر من عقد ونصف، وقد أكّد خلالها الجانبان على ضرورة تحسين العلاقات بينهما عقب سنوات طويلة من التوتر الظاهريّ، ويأتي نبأ الزيارة بعد الإعلان عن إعادة افتتاح الملحقيّة الاقتصاديّة في اسطنبول وتعيين متان صفران ملحقًا اقتصاديًّا لوزارة الاقتصاد والصناعة في تركيا.
بعد إعادة العلاقات السياسيّة والدبلوماسيّة الكاملة بين الكيان الصهيونيّ الغاشم، ومغادرة وزيرة الاقتصاد والصناعة، أورنا بربيباي لعقد زيارة مهنية في أنقرة تجري خلالها سلسلة لقاءات بهدف تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، تأتي زيارة الرئيس التركيّ بعد أن تناسى أردوغان معارضته الشديدة –الظاهريّة- لسياسة الكيان الغاصب بحق الفلسطينيين، وغضّ الطرف عن الجنايات المروعة للاحتلال وسياسة الاستيطان والقتل المروعين بما يخالف القوانين الدوليّة والإنسانيّة، وانتهاج "إسرائيل" سياسة تمييز عنصريّ واضطهاد في معاملة أبناء فلسطين والتي ترقى إلى حد الجرائم ضد الإنسانيّة وفق المنظمات الدوليّة، لُيجري محادثات مع رئيس الكيان الإسرائيليّ في عاصمة بلاده ويبحث الملف الأهم في العالم حاليّاً وهو "إمداد أوروبا بالغاز الفلسطينيّ المسلوب عبر تركيا"، بل يصل الأمر به إلى زيارة الأراضي الفلسطينيّة التي يسيطر عليها العدو.
وكما شكّلت زيارة رئيس الكيان الإسرائيليّ صدمة كبيرة بالنسبة للفلسطينيين، أثارت هذه الزيارة استغراباً كبيراً بعد أن تعامى النظام الأردوغانيّ الإخوانيّ عن المنهج العنصريّ الذي يتبعه العدو الإسرائيليّ بحق أصحاب الأرض، ناهيك عن ممارسة الفصل العنصريّ والاضطهاد، وفتح أبوابه على مصراعيها لأشدّ أعداء الأمّة الإسلاميّة التي يتشدق الرئيس التركيّ بانتمائه لها، حيث فشل أردوغان خلال العقد الأخير في إظهار نفسه على أنّه قائد إسلاميّ بارز، ولم ينجح في الهروب من موقفه الداعم للصهاينة والواضح كعين الشمس، إلا أنّ الرئيس الإخوانيّ وعلى ما أظهر لم يكن سوى خادم للعصابات الصهيونيّة ومساند لها بمختلف الأساليب، وماخفي أعظم وفقاً لما يقوله الفلسطينيون، والدليل رغبته في تعميق العلاقات الصهيونيّة – التركيّة.
وبالطبع، إنّ هذا التقارب طبيعيّ للغاية نتيجة المتغيرات التي شهدها العالم في العلاقات التركيّة – الإسرائيليّة، نتيجة قوّة الورقة التركية من ناحية تأمين ممر في شرق البحر المتوسط لنقل الغاز الطبيعيّ المنهوب من فلسطين المحتلة إلى القارة الأوروبيّة في ظل حاجة تركيا إلى المزيد من الطاقة وتنافسها مع اليونان وقبرص، وحسب وسائل إعلام العدو، تعقد الزيارة بالتعاون مع وزارة الخارجية وينضم إلى الوزيرة مدير مديريّة التجارة الخارجية في وزارة الاقتصاد أوهاد كوهين، ونائبة مدير عام قسم الاقتصاد في وزارة الخارجية ياعيل ربيع-تسادوك، وسفيرة الكيان الغاصب في تركيا إيريت ليليان، والملحق الاقتصادي في تركيا متان صفران.
وبالاستناد إلى أنّ الرئيس التركيّ لا يمكن أن يهتم سوى بمصالحه الضيقة مع الكيان الغاشم، أشارت مواقع إخبارية نقلاً عن مصادر في تل أبيب، إلى أنّه في إطار الزيارة، ستلتقي الوزيرة بوزير الصناعة والتكنولوجيا التركي مصطفى فارناك، حيث ستناقش معه مسألة توثيق التعاون في المجال التكنولوجي، وتوسيع التعاون في مجال الابتكار، والتعاون في مجال المصالح التجاريّة الصغيرة والمتوسطة، وكذلك دعوة وفود تركية لزيارة الأراضي الفلسطينيّة السليبة، بما في ذلك شبكات البيع بالتجزئة، على الرغم من الشهادة التركية والدولية على نضال ومعاناة الشعب الفلسطينيّ الرازح تحت الاحتلال العسكريّ الصهيونيّ وسياساته الاستعماريّة والقمعيّة.
لكن بالمقابل، تعلم تركيا بشكل جيد أنّها الخيار الأنسب لنقل الغاز من منطقة شرق البحر المتوسط إلى أوروبا وخاصة عقب الحرب الروسية على أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا، ولهذا لا شيء أهم من ذلك والتاريخ علمنا جيداً كيف تتعامل تركيا باستماتة مع مصالحها مهما كلف الأمر من تعاسة على غيرها والأمثلة كثيرة، وقد أشارت المصادر الرفيعة في كيان الاحتلال إلى أنّ الوزيرة ستلتقي خلال زيارتها بوزير التجارة التركي، محمد موش، المسؤول عن جميع جوانب التجارة الدولية لتركيا،وسيناقش الوزيران إعادة انعقاد اللجنة الاقتصادية المشتركة بين أنقرة وتل أبيب، والتي لم تجتمع منذ عام 13 عاماً، من أجل مناقشة تعزيز القضايا الاقتصادية المهمة بينهما مثل تبسيط الإجراءات التجارية وتوسيعها، وتخفيض الرسوم الجمركيّة المتبادلة، وتشجيع التعاون من خلال تنظيم الوفود التجارية المشتركة والمؤتمرات والنشاطات المشتركة بقيادة الملحقيّة الاقتصاديّة الصهيونيّة في إسطنبول، كما ستلتقي الوزيرة بعضو مجلس إدارة مجلس السياسات الاقتصادية لتركيا، هاكان يوردكول، حيث سيتم عرض مسح مهني للاقتصاد التركي، وسيناقش الطرفان سبل تعزيز التعاون الاقتصادي الثنائّي.
وبالتالي، هناك رغبة تركية واضحة بتفعيل العلاقات الكاملة مع الكيان إلى أقصى حد وكان ذلك متوقعاً مع عودة تبادل السفراء للمرة الأولى منذ أربع سنوات ناهيك عن زيارات من رأس الهرم الصهيونيّ للأراضي التركيّة، والدليل حديث أوهاد كوهين، مدير مديريّة التجارة الخارجيّة، أنّ تركيا هي شريك تجاري طبيعي للكيان الصهيونيّ على ضوء الخصائص التكميلية لهذين الاقتصادين، إضافة إلى الحديث عن أن تركيا هي أحد أكبر الشركاء التجاريين، حيث يسعى الإسرائيليون الطامحون لعلاقات وثيقة للغاية مع تركيا كما الأتراك أن تصل الشركات الإسرائيلية والتركية لتأسيس علاقات تجارية متينة لتحقيق مصالح الطرفين.
ومن الجدير بالذكر أنّ تركيا والكيان الصهيونيّ يعتبران شريكان تجاريان مهمان، وقد بلغ حجم التبادل التجاري المقدر بين تل أبيب وأنقرة -وفق معطيات مديريّة التجارة الخارجيّة في وزارة الاقتصاد والصناعة- في عام 2021 حوالي 7.7 مليار دولار، وهو معطى يعكس ارتفاعًا بنحو 1.8 مليار دولار مقارنةً بحجم التجارة عام 2020 حيث بلغ حينها نحو 5.9 مليارات دولار (ارتفاع بنحو 31%)، وتشير معطيات النصف الأوّل من عام 2022 إلى أنّ التصدير الصهيونيّ قد سجّل ارتفاعًا لافتًا بنحو 25% مقارنةً بنفس الفترة من العام المنصرم، وكانت تركيا وكيان الاحتلال قد وقّعا اتفاقية تجارة حرة دخلت حيز التنفيذ في عام 1997، إلى جانب قائمة طويلة من الاتفاقيات الاقتصادية الأخرى التي تنظم العلاقات الاقتصادية الثنائيّة.
وفي الوقت الذي شدّد فيه أردوغان الضغوط على الفلسطينيين تحت مبرر أنّ لتركيا مصالح اقتصادية، وزعم أنّ استئناف العلاقات مع الكيان الغاصب هو أمر سياسي، يشير متان صفران، رئيس الملحقيّة الاقتصاديّة لوزارة الاقتصاد والصناعة في تركيا أنّ العلاقات الاقتصادية بينهما اتسمت بأنها جزيرة استقرار وصلابة، والآن يمكن أنْ تأخذ مكانها مرة أخرى في صدارة العلاقات الثنائية، منوهاً إلى أنّ الملحقيّة الاقتصاديّة لوزارة الاقتصاد والصناعة في اسطنبول تهدف أولاً وقبل كل شيء إلى زيادة وتنويع صادرات العدو إلى تركيا من خلال مساعدة الشركات في المجالات الرائدة من الناحية التكنولوجية، بما في ذلك التكنولوجيا النظيفة (المناخ والزراعة والمياه والغذاء) والتصنيع المتقدم وتقنيات الأجهزة الطبية، كما ستعمل الملحقيّة على جذب استثمارات نوعيّة إلى الكيان الغاصب.
إذن، يعتزم الرئيس التركي، زيارة الكيان الصهيونيّ خلال الفترة القريبة المقبلة، وذلك في خطوة أخرى نحو تعزيز العلاقات الثنائية بين تل أبيب وأنقرة منذ آخر زيارة في أيار /مايو 2005، لكن الفلسطينيين على يقين بأنّ للصهاينة تأثير واضح في تركيا في المسائل الأمنية والزيارات بينهما لا تنقطع وعلى أكثر من منحى، وقبل هذا اللقاء الإسرائيليّ مع رأس النظام التركيّ، يتغنى الطرف الصهيونيّ بأنّ استئناف العلاقات مع الأتراك يشكل ذخراً مهما بالنسبة للاستقرار الإقليمي وبشرى اقتصادية مهمة جدا بالنسبة للمهاجرين اليهود الذين جلبتهم الحركة الصهيونيّة لسلب وطن الفلسطينيين من أصقاع الدنيا، بعد أن فشل أردوغان خلال العقد الأخير من إقناع العالم بوقوفه إلى صف المقاومين في فلسطين.