الوقت - مع ظهور نتائج الانتخابات البرلمانية الكويتية، وفقاً للدستور الكويتي، قدّم أحمد نواف الأحمد الصباح، بصفته رئيسا لمجلس الوزراء، استقالة حكومة هذا البلد إلى أمير البلاد، تمهيداً لتشكيل وعقد الدورة التاسعة عشرة لمجلس النواب وتشكيل الحكومة الجديدة.
من المقرر عقد الجلسة الأولى للبرلمان الكويتي الجديد في 11 أكتوبر 2022. في هذه الجولة من الانتخابات، تأهل 798 ألف مواطن كويتي لانتخاب 50 نائباً من بين 376 مرشحاً.
وكان الانتصار الكبير الذي حققه معارضو الحكومة والشيعة، وحضور النائبات، وفوز الأحزاب السلفية الإخوانية بمقاعد محدودة، من أبرز معالم هذه الجولة من الانتخابات البرلمانية الكويتية.
سنحاول فيما يلي تحليل الانتخابات الأخيرة للكويت، إلی جانب استعراض النظام البرلماني للكويت، ودرجة تأثير هذه المؤسسة الديمقراطية في النظام الملكي في هذا البلد العربي.
انتخابات الكويت؛ الديمقراطية العربية الأكثر استقلاليةً!
مجلس الأمة الكويتي، الذي بدأ عمله عام 1963، يتكون من 50 نائباً منتخباً(مع 5 دوائر انتخابية و 10 أشخاص ينتخبون من كل دائرة)، و 15 وزيراً.
مجلس الأمة الكويتي هو الهيئة التشريعية الرئيسية في هذا البلد. وبحسب دستور الكويت، بالإضافة إلى حق الموافقة على القوانين أو رفضها، يحقّ لبرلمان هذا البلد استجواب رئيس الوزراء والوزراء وحتى منح الثقة أو إقالة كبار المسؤولين الحكوميين.
حتى نهاية عام 2012، كان لكل مواطن كويتي يبلغ من العمر 21 عامًا الحق في التصويت لأربعة مرشحين، ولكن بعد ذلك، يمكن لكل مواطن التصويت لمرشح واحد فقط.
يعتبر البرلمان الكويتي، حسب بعض الخبراء، أكثر برلمانات العالم العربي استقلاليةً. يُنتخب النواب للبرلمان لمدة أربع سنوات. ويتمتع أعضاء مجلس الوزراء بنفس الحقوق التي يتمتع بها أعضاء البرلمان الكويتي، باستثناء أمرين.
وفقًا للمبدئين 102 و 107 من دستور الكويت، يحقّ لأمير هذا البلد حل برلمان هذا البلد من خلال الاستشهاد بالأدلة الكافية، ومع ذلك يجب إجراء الانتخابات النيابية في غضون شهرين على الأكثر من حل البرلمان.
في الكويت، هناك ثلاثة تيارات سياسية رئيسية تشمل الليبراليين العلمانيين والتحالف الشعبي، وهو يضم التيارات الشيعية-السنية والقوميين، والتيار الثالث هو الكتلة الإسلامية التي تضم الإخوان والسلفيين والمستقلين.
من أجل ضمان الاستقلال والحماية من جميع أنواع التهديدات(السلطات والمجتمع والأفراد)، يتمتع البرلمانيون بالحصانة القضائية والتعبير عن آرائهم خلال اجتماعات البرلمان. ومع ذلك، بعد إدانة شخص بجريمة ما وموافقة البرلمان، تنتهي حصانتهم ويجب على الشخص المذنب أن يقدم نفسه إلى السلطات القضائية.
انتصار لافت للمعارضة
الانتخابات الأخيرة في الكويت فريدة من نوعها، من حيث تغيير تركيبة البرلمان ودخول الفئات الهامشية إلى البرلمان.
فاز مرزوق الغانم، رئيس مجلس الأمة الكويتي السابق، بأكبر عدد من الأصوات للمرة الثالثة في الدائرة الانتخابية الثانية لهذا البلد، وأعلن نفسه كأول متنافس على مقعد رئيس مجلس الأمة. وكانت النسبة الأكبر في هذه الجولة لصالح أحمد عبد العزيز السعدون في الدائرة الثالثة، بـ 12239 صوتاً.
وفي الجولة التاسعة عشرة من الانتخابات الكويتية، فاز 30 شخصاً من المعارضة الداخلية بمقاعد في مجلس الأمة. هذا في حين أن الأحزاب الإسلامية الإخوانية والسلفية والمستقلة تمكنت من الفوز بـ 8 مقاعد فقط.
ورغم أنه في الجولة السابقة من الانتخابات لم تنجح المرأة الكويتية في دخول مجلس الأمة، إلا أنه في الجولة الثانية من انتخابات المجلس، تم انتخاب سيدتين كويتيتين کنائبتين. وكانت النقطة المثيرة للاهتمام في هذه الجولة من الانتخابات، فوز مواطنين كويتيين محكومين بالسجن.
أيضًا في هذه الجولة، تم انتخاب سبعة وعشرين نائباً لم يدخلوا البرلمان حتی الآن أو لم يتمكنوا من الاحتفاظ بمقاعدهم. كما خسر 22 نائباً سابقاً فرصة الحضور مرةً أخرى في البرلمان.
وتعني هذه الإحصائية أن 54٪ من تركيبة البرلمان السابق قد تغيرت. وفي عامي 2016 و 2020 أيضًا، أتيحت الفرصة للقوى المعارضة للحكومة ليكون لها حضور قوي في الانتخابات.
بعد حرب الخليج الأولى وهزيمة العراق على يد قوات التحالف الدولي، تولت عائلة الصباح مرةً أخرى زمام السلطة في هذا البلد الغني بالنفط. ومع استمرار الشيعة في الدفاع عن النظام الحاكم، خفّف النظام الملكي الكويتي النظرة الأمنية للشيعة، وتحت تأثير التطورات الديمقراطية في التسعينيات، سمح لعدد أكبر منهم بالمشاركة في الانتخابات الكويتية.
وتوسّع هذا الوجود على مدى سنوات عديدة، إلی أن فاز الشيعة الكويتيون في انتخابات 2022 بعشرة مقاعد نيابية، في انتصار مذهل.
وحسب موقع "الخليج أون لاين"، فإن أسامة الشاهين من الدائرة الانتخابية الأولى، وأحمد المطر من الدائرة الثالثة، وعبد العزيز الصقعبي من الدائرة الثالثة من "الحركة الدستورية الإسلامية"(حدس) التابعة للجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، قد احتفظوا بثلاثة مقاعد لهذه الحركة في مجلس الأمة.
قدمت هذه الحركة السياسية خمسة مرشحين رسميين. كما تم انتخاب مرشحين مقربين من الإخوان هما عبد الله فهاد العنزي من الدائرة الرابعة، وفلاح ضاحي الهاجري من الدائرة الثانية، عضواً في مجلس الأمة.
ونجح تيار إسلامي آخر، هو "التجمع السلفي"، كأحد التيارات السياسية الكويتية، بعد فوزه بمقعد واحد في الجولة السابقة من الانتخابات النيابية، في الفوز بمقعدين في انتخابات الكويت الحالية.
ونجحت حركة سلفية أخرى تسمى "تجمع ثوابت الأمة" للدورة الثالثة على التوالي، في فوز مرشحها محمد هايف المطيري عن الدائرة الرابعة. كما دخل إلى مجلس الأمة سلفيان معتدلان هما عادل الدمخي عن الدائرة الأولى، وعمار العجمي من الدائرة الثالثة.
وحقق "التآلف الإسلامي الوطني(الشيعي)" فوزاً كبيراً بدخول ثلاثة من مرشحيه الأربعة مجلس الأمة. كما فاز مرشحا "تجمع العدالة والسلام(الشيعي)" بمقعدين برلمانيين. ولم تنجح "حركة العمل الشعبي(الحشد)" و"المنبر الديمقراطي الكويتي" في دخول نائبيهما في البرلمان بعد خسارتهما الانتخابات.
تظهر الاستطلاعات الأخيرة في الكويت، أن الدافع الرئيسي للكويتيين للمشاركة في الانتخابات وانتخاب أعضاء جدد في البرلمان، كان قضية مكافحة الفساد.
كما يأمل الكويتيون أنه مع استئناف الجلسات البرلمانية، يترسخ الاستقرار السياسي في العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتتجه البلاد نحو تحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي.
تظهر نتائج الانتخابات البرلمانية الكويتية رغبةً واسعةً لدى الكويتيين في الثقة بالممثلين الإصلاحيين ومعارضي الوضع الراهن. وكانت محاربة الفساد المالي والسياسي وتحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي وإيلاء المزيد من الاهتمام للمواطنين الكويتيين، المطالب الرئيسية للناخبين في انتخابات عام 2022.
كما أن الزيادة في نسبة الممثلين الشيعة والنساء، تظهر رغبة المجتمع الكويتي بممثلين يتجاوزون المطالب والأطر الدينية أو الفئوية، ولديهم رؤية شاملة لمطالب المجتمع بأسره.
والآن علينا أن ننتظر ونرى ما إذا كان مجلس الأمة الكويتي الجديد والحكومة سيكونان قادرين على التغلب على التحديات الكبرى للبلاد، وخاصةً التحديات الاقتصادية الضخمة، أو سيفشلان في الوفاء بوعودهما.