الوقت- عشية العملية التركية المحتملة في شمال سوريا، بدأت الولايات المتحدة وحلفاؤها تنفيذ خططهم غير المكتملة مرة أخرى. ولهذا الغرض، تقدم الغربيون مساء الجمعة الماضي، بمشروع قرار بشأن الاستمرار مدة عام في مساعدة الأمم المتحدة لسوريا عبر تركيا إلى مجلس الأمن، وهو الذي عارضته روسيا. وفي هذا المسودة التي قدمتها النرويج وأيرلندا، ورد أن استخدام معبر باب الحافي على الحدود بين سوريا وتركيا، والذي تمر عبره مئات شاحنات المساعدات شهريا، سيمتد حتى 10 تموز 2023. ووافق على هذا الطلب 13 عضوا في مجلس الأمن، لكن الصين لم تصوت لمصلحته وروسيا عارضته. ولقد أرادت موسكو تمديد هذه الآلية لمدة ستة أشهر، لكن الولايات المتحدة وإنجلترا أعلنتا أن هذه الفترة غير كافية.
ومن جهة أخرى، قوبلت مسودة اقتراح روسيا، التي طلبت فيها تمديد نشاط مركز الإيقاف والتفتيش على الحدود بين سوريا وتركيا، بالرفض بالفيتو المشترك للولايات المتحدة وإنجلترا. ووصف ديمتري بوليانسكي، نائب ممثل روسيا في الأمم المتحدة، انتهاك السيادة السورية بذريعة تقديم المساعدة للشعب بأنه مؤسف، وقال إن صفحة التاريخ هذه طويت أخيرًا ولا يمكن إرجاعها. واحترامًا لسيادة سوريا ووحدة أراضيها، ستواصل موسكو تقديم المساعدة لهذا البلد. ومعبر باب الحافي هو المعبر الوحيد الذي يسمح لقوافل المساعدات بالوصول إلى إدلب والمناطق المحيطة بها دون المرور بالمناطق الخاضعة لسيطرة حكومة دمشق وتستخدم الأمم المتحدة هذا المعبر منذ عام 2014.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تبرر خطتها بهدف ما تسمى المساعدات الإنسانية للاجئين السوريين، إلا أنه يتم إرسال هذه المساعدات إلى القوات الخاضعة لقيادة الولايات المتحدة، الذين لا يتمتعون بظروف جيدة من حيث سبل العيش والاقتصاد. وبالنظر إلى احتمال تنفيذ العمليات العسكرية التركية في شمال سوريا في الأسابيع المقبلة، تريد أمريكا تعزيز قواتها بهذه المساعدات. ولا تريد الولايات المتحدة الدفاع بشكل مباشر عن حلفائها في شمال سوريا ضد تركيا، لذا فهي تخطط لتقليل مشاكل قواتها الحليفة إلى حد ما بهذه المساعدات الإنسانية. وقبل أشهر ألغت الولايات المتحدة العقوبات المفروضة على مناطق سوريا التي كانت توجد فيها معارضة دمشق، لتكون هذه القوات أكثر انفتاحًا على تنفيذ خطط الغرب.
ومن ناحية أخرى، إذا كان سيتم إرسال مساعدات إنسانية إلى سوريا، فيجب أن يتم ذلك بحضور حكومة هذا البلد، ولكن في غياب دمشق، من المفترض أن يتم إرسال مساعدات الغرب إلى مناطق معينة من سوريا وخاصة شمال سوريا، وهذا العمل هو نوع من تحدي الإرادة العامة لأبناء هذا البلد، الذين وثقوا في الانتخابات الأخيرة بشار الأسد رئيساً مرة أخرى، الأمر الذي كان مخالفًا لمصالح أمريكا. ومن ناحية أخرى، من خلال عدم مساهمة دمشق في هذه المساعدات، تريد أمريكا إظهار صورة جيدة عن نفسها في العالم وإثارة إعجاب الرأي العام بأنها من تساعد اللاجئين السوريين. بمعنى آخر، إن إرسال المساعدات دون مشاركة حكومة دمشق، وكذلك عبر تركيا، هو انتهاك لسيادة سوريا ووحدة أراضيها، الأمر الذي تعارضه موسكو ودمشق بشدة. وقالت السلطات السورية مراراً وتكراراً إن وجود المحتلين في شمال هذا البلد هو انتهاك للسيادة السورية وعليهم مغادرة هذه المناطق في أسرع وقت ممكن، ولكن رغم ذلك تواصل الولايات المتحدة احتلالها من خلال وجودها في شمال سوريا.
والنقطة الأخرى المهمة في مساعدات الأمم المتحدة هي أنه من المفترض إرسال جزء من هذه المساعدة إلى محافظة إدلب، وهي المكان الذي يتركز فيه الإرهابيون في سوريا. وهؤلاء الإرهابيون محاصرون في إدلب منذ عدة سنوات وغير قادرين على التقدم ضد الجيش السوري، ولهذا تحاول أمريكا مساعدة التكفيريين في المعارك المستقبلية التي من المحتمل أن تبدأ قوات المقاومة في قتالها ضد تركيا والإرهابيين.
النوايا الشريرة للغرب
حقيقة أن المساعدات الإنسانية الأمريكية لا تهدف إلى مساعدة اللاجئين السوريين يمكن رؤيتها بوضوح في تصريحات المسؤولين اللبنانيين. حيث حذر وزير الهجرة اللبناني من وجود نهج لإعادة توطين اللاجئين السوريين بشكل دائم في لبنان، وهذا أمر غير مقبول على الإطلاق. ومن الخطأ توطينهم بشكل دائم حتى في الأردن على الرغم من كونهم جميعاً من السنة. وحسب هذا المسؤول اللبناني، فإن سوريا أرض خصبة ومكتفية ذاتيا، حيث الخدمات الطبية والتعليم مجانيان، كما تنتج سوريا الأدوية. والغرب لا يدعم اللاجئين السوريين، لكنه سيستخدمهم لتأجيج الصراعات والخلافات في المستقبل.
وحسب هذه التصريحات، يبدو أن أمريكا تحاول منع هؤلاء الأشخاص من العودة إلى بلادهم من خلال توطين اللاجئين بشكل دائم في البلدان المجاورة لسوريا. لأنه إذا عاد هؤلاء فسيكونون تحت حكم الحكومة السورية وسيزداد عدد المواطنين الذين سيكونون في ظل دمشق وتحت راية هذا البلد، ومسؤولو البيت الأبيض يعارضون مثل هذا الإجراء. وإذا كانت نية الولايات المتحدة والغرب هي حقًا مساعدة اللاجئين السوريين، كان من المفترض أن يتم إرسال هذه المساعدات إلى اللاجئين خلال السنوات الماضية، لكن الأمريكيين رفضوا هذه المساعدات ويعيش اللاجئون في وضع سيء للغاية في لبنان والأردن ومناطق أخرى.
التعويض عن هزيمة أوكرانيا في الميدان السوري
يرتبط الصراع بين روسيا وأمريكا حول الأزمة السورية أيضًا بالتطورات في أوكرانيا. ونظرًا لحقيقة أن روسيا غاضبة من مغامرات الغرب في أوكرانيا وإرسالهم مساعدات كأسلحة لمواجهة العدوان الروسي، فمن المهم عدم السماح للولايات المتحدة بغزو سوريا. ومع بداية حرب أوكرانيا، حاولت سلطات واشنطن إعادة تنفيذ خططها نصف المكتملة في سوريا بسبب تورط الروس في أوكرانيا، والمساعدات الإنسانية الحالية تتم أيضًا لتحقيق هذا الهدف، لكن الروس معهم المواقف والإجراءات الحاسمة التي اتخذت في الأسابيع الأخيرة، حيث أعطت رسالة للغرب وتركيا مفادها بأن موسكو لا تزال لاعبًا فاعلًا في التطورات في سوريا ولن تسمح للآخرين بخلق أزمة جديدة لدمشق.
لكن من خلال نشاطهم في سوريا، يحاول الأمريكيون تقليص بعض القوات الروسية في أوكرانيا وتوجيهها نحو سوريا، وبهذه الطريقة يمكنهم تغيير التوازن الميداني لمصلحتهم على جبهات القتال الأوكرانية. ورغم أن الروس استولوا على 20٪ من أراضي أوكرانيا، إلا أن سلطات موسكو قالت إنها لم تبدأ عمليتها الرئيسية بعد وستواصل عمليتها حتى تحقيق أهدافها، وقد أثارت هذه القضية قلق الغربيين. وبهذه الطريقة يحاولون صرف أنظار الروس عن أوكرانيا إلى حد ما وقيادتهم إلى القضايا السورية، وبسبب استمرار الهجمات الروسية في أوكرانيا وانتصار محتمل في هذا البلد، إضافة إلى زيادة التكاليف على الغرب، سيكون ذلك أيضًا ضربة قوية لصورة أمريكا في العالم. وهنا تجدر الإشارة إلى أن روسيا وافقت العام الماضي على الخطة التي اقترحها الغرب لإرسال مساعدات إنسانية، لكن الآن الحرب في أوكرانيا والعقوبات الأمريكية والغربية ضد روسيا قد طوت الصفحة وأثرت بشكل كبير على الوضع السياسي.
تريد أمريكا تقوية المعارضة المسلحة في دمشق تحت الاسم الرمزي للمساعدات الإنسانية بحجة دعم اللاجئين، من أجل إخراج الجزء الشمالي من سوريا من الحكم السوري إلى الأبد وتنفيذ خططها نصف المكتملة.