الوقت - مع تنصيب الحكومة الثالثة عشرة التي وضعت سياسة التطلع إلى الشرق وزيادة التفاعلات السياسية والاقتصادية مع جيرانها على جدول الأعمال، عمل ذلك على سفر كبار المسؤولين من العديد من دول المنطقة إلى إيران. هذه المرة جاء دور الرئيس التركماني سردار بيردي محمدوف، الذي ترأس وفداً سياسياً واقتصادياً رفيع المستوى إلى طهران. التقى رئيس تركمانستان مع كبار المسؤولين الإيرانيين يوم الثلاثاء لمناقشة تطوير العلاقات الثنائية وإزالة المشاكل والعقبات التي تعترض التعاون. وخلال الاجتماع، حدد الرئيس الإيراني سيد إبراهيم رئيسي التعاون مع دول بحر قزوين كأحد أولويات السياسة الخارجية الإيرانية، وقال إنه سيتم بذل جهود لتوسيع التعاون الثنائي بين طهران وعشق أباد لتعزيز التعاون الإقليمي والدولي بين البلدين. كما تقرر تشكيل لجنة مشتركة لمتابعة قرارات هذه الرحلة وتقديم تقرير عن نتائج عملها بشكل دوري. كما وصف بيردي محمدوف قطاعي الطاقة والنقل بأنه أحد أهم القطاعات الاستراتيجية في العلاقات بين البلدين، وقال إنهم سيحاولون استخدام قدرات هذين القطاعين بشكل فعال لتوسيع التفاعلات الثنائية.
بعد لقاء بيردي محمدوف مع رئيسي، تم توقيع العديد من وثائق التعاون بين طهران وعشق أباد بين وزيري البلدين. كانت مذكرة التفاهم التجارية-الاقتصادية بشأن التعاون في مجال النقل والعبور بين الوزراء، إضافة إلى مذكرات العلمية والتقنية والثقافية بين مقاطعتي شمال خراسان وكلستان مع المقاطعات المحاذية في تركمانستان، إضافة إلى مذكرة تفاهم بشأن مجموعة عمل الاستثمار المشترك، وتوقيع اتفاقية تبادل الغاز، من بين أكثر الاتفاقات المهمة في هذه الاجتماعات. كما كانت قضية التطورات في أفغانستان إحدى القضايا المشتركة التي نوقشت بين البلدين. بالنظر إلى أن تركمانستان وإيران تشتركان في حدود مع أفغانستان، فإن انتشار انعدام الأمن في هذه البلدان قد تكون له عواقب لا يمكن إصلاحها، ولذلك تحاول طهران وعشق أباد المساعدة في إرساء السلام والاستقرار في أفغانستان.
الاقتصاد أهم رابط بين البلدين
يمكن فحص زيارة رئيس تركمانستان لإيران في ظل الوضع الراهن من عدة زوايا. نظرًا لأن العلاقات الاقتصادية تلعب دورًا رائدًا في عالم اليوم، فقد أثيرت هذه القضية أكثر من القضايا الأخرى في تطور العلاقات بين إيران وتركمانستان، وأظهرت التفاهمات أهمية الاقتصاد بين الجانبين. بالنظر إلى أن البلدين لهما حدود مشتركة مع بعضهما البعض، فمن خلال زيادة مستوى التبادلات الاقتصادية، يمكنهما تلبية جزء من احتياجات بعضهما البعض، لذلك، من خلال زيادة الواردات والصادرات بسبب قرب الحدود، سيتم توفير تكاليف البلدين. على الرغم من أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين وصلت إلى أدنى مستوى لها في السنوات الأخيرة، إلا أنه في الحكومة الثالثة عشرة، تم بذل جهود لرفع مستوى العلاقات التجارية، وفي هذا الصدد، زاد حجم التبادل التجاري بين الجانبين منذ السنة الماضية. يقال إن حجم التجارة بين إيران وتركمانستان قبل بضع سنوات بلغ 6 مليارات دولار في السنة، لكن لسبب ما، تقلصت العلاقة إلى 200 مليون دولار في العام الماضي، حيث أعرب المسؤولون من الجانبين عن استيائهم.
وحسب المتحدث باسم الجمارك الإيرانية، منذ بداية الحكومة الثالثة عشرة، كان حجم التجارة الخارجية بين البلدين مليوناً و 14 ألفاً و474 طناً من البضائع بقيمة 299 مليوناً 728 ألف دولار، بنمو 22 في المئة في الوزن و79 في المئة في القيمة مقارنة بالعام السابق. وبلغ نصيب صادرات السلع الإيرانية من هذا المقدار من التجارة غير النفطية 987.755 طنا بقيمة 276 مليونا و637 ألف دولار، مقارنة بالفترة نفسها، فقد زادت بنسبة 16٪ وزنا و89٪ في القيمة. من حيث حصة الواردات من تركمانستان في هذه الأشهر التسعة، 35.719 طنًا من البضائع بقيمة 23 مليونًا و91 ألفًا و486 دولارًا، والتي على الرغم من انخفاض الوزن بنسبة 38 ٪، فقد زادت بنسبة 14 ٪ في القيمة. ومع ذلك، فإن اتجاه التفاعلات بين البلدين آخذ في الازدياد ومع توقيع وثائق التعاون في طهران، ستزداد هذه العلاقات بشكل كبير.
من ناحية أخرى، وفقًا للإحصاءات التي قدمتها الجمارك التركمانية في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2022، كانت إيران من بين الدول العشر الأولى في الفعاليات الاقتصادية مع تركمانستان وتظهر أن مسؤولي الدولة يولون أهمية خاصة لزيادة مستوى الفعاليات الاقتصادية مع إيران. وحسب التقرير، فإن إحصائيات الخمسة أشهر الخاصة بالمبادلات غير النفطية دون احتساب الطاقة تظهر 150 مليون دولار في التجارة بين البلدين، والتي نمت بنسبة 83٪ مقارنة بالعام الماضي، وهذا يشير إلى زيادة التعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين، ويتطلب هذا التعاون المتنامي تعاونا جمركيا ثنائيا. يمكن للمقاطعات الحدودية الإيرانية مع تركمانستان، بما في ذلك شمال خراسان خراسان وكلستان، التي تشترك كثيرًا ثقافيًا وحضاريًا، أن تلعب دورًا مهمًا في مختلف المجالات، بما في ذلك تصدير واستيراد البضائع على جانبي الحدود. واجتماع المسؤولين المحليين من الجانبين له أهمية خاصة في زيادة التبادلات الاقتصادية قدر الإمكان. إذا أقيمت أسواق حدودية بين البلدين يمكن لذلك أن يسهل تبادل البضائع وكذلك زيادة التبادل الاقتصادي بين الجانبين سيوفر فرص عمل للمحافظات الحدودية مع إيران، وبالنظر إلى جدية مسؤولي البلدين في زيادة مستوى التعاون، فمن المؤمل أن نشهد في السنوات القادمة ازدهارًا اقتصاديًا في الأقاليم الحدودية للبلدين. وفي هذا الصدد، قال رئيس الأمانة العامة لمجلس الحوار بين الحكومة والقطاع الخاص لمحافظة خراسان، في هذا الصدد، إن الأمانة تعالج قضايا مختلفة مثل التبادل المستمر للمعلومات وإحصاءات التجارة بين البلدين والمحافظات، وعقد اجتماعين سنويين لزيادة التبادلات بين البلدين، وحل مشكلة التأشيرات والمرور لرجال الأعمال بالغرف التجارية، وإنشاء مكتب مشترك للغرفة الإيرانية وتركمانستانية في محافظات مختلفة.
عين تركمانستان على ممر الشمال والجنوب
تأتي زيارة بيردي محمدوف إلى طهران في وقت كان للحرب الأوكرانية تأثير سلبي على القضايا السياسية والاقتصادية في آسيا الوسطى. بالنظر إلى أن تركمانستان، مثل دول أخرى في المنطقة، غير قادرة على التفاعل مع الأوروبيين عبر روسيا بسبب العقوبات الغربية ضد روسيا، فإن إيجاد طرق بديلة لنقل البضائع إلى مناطق أخرى كان أولوية في سياستها الخارجية. نظرًا لموقعها الجيوسياسي الجيد وإمكانية الوصول إلى الطرق البرية والبحرية، فضلاً عن وجود بعض البنية التحتية للنقل لنقل البضائع، تعد إيران واحدة من أكثر الطرق اقتصادية وأمانًا لصادرات تركمانستان، سواء في قطاع الطاقة أو القطاعات الأخرى. نظرًا لقربها من الخليج الفارسي وبحر عمان، فإن إيران هي أفضل وأقصر طريق ممكن لنقل البضائع من آسيا الوسطى إلى الخارج، لذلك تحاول الحكومة التركمانية أيضًا استخدام طرق العبور الإيرانية في الوضع الحالي. أصبحت هذه القضية ذات أهمية خاصة في الأيام الأخيرة بسبب إطلاق الممر بين الشمال والجنوب، ويمكن للتركمان نقل بضائعهم إلى المياه الحرة لجنوب إيران في وقت أقصر وبتكلفة أقل. نظرًا لحقيقة أن تركمانستان لا تستطيع الوصول إلى المياه المفتوحة، فإن تطوير العلاقات مع إيران واستخدام خط السكك الحديدية في البلاد يمكن أن يصل إلى المحيط الهندي والخليج الفارسي. لذلك، كان ربط سكة حديد تركمانستان بمدينة سرخس وامتدادها إلى بندر عباس، وكذلك تعاون تركمانستان وإيران لتطوير الممر بين الشمال والجنوب من أهم أوجه التعاون في مجال النقل والعبور.
تبادل الغاز من أهم برامج التعاون بين البلدين
وإلى جانب العلاقات الاقتصادية بين البلدين، نوقشت أيضا مسألة مبادلات الغاز خلال اجتماع بين كبار المسؤولين في البلدين. قال مسؤولون إيرانيون إنه تم توقيع اتفاقية تبادل الغاز خلال اجتماع بين رئيسي إيران وتركمانستان، ستنقل خلاله تركمانستان ما بين خمسة إلى ستة ملايين متر مكعب من الغاز يوميًا إلى جمهورية أذربيجان عبر إيران. في العام الماضي، بالتزامن مع زيارة إبراهيم رئيسي لتركمانستان، تم التوقيع على اتفاقية ثلاثية لتبادل الغاز على هامش قمة منظمة التعاون الاقتصادي (ECO) بحضور الرئيس الإيراني والرئيس الأذربايجاني إلهام علييف ووزراء النفط من البلدين. وعليه، وافقت إيران على نقل (ترانزيت) ملياري متر مكعب من الغاز التركماني سنويًا إلى أذربيجان عبر الأراضي الإيرانية. كما ستخصم إيران الغاز الذي تحتاجه في المحافظات الشمالية الخمس من حق نقله. من خلال عبور الغاز عبر إيران، إضافة إلى حل مشكلة نقص الغاز في المحافظات الشمالية، يمكن لإيران أيضًا كسب دخل من هذا العبور. بعد روسيا وإيران وقطر، تعد تركمانستان رابع أكبر دولة في مجال احتياطيات الغاز التي يمكن أن تزود المحافظات الشمالية والشرقية من إيران بالغاز.
شراء الكهرباء لتلبية الاحتياجات اليومية
تعد صناعة الكهرباء أيضًا أحد المجالات في مجال الطاقة التي يمكن أن تزيد من التعاون بين البلدين. تشتري إيران الكهرباء من تركمانستان منذ سنوات عديدة لتلبية احتياجاتها، وحسب صناعة الكهرباء الإيرانية، فإن كمية الكهرباء المشتراة من تركمانستان نحو 140 ميغاواط، والتي تستخدم للاستهلاك في المحافظات الشمالية والشرقية، ومنذ السنوات الأخيرة تواجه إيران نقصًا في الكهرباء، وخاصة في الصيف، ويمكن أن تعوض تركمانستان بعض النقص بسبب احتياطيات محطات الطاقة الضخمة. وحسب مدير شركة الكهرباء الإيرانية، فقد دخل الخط الثاني لنقل الكهرباء من تركمانستان إلى إيران أيضًا، ما قلل من استهلاك الوقود بمقدار مليون لتر يوميًا وساعد أيضًا في تقليل استهلاك الكهرباء في الشتاء. كما أعلنت وزارة الطاقة التركمانية في تقرير أنها تعتزم زيادة إنتاجها من الكهرباء إلى 35.5 مليار كيلوواط / ساعة بحلول عام 2030، وهو ما يعني فرصة جيدة لإيران لشراء الكهرباء لتلبية الاحتياجات المحلية ولعب دور وسيط في إعادة التصدير الكهرباء من إيران. وبناءً على ذلك، يمكن لإيران أن تعمل كحلقة وصل بين فائض إنتاج تركمانستان وطلب دول مثل العراق وأفغانستان وتركيا وأذربيجان وأرمينيا.
تركمانستان هي أكبر شريك تجاري لإيران في آسيا الوسطى، ومن ناحية أخرى، فإن هذا البلد هو بوابة إيران إلى آسيا الوسطى، ومع تطور العلاقات بين البلدين، ستزداد التبادلات الثنائية بين دول أخرى في المنطقة والحكومة الثالثة عشرة؛ وتماشياً مع سياسة النظر إلى الجيران، ستبذل قصارى جهدها لتعزيز العلاقات مع عشق أباد.