الوقت - بعد عشرة أشهر من تولي طالبان السلطة في أفغانستان، عملت الدول المجاورة على إرساء الاستقرار والسلام في هذا البلد.
وعلى الرغم من عدم اعتراف أي دولة بحكومة طالبان المؤقتة وفشل الحركة في تلبية مطالب المجتمع الدولي، فقد عقدت دول المنطقة عدة اجتماعات حول التطورات في أفغانستان.
وفي هذا الصدد، بدأ يوم الجمعة الماضي في العاصمة دوشانبي، اجتماع الحوار الأمني الإقليمي الرابع، بمشاركة مستشاري الأمن القومي من إيران وروسيا والهند والصين وأوزبكستان وكازاخستان وقيرغيزستان، والذي تستضيفه طاجيكستان. ومن المقرر أن يناقش الاجتماع الذي يستمر يومين الوضع الأمني والسياسي والاقتصادي والإنساني في أفغانستان.
ويعبر كبار مسؤولي الأمن القومي من الدول الحاضرة في الاجتماع، عن آرائهم بشأن الوضع في أفغانستان والآليات التي يجب اعتمادها لإخراج البلاد من حالة عدم الاستقرار الحالية.
كما أن قضايا مثل الحاجة إلى تشكيل حكومة شاملة، ومسؤولية طالبان بصفتها الحاكم الحالي لمنع أنشطة الجماعات الإرهابية وتهديد أمن الدول المجاورة لأفغانستان، مكافحة تهريب المخدرات وتقديم المساعدة الإنسانية الفورية لأبناء هذا البلد، كانت من الموضوعات التي أكد عليها جميع المشاركين في الاجتماع.
إقامة السلام وتشكيل حكومة شاملة
الجولات الثلاث السابقة قد استضافتها باكستان وإيران والهند العام الماضي، وتظهر الجولة الرابعة في طاجيكستان أن المخاوف في المنطقة قد تصاعدت بشكل حاد منذ وصول طالبان إلى السلطة.
وكانت رسالة الاجتماعات السابقة هي رفض التدخل الأجنبي والتعاون والتقارب بين الجيران بدلاً من التنافس، ومشاركة جميع المجموعات الشعبية في الهيكل السياسي المستقبلي لأفغانستان.
وشدَّد بيان صدر عقب اجتماع طهران على أن الوضع في أفغانستان قد تغير بشكل جذري، وأن دول المنطقة تشعر بقلق بالغ إزاء الوضع العسكري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والإنساني المعقد في أفغانستان.
لكن على الرغم من هذه التحركات الإقليمية، لم يُلاحظ أي تأثير إيجابي ومطلوب في أفغانستان حتى الآن، لأن حكومة طالبان المؤقتة خرجت مئة بالمئة من قلب هذه المجموعة، ولا توجد إجراءات وتيارات سياسية أخرى في هذه الحكومة، ولهذا السبب لم تعترف أي دولة حتى الآن بحكومة طالبان المؤقتة.
حتى أن حركة طالبان فرضت قيودًا جديدةً على الرجال والنساء الأفغان، ما أثار رد فعل الغرب والأمم المتحدة، وهو ما يراه الغرب على أنه يتعارض مع حرية التعبير الذي قد يعيق عملية تحقيق الاستقرار.
أظهرت الاجتماعات الإقليمية حول أفغانستان أنه ما لم تتحرك طالبان نحو حكومة وطنية شاملة، فإن فرص قبولها كممثل قانوني للشعب الأفغاني ستكون ضئيلةً وغير متوقعة.
والعقوبات الغربية ضد طالبان وتجميد احتياطيات النقد الأجنبي الأفغانية بمليارات الدولارات في الغرب، أدت إلى زعزعة استقرار اقتصاد البلاد وأثارت مخاوف بشأن كارثة إنسانية في أفغانستان. ووفقًا للأمم المتحدة، سيعيش أكثر من 90 في المئة من الأفغان تحت خط الفقر بحلول العام المقبل.
ولذلك، فإن انتشار الفقر في أفغانستان يمكن أن يكون أكبر تهديد لدول المنطقة، وبالتالي فإن هذه الدول تحاول توسيع التعاون قدر الإمكان لتجنب تداعيات هذه الأزمات.
کما أن موجة هجرة مئات الآلاف من الأفغان إلى إيران وآسيا الوسطى بعد وصول طالبان إلى السلطة، قد زادت من مخاوف وتكاليف هذه البلدان، ووفقًا لآخر تقرير للأمم المتحدة، فإن ما يقرب من مليون أفغاني مستعدون للهجرة خارج البلاد، وبالتالي فإن جهود إحلال السلام والاستقرار في أفغانستان وحل أزمة اللاجئين هي أحد اهتمامات المنطقة.
وهذا الأمر، إلى جانب التهديدات الإرهابية، يمكن أن يخلق أزمةً جديدةً في المنطقة، ولذلك فإن جيران أفغانستان لهم الأولوية من أي دولة أخرى للحديث عن التطورات في هذا البلد، وإيجاد حلول لتحدياته ومشاكله.
التعامل مع التهديدات الإرهابية
تحولت أفغانستان إلی بؤرة للإرهابيين في المنطقة منذ سنوات، ومنذ وصول طالبان إلى السلطة، صعَّد تنظيم داعش الإرهابي من هجماته الإرهابية في البلاد، وهو ما يدق ناقوس الخطر لدول المنطقة.
إن تزايد عدم الاستقرار في أفغانستان يشكِّل في الأساس تهديدًا لطالبان، التي فشلت في إرساء الأمن والاستقرار في أفغانستان خلال هذه الفترة، كما أن عدم مشاركة التيارات السياسية الأخرى في الحكومة الأفغانية، سيزيد من التهديدات الأمنية والإرهابية في المستقبل.
لذلك، فإن جيران أفغانستان قلقون من انتشار هذه التهديدات إلى بلدانهم، ويحاولون إيجاد حل للتعامل مع هذه التهديدات من خلال التعاون المشترك متعدد الأطراف.
وبسبب انتشار الفقر وترويج الأيديولوجية الوهابية-السلفية في آسيا الوسطى، أصبحت هذه الدول أكثر عرضةً لجذب الإرهابيين، وتزايدت المخاوف من انتشار الأعمال الإرهابية في المنطقة.
طاجيكستان هي واحدة من أكثر البلدان تعرضاً للتهديدات الإرهابية من أفغانستان، ولأن دول آسيا الوسطى لا تملك القدرة والإدارة للتعامل مع مثل هذه الأزمات، يحاول المسؤولون الطاجيكيون تقليل آثار التهديدات الإرهابية بمساعدة دول المنطقة.
تحتاج أفغانستان إلى حكومة شاملة تماماً يمكنها ضمان حقوق الأفغان ومنع أفغانستان من أن تصبح ملاذًا آمنًا للإرهاب، لكن طالبان فشلت حتى الآن في الوفاء بالتزاماتها، ما أدى إلى زيادة التهديدات الإرهابية وانعدام الأمن خلال الأشهر العشرة الماضية.
ومن الواضح أن السلام والاستقرار في أفغانستان سيزيدان من أمن البلدان الأخرى ويقللان من تكاليف التعامل مع التهديدات وانعدام الأمن، ولن تقلق دول المنطقة بشأن بذل قصارى جهدها للقضاء على التهديدات الإرهابية.
وبالنظر إلى أن الحرب في أوكرانيا أصبحت أكثر انتشارًا وأن آثارها السلبية واضحة في جميع المناطق، فإن دول المنطقة تحاول منع حدوث أزمة جديدة في أفغانستان وتداعياتها في المنطقة.
من ناحية أخری، بما أن الولايات المتحدة مصممة على هزيمة روسيا وعزلها، فإن التحركات الغربية لزعزعة استقرار الحدود الجنوبية لروسيا، وخاصةً عبر أفغانستان، ستزداد، مما يدفع دول المنطقة إلى العمل على حل مشاكل أفغانستان.
إن عقد مثل هذه الاجتماعات في هذا الوقت يمكن أن يلعب دورًا لا يمكن إنكاره في تقليص الخلافات، والتوصل إلى اتفاق بشأن أفغانستان. وعلى الرغم من أن دول المنطقة لم تعترف بحكومة طالبان، إلا أن كلاً منها لديها القدرة الاقتصادية لمساعدة أفغانستان على تجاوز ذلك.
فيما يحاول جيران أفغانستان تحقيق السلام في البلاد، من خلال زيادة التعاون ومنع انتشار التهديدات الإرهابية وانعدام الأمن في المنطقة عبر عقد اجتماعات عديدة، لكن نهج طالبان وخططها على مدى الأشهر العشرة الماضية، تظهر أن البلاد أمامها طريق طويل لتقطعه قبل أن تتمكن من الوصول إلى السلام والاعتراف بها من قبل المجتمع الدولي.