الوقت - اليوم، في السياسة العالمية، من أجل قياس قدرة ومكانة قوة ما على المستويين الإقليمي وعبر الإقليمي، إضافة إلى مؤشرات القوة الصلبة في شكل مكونات مثل القدرة العسكرية، تعتبر قدرة القوة الناعمة للدول مؤشرًا رئيسيًا أيضًا.
وبتعبير أدق، تعدّ درجة التأثير الناعم ومكانة الفاعل على المستوى العالمي، مكونًا رئيسيًا يمكن من خلاله قياس تأثير القوة في المعادلات الدولية.
في غضون ذلك، حاولت الولايات المتحدة ترسيخ مكانتها باعتبارها القوة الأولى في العالم على مدى العقود الماضية، مع التركيز على عنصري القوة الناعمة والقوة الصلبة.
لكن خلافًا لتوقعات استراتيجيي البيت الأبيض، في كل السنوات التي تلت عام 2000، أي بعد وصول جورج دبليو بوش إلى السلطة، شهدنا انخفاضًا في مصداقية الولايات المتحدة وتأثيرها العالمي، واستمر هذا الاتجاه التنازلي خلال السنوات الماضية أيضًا.
إن تدخل واشنطن في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ودعمها للجماعات الإرهابية، وعدم الثقة بالولايات المتحدة، من أهم الأرضيات التي أفقدت واشنطن مصداقيتها في جميع أنحاء العالم، وخاصةً في غرب آسيا وشمال إفريقيا.
وإثباتاً لهذا الادعاء أيضًا، خلص معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى(WINEP-Washington Institute for Near East Policy) مؤخراً في استطلاع كبير في العديد من البلدان العربية، إلى أن مصداقية واشنطن قد تراجعت على نطاق واسع بين شعوب غرب آسيا وشمال إفريقيا.
وأظهرت الاستطلاعات التي أجراها المعهد في مارس الماضي قبل حلول شهر رمضان، نتائج مروعة في مصر والأردن والكويت والسعودية والإمارات.
والطريقة المستخدمة في الاستطلاع تؤكد صحة النتائج؛ لأن ألف شخص، أي نحو 16٪ من الناس في كل منطقة، يتم اختيارهم عشوائيًا من كل دولة، ويتم الحصول على النتائج من خلال المقابلات الشخصية معهم، وبأقصى قدر من السرية وعدم الكشف عن هويتهم.
أمريكا.. شريك غير موثوق
النتيجة الأكثر أهميةً للاستطلاعات التي أجراها معهد واشنطن للأبحاث، کانت انخفاض الثقة بالولايات المتحدة على المستوى الإقليمي.
واعتبر غالبية من شملتهم الاستطلاعات، وخاصةً في الدول الخليجية، الولايات المتحدة شريكًا غير موثوق به، وأظهروا ميلًا أكبر نحو روسيا والصين. حتى أنهم أرادوا زيادة علاقات بلادهم مع بكين وموسكو.
على سبيل المثال، في الدول الخليجية الثلاث(الكويت والسعودية والإمارات)، كانت هناك ثلاثة اتجاهات مختلفة: ترى شعوب هذه الدول أن علاقات حكوماتهم مع روسيا لا تقل أهميةً عن علاقاتهم مع الولايات المتحدة.
کما يعتبر خمسون بالمئة من المشاركين أن الولايات المتحدة شريك غير موثوق به على الإطلاق، وحتى 75٪ من المشاركين يرون أن جهود واشنطن لإحياء الاتفاق النووي مع إيران لا تحقق لهم أي إنجاز. على سبيل المثال، يرى غالبية 70٪ من العراقيين بوضوح أن واشنطن غير جديرة بالثقة، وأن سياساتها سلبية.
مجموع نتائج هذه الاستطلاعات يظهر بوضوح أن السياسات الأمريكية في منطقة غرب آسيا قد فشلت، على عكس الماضي حيث كانت ذات أهمية خاصة للمواطنين العرب.
کما تتصاعد المشاعر المعادية لأمريكا في المنطقة، وقد توصل الرأي العام العربي إلى استنتاج مفاده بأن العلاقات الأحادية الجانب مع الولايات المتحدة لا تخدم مصالحهم الوطنية.
وبشكل عام، يمكن القول إن الدور التخريبي لواشنطن في المشهد الداخلي لدول غرب آسيا، ونشر القوات التكفيرية وعدم التزامها بالاتفاقيات المبرمة مع العرب، أدى إلى ارتفاع حالة التشاؤم بشأن سياسات الولايات المتحدة في العالم العربي.
الموقف العربي الإيجابي لتقوية العلاقات مع إيران
رأت الغالبية العظمى من المشاركين(ما يقرب من 90٪) في استطلاع معهد واشنطن للأبحاث، أن إقامة علاقات مع إيران ذات أهمية خاصة.
وحسب المشاركين، فإن إيران وروسيا والصين هي القوى الثلاث التي تعمل تدريجياً على إضعاف قوة الولايات المتحدة في منطقة غرب آسيا.
في هذه الأثناء، فإن الأردن هو البلد الوحيد الذي يواصل فيه المشاركون تقييم الحفاظ على العلاقات مع الولايات المتحدة علی أنه علی درجة کبيرة من الأهمية.
لکن مواطنو الدول الأخرى، وخاصةً مصر والسعودية والإمارات، دعوا إلى علاقات متساوية مع إيران وروسيا والصين.
کذلك، بناءً على نتائج هذا الاستطلاع، قيمت الغالبية العظمى من السكان الشيعة في الدول الخليجية وجود إيران في المنطقة على أنه عدم تدخل، وشددت على أن دور إيران في تعزيز الاستقرار والأمن في المنطقة إيجابي.
أيضًا، كان رأي غالبية المشارکين أنه بغض النظر عما إذا كان إحياء الاتفاق النووي الغربي مع إيران يتحقق أم لا، فإن إقامة علاقات مع إيران يجب أن تكون على جدول الأعمال.
وفي هذا الصدد، أشاد المواطنون العراقيون أكثر من أي دولة أخرى بدور إيران في العلاقات مع بغداد، ودعوا إلى تعميق التعاون.