الوقت – كشفت تحقيقات يشرف عليها قاضي التحقيق الإسباني “رفاييل لاسالا” حول قضية دخول إبراهيم غالي لإسبانيا بهوية جزائرية مزوة، أن القرار النهائي لدخول زعيم الجبهة يعود لرئيس الحكومة الإسبانية” بيدرو سانشيز”.
في ذات السياق، أكد قاضي التحقيق “رفاييل لاسالا” في تصريح حصري بعدما تمكنت صحيفة “فوزبولي” من الوصول إليه وهو في سيارته، أن “كاميلو فيلارينو” رئيس مكتب وزيرة الخارجية السابقة “أرانشا غونزاليس لايا” المُقالة، أنه لم يكن على علم بوجود قضايا جنائية مفتوحة أمام المحكمة في حق إبراهيم غالي قبل دخوله من الجزائر.
المصدر ذاته، أضاف إنه على الرغم من أحد الأشخاص الذين يتحملون مسؤولية دخول إبراهيم غالي للأراضي الإسبانية، إلا أنه يعتبر متورطاً في العملية إلى جانب وزيرة الخارجية السابقة والداخلية والدفاع، لكن لا يمكن لومه من الناحية الجنائية، لأن القرار النهائي لوصول غالي إلى سرقسطة هو قرار لرئيس الوزراء.
وتابع المتحدث إن “فيلارينو” يؤكد في اعترافاته أمام القضاء أنه لم يتم إبلاغه من طرف وزارة الداخلية بوجود تُهم مُوجهة إلى “غالي” إلا عندما ولج إسبانيا بأيام، وبالتالي، لم يكن يعلم عنها شيئًا من قبل أثناء الشروع في إجراءات الدخول لإسبانيا.
وشدد القاضي “رفاييل لاسالا” قرار السماح لإبراهيم غالي بدخول إسبانيا لا يمكن تصنيفه “إجرامياً” لأن الحكومة مسؤولة سياسياً واجتماعياً فقط عن نجاحها وأخطائها في اتجاه النشاط السياسي، حسب المتحدث على اعتبار أن المسؤول عن القرار في شكله النهائي هو “بيدرو سانشيز”.
وأشار القاضي إلى أن الإجراءات التي قام بها فيلارينو هي موقف إنساني، مثل الاتصال بالمسؤولين عن الجوازات والمطار ومراقبة الجمارك لتجاهل هذه الإجراءات، إضافة إلى إرسال سيارة الإسعاف الطبية التي نقلت غالي من سرقسطة إلى لوغرونيو، حيث خلص القاصي “لاسالا” إلى أن المساعدة لأسباب إنسانية تشكل “موقفًا إنسانياً لا يمكننا التراجع عنه”.
وكان زعيم جبهة البوليساريو "إبراهيم غالي"، قد دخل إسبانيا السنة الماضية من أجل العلاج من فيروس "كورونا" المستجد، مستعينا بهوية مزورة تحمل اسم "محمد بن بطوش"، وهو ما تسبب في توتر العلاقات الدبلوماسية بين إسبانيا والمغرب.
وجاء دخول غالي، حسب القاضي، في تكتم “حتى لا يتعارض مع مصالح دولة مجاورة (المغرب)، ويضيف إن زعيم البوليساريو لم يخضع لأي رقابة على جوازات السفر من قبل الشرطة الاسبانية أو الحرس المدني، وأنه دخل لاحقًا مستشفى لاريوخا تحت اسم مستعار.
وتسبب تسريب الصحافة، بعد ثلاثة أيام، عن دخول غالي للمستشفى في لوغرونيو، بأزمة دبلوماسية مع المغرب، كما يضيف القاضي، إن ذلك أجبر، أيضا، وزارة الداخلية على إبلاغ المحكمة الوطنية بوجود زعيم البوليساريو، مطلوب في قضيتين مفتوحتين للإبادة الجماعية، وفق ذات المصدر.
وسبق أن أشادت الحكومة الاسبانية بخطاب العاهل المغربي بشأن بناء “مرحلة جديدة وغير مسبوقة في العلاقة بين البلدين على أساس الثقة والشفافية والاحترام المتبادل والوفاء بالالتزامات”.
وكانت وسائل اعلام اسبانية نقلت عن رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، تأكيده أنه تحدث مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون المغربي، ناصر بوريطة، على هامش القمة المشتركة للاتحاد الأوروبي والاتحاد في بروكسيل، “حيث تطرق الطرفان إلى طبيعة العلاقات بينهما والحاجة إلى تطويرها، الأمر الذي لم يؤكده المغرب بشكل رسمي”.
ونقلت وكالة الأنباء الإسبانية الرسمية “إيفي” عن سانشيز قوله إنه استطاع التحدث مع وزير الخارجية المغربي وأنهما معا أكدا على “الحاجة إلى إحداث تقدم في العلاقات الاستراتيجية بين إسبانيا والمغرب”.
وطوال الفترة السابقة، سعت إسبانيا إلى إعادة العلاقات مع المغرب إلى سابق عهدها، لكن الرباط تدعو إلى مزيد من "الوضوح"، وخاصة أن العلاقات بين البلدين معرضة باستمرار للتأثر السريع على وقع ملفات ذات حساسية مفرطة للجانبين.
وفي يوليو/ تموز الماضي، وفي خطوة لرأب الصدع في العلاقات بين البلدين، عيّن بيدرو سانشيز، رئيس الوزراء الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، وزيرا للخارجية، بدلا من أرانتشا غونزاليس لايا، التي شكلت أحد أوجه الأزمة بين مدريد والرباط.
وزاد من تعميق الأزمة المغربية الإسبانية، تدفق آلاف المهاجرين غير نظاميين، إلى سبتة، التي تعتبرها الرباط "ثغرا محتلا".
لذلك يرى مراقبون أن التحقيق في دخول زعيم “البوليساريو” إلى إسبانيا هو إجراء روتيني لا أكثر ولا علاقة له بتغير سياسة إسبانيا تجاه المغرب لأن الأزمة على خلفية استضافة غالي، لم تكن الأولى من نوعها، فلطالما تضررت العلاقات بين البلدين بسبب ملف سبتة ومليلية، ففي 22 ديسمبر/ كانون الأول 2020، استدعت إسبانيا سفيرة المغرب لديها، كريمة بنيعيش، بخصوص هذا الملف.
فقبلها بثلاثة أيام، تحدث رئيس الحكومة المغربية السابق سعد الدين العثماني، في تصريح متلفز، عن "إمكانية فتح الملف (سبتة ومليلية) في يوم ما".
وذكرت وكالة الأنباء الإسبانية الرسمية، أن الخارجية الإسبانية، استدعت سفيرة الرباط، و"أخبرتها أن الحكومة تتوقع من جميع شركائها احترام سيادة ووحدة أراضي إسبانيا".
وطلبت الخارجية الإسبانية، من بنيعيش تقديم توضيحات بخصوص تصريحات العثماني، فيما جددت السفيرة موقف الرباط الثابت من قضية المدينتين.
ووفق سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة "سيدي محمد بن عبد الله" فإن "هناك عوامل كثيرة تدفع إسبانيا لتحسين علاقاتها مع المغرب وجعل العلاقات قوية كما كانت في السابق".
وقال الصديقي، إن "هذه العوامل يمكن إجمالها في محددين كبيرين، أولهما المحدد الاقتصادي بمختلف أبعاده سواء في مجال الاستثمار والتبادل التجاري والصيد البحري، حيث إن المغرب وإسبانيا يظلان بلدين قويين على صعيد ضفتي المتوسط".
وأضاف إن "المحدد الثاني أمني، ويضم عناصر متنوعة على رأسها أمن الحدود وتهديد الإرهاب العابر للدول والهجرة غير النظامية، وإن كانت هذه الأخيرة في الأصل قضية إنسانية واجتماعية واقتصادية تحتاج حلا بعيدا عن تغليب الجانب الأمني".
واعتبر أن "البعد الأمني لا يقل أهمية عن البعد الاقتصادي لأن الإسبان لن يشعروا بالأمن وحدودهم مشكوك في أمرها، لأن المغرب يظل عامل استقرار ويظل عاملا أساسيا في حماية أمن أوروبا وخاصة دول جنوب المتوسط".، مؤكدا أن "إسبانيا لن تنام مرتاحة البال إذا كانت حدودها الجنوبية مشكوك في أمنها".