الوقت- بالرغم من اقترابنا علی موعد تنفيذ العهود من جانب دول مجموعة «5+1»، لرفع العقوبات الإقتصادية المفروضة علی إيران، بعد التوصل مع الأخيرة الی إتفاق فيينا النووي، الذي تم توقيعه في 14يوليو/تموز الماضي، لازالت أمريكا تستمر بضغوطاتها علی الوكالة الدولية للطاقة الذرية، و تقف حجر عثرة في طريقها لمنعها من إصدار تقرير يشير بوضوح الی شفافية البرنامج النووي الإيراني. حيث ثمة من يعتقد أن واشنطن و بالرغم من إتضاح سلمية البرنامج النووي الإيراني، لازالت تحاول التشكيك في خطط إيران النووية السلمية. فلماذا لا تكف أمريكا عن التحريض الدولي ضد البرنامج النووي الإيراني و تسعی الی الإعلان عنه، بانه برنامجا للأغراض العسكرية؟
لا شك أن الدول التي تمتلك التكنولوجية النووية لا ترغب في انتقال هذه التكنولوجية الی الدول الاخری، و ذلك بحكم أنها تريد أن تستخدمها لفرض سلطتها علی العالم و التحكم في الطاقة النووية باعتبارها أحد أهم مصادر الطاقة المستقبلية. لذا ليس من الغريب أن تحاول الدول التي تمتلك المعرفة النووية، عرقلة محاولات الدول الاخری مثل إيران، لمنعها من حيازة هذه التكنولوجيا. لكن من يدرس التعامل السيئ الذي انتهجته الدول العظمی و علی رأسها أمريكا و كذلك الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يری أن هذه الأطراف سخّرت جميع ما لديها من إمكانات، لمنع إيران من التطور في المجال النووي للاغراض السلمية.
وفي هذا السياق لازالت أمريكا تعرقل عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث أصدر «يوكيا امانو» رئيس الوكالة مؤخرا تقريرا آخر تحدث خلاله عن البرنامج النووي الإيراني. و خلافا للتوقعات، فقد إمتنع امانو هذه المرة ايضا، عن الإعلان رسميا بان البرنامج النووي الإيراني لم یكن له طابعا عسكريا.
هذه السياسة التي يمكن وصفها بـ «العدائية» من قبل مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية تجاه إيران، لا شك أنها تعرض العالم الی الكثير من المخاطر و ذلك بسبب أنه أصبح مشغولا بالبرنامج النووي الإيراني دون أن يتبابع أنشطة الدول الأخری والتي من المحتمل أن تستغل إنشغاله المفرط بالبرنامج النووي الإيراني، لتمارس أنشطة نووية محظورة. كما لا يليق بـ امانو باعتباره رئيسا لمنظمة دولية أن يكون خاضعا للرغبة الأمريكية، ومن المفترض أن يكون موضوعيا في إعداده لتقارير هذه الوكالة. الكيان الإسرائيلي لازال يجري البحوث النووية العسكرية في صحراء النقب ومفاعل ديمونه المتهالك بسبب إنتهاء عمره الإفتراضي، دون أن يجرأ امانو، بالتحدث عن ضرورة إخضاع الإنشطة النووية الإسرائيلية الی تفتيش الوكالة الدولية.
الكثير يتسائل لماذا لا تريد أمريكا رفع العقوبات الإقتصادية عن إيران، بالرغم من أن السوق الإيرانية هي سوق واعدة و يمكن لواشنطن أن تجني منها عشرات المليارات من الدولارات سنويا، بما أن إيران باتت تقترب علی الـ90 مليون نسمة. هناك حقيقة تختلف تماما عن هذا الانطباع، حيث أن إيران، لازالت تشك في نوايا الأمريكيين و لهذا فانها غير مستعدة لتفتح أبوابها التجارية و الإقتصادية تجاه واشنطن. ويؤكد الساسة الإيرانييون أن واشنطن تخطط من جديد لإضعاف الثورة الإسلامية و من ثم الإنقضاض علیها. و لهذا باتت تعرف واشنطن أن رفع العقوبات الإقتصادية عن إيران لم يأتي لها بالخير الكثير و لذلك نلاحظ بوضوح كيف تسعی لعرقلة رفع هذه العقوبات. لكن القضية بالنسبة لسائر الدول تختلف تماما. حيث أعلنت إيران عن إستعدادها لبناء علاقات إقتصادية مع مجموعة الدول الإوروبية، فضلا عن أن طهران تعطي الأولوية دائما لدول الجوار.
جميع المسؤولين الإيرانيين يصرحون أن لا معنی للإتفاق النووي إن لم يؤدي الی إخراج الملف النووي الإيراني من مجلس الأمن و إغلاقه نهائيا. قبل ساعات من كتابة هذا التحليل، صدرت هذه المواقف من جديد علی لسان علی شمخاني سكرتير الأمن القومي في إِيران، أكد خلالها أنه علی دول «5+1» تختار، إما تنفيذ الإتفاق النووي وإما الابقاء علی ملف الابعاد العسكرية المحتملة (pmd ) للبرنامج النووي الإيراني.
في الإسبوع الماضي وخلال لقائه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أكد قائد الثورة الإسلامية الإمام الخامنئ، في هذا اللقاء حول مصير المفاوضات النووية بين إيران والدول العظمي: لقد وصلت هذه القضية إلى نهاية ما، لكننا لا نثق بالأمريكان أبداً، و نراقب بأعين مفتوحة سلوك الحكومة الأمريكية و أداءها في هذا الملف. هذا هو فصل الخطاب من قبل إيران تجاه المفاوضات النووية حيث إن لم يلتزم الطرف الغربي بتعهداته تجاه إيران و خاصة إلغاء جميع أشكال العقوبات المفروضة علیها، فان العمل بالإتفاق النووي من جانب إيران، سيبقی حبرا علی ورق. و علی الدول الغربية أن لا تشك بصرامة و صراحة إيران في هذا الخصوص. إذن من الأفضل لـ امانو الكف عن اتباعه للسياسة الضبابية عند إصدار تقاريره حول البرنامج النووي الإيراني دون الخوف من الإنزعاج الإمريكي، لأن أمريكا تحاول عسكرة البرنامج النووي الإيراني، لإخافة العالم و إبقاء العقوبات الإقتصادية علی إيران.