الوقت- بعد أن فشل بشدّة ما تُسمى "سياسة الحياد" التي تدعي الحكومة اللبنانيّة انتهاجها منذ سنوات، يتحدّث رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، عن سياسة "النأي بالنفس"، بعد أن أخفق في مهمته برئاسة الحكومة في بلد يعيش أصعب الظروف على جميع المستويات، وكأنّ شخصاً آخر سواه تدخّل لدى وزارة الخارجية وطلب إدانة "الغزو الروسيّ" لأوكرانيا وفقاً لوسائل إعلام لبنانيّة، حيث أثقب ميقاتي مسامع العرب بأنّ الحكومة اللبنانيّة الجديدة تنتظر "الأخ العربيّ الأكبر" لمساعدتها في حل الأزمة الاقتصاديّة والاجتماعيّة في البلاد، بعد فشل سلفه السابق، حسّان دياب، في حل ولو جزء منها، وإنّ انتظار الوهم الموعود يزيد حجم الأعباء الملقاة على اللبنانيين، دون أدنى مسؤوليّة من بعض رجال السياسيّة في لبنان لإعادة الروح للدولة اللبنانيّة ووضع حدٍ للانهيار الاقتصادي الذي عاشه اللبنانيون في السنوات الأخيرة بعيداً عن الآمال الواهية.
عقب عرقلة لا محدودة من بعض الدول العربيّة وبالأخص الخليجيّة لمحاولات حكومة ميقاتي إيجاد حلول فوريّة للخروج من الوضع الحاليّ المؤسف عبر السعي لمعالجة هموم ومشاكل الشعب لمنع البلاد من الانهيار، عاد رئيس الوزراء اللبنلنيّ مجدداً لأحلامه السياسيّة البعيدة عن الواقع بعد الأرض عن الشمس، ليتحدث في كلمة له خلال تكريم الفائزين بالجائزة العربيّة لأفضل أطروحة دكتوراه في العلوم القانونيّة والقضائيّة في الوطن العربيّ، بأنّ لبنان معتمدٌ على ما تسميها الحكومة اللبنانيّة "النأي بالنفس"، وذلك أمام ما وصفهم ميقاتي بـ "الأشقاء العرب".
وعلى الرغم من أنّ بعض الأشقاء العرب اتبعوا لمدّة طويلة أسلوب بث النزاعات الداخليّة والضغط الاقتصاديّ لمنع إنقاذ الشعب اللبنانيّ الغارق بالأزمات، يواصل ميقاتي استراتيجيّته التي أثبتت فشلها الذريع في التعويل على وهم الدعم العربيّ وبالأخص الخليجيّ، لكنّه لم يُدرك بعد أنّ تلك الاستراتيجيّة غير المنطقيّة كانت "مخطئة للغاية"، على اعتبار أنّ الحل أولاً وأخيراً ينبع من الداخل اللبنانيّ بالاستناد إلى القدرات الداخليّة وليس "الاستناد إلى حائط مائل" أيّ الصدقات والمساعدات التي تقدمها بعض الدول العربيّة لأغراض مُسيسة محددة يعرفها الجميع.
"لبنان غير قادر على الوقوف في خندق هنا أو على خط تماس هناك"، هذا ما زعمه الوزير ميقاتي المتحيز للكثير من القضايا التي تؤيّدها بعض الدول التي تشترك مصالحها مع مصالح رئيس الحكومة، والدليل هو ما ذكره الإعلام اللبنانيّ حول أنّ الأخير أصر على تضمين بيان وزارة الخارجية حول ما يحصل في أوكرانيا بـ "الاجتياح الروسيّ" وذلك بطلب مباشر من السفيرة الأميركيّة لدى لبنان، دوروثي شيا، ما يتعارض بشكل كامل مع كذبة "النأي بالنفس"، حيث إنّ إجبار لبنان على انتهاج سياسة معينة تحت الإجبار لا يُعد حياداً أبداً مهما حاول بعض المسؤولين في الحكومة ترويج ذلك الوهم.
وبالاستناد إلى أنّ العديد من الدول العربيّة والغربيّة أثبتت بشكل قاطع أنّها لا تريد الخير للبنان وترغب بتطويعه عند إمرتها للاستفادة منه عند "التحشيد السياسيّ" وقت الحاجة، لم يتعلم ميقاتي الدروس والعبر السياسيّة التي مرت عليه خلال توليه المنصب، خاصة تلك التي طعنت بيروت في خاصرتها في أسوأ الظروف، بدل أن تسارع في إنقاذ لبنان وشعبه المنهك، وقد سمعنا لمدّة طويلة التباهي الفارغ من بعض الدول التي تدعم أشخاصاً على حساب الدولة لكي يكونوا "أداة طيعة" لتنفيذ أوامر الملوك وسفراء الدول التي تعودت من قبل البعض على السمع والطاعة، والواقع أكبر شاهد على خداع تلك المزاعم التي لا يصدقها عاقل.
"من غير الإنصاف تحميل لبنان ما لا طاقة عليه، ونحن ننتظر من أشقائنا العرب أن يتفهّموا واقعنا جيداً وأن يقفوا إلى جانبنا لتجنيب البلاد الأخطار ولمساعدتنا على تحمّل الأعباء التي فاقت قدراتنا"، هذا ما قاله ميقاتي الذي يستند على الدعم العربيّ الغير الموجود أصلاً والدليل قوله قبل أشهر: إنّ "لبنان بلد صغير في العالم العربيّ، ونحن نبحث عن الأخ الأكبر من كل الدول العربية ليأتي ويأخذ بيدنا ويخرج لبنان من هذه الفوضى"، مضيفاً أنّ لبنان مستقر سيفيد العالم العربي بأكمله، متناسيّاً غياب الرغبة العربية في حل أيّ مشكلة اللبنانية من الأساس، حيث كانت بعض الدول العربية تثير المشاكل وتفاقمها في هذا البلد، فلماذا وقفت بعض الدول العربيّة وعلى وجه التحديد النفطيّة منها عاجزة عن تقديم يد العون للبنان وتحقيق القليل من الانفراج في الأزمة الاقتصاديّة التي فشلت الدولة اللبنانية وأحزابها كافة في حلها أو معالجتها في وقت تتصاعد فيه نسب الفقر والعنف والهجرة.
تخيلوا بعد كل هذا، ناشد ميقاتي ما أماهم "الأخوة العرب" قائلاً: إنّ "لبنان بحاجة إلى دعمكم ومؤازرتكم في هذه المرحلة بالذات ليستعيد عافيته"، مضيفاً أنّ "عقد هذا اللقاء في العاصمة اللبنانيّة في هذا الظرف بالذات هو تأكيد متجدد على إيمان العرب بلبنان الدور والرسالة وبالقيم التي يجسدها"، ما يعني أنّ المشكلة هي ذاتها مع رئيس الحكومة اللبنانيّة الذي يعول السراب، ولا أحد يعلم أبداً من أ]ن ينبع هذا "التفائل الغريب" لديه، على اعتبار أنّ لب الخلل في هذه القضيّة أنّ الدول العربيّة التي تركت لبنان يعاني على كافة المستويات، كيف يمكن الاعتماد عليها لحل مشاكل لبنان الداخليّة!.
والغريب في الأمر أنّ ميقاتي أكّد أنّ "لبنان يعيش أزمة غير مسبوقة على كلّ المستويات" زاعماً أنّ حكومته تحاول حلّها من خلال الإمكانات المتاحة، متّكلاً على دعم أشقائه العرب وأصدقائه في العالم، في ظل فشله الذريع في إيجاد حلول فورية للخروج من الوضع الحاليّ عبر السعي لمعالجة هموم ومشاكل الشعب لمنع البلاد من الانهيار، وينبع هذا الشلل الحكوميّ من السياسات العجز الحكوميّ الإنقازيّة الفاشلة والمشكلات الاقتصاديّة الكبيرة والتدخلات الأجنبيّة السافرة التي يغض ميقاتي الطرف عنها عند الحديث عن النأي بالنفس والحياد ظنّاً منه ربما أنّه يستطيع التعتيم على الحقيقة التي بات أطفال لبنان حتى يدركونها.
وخلال استقباله في السرايا الحكومي الأمين العام لما يطلق عليها "جامعة الدول العربية"، أحمد أبو الغيط، بحضور الأمين العام المساعد للجامعة السفير حسام زكي، زعم ميقاتي أن الحكومة اللبنانية أدركت منذ البداية أنها غير قادرة على الوقوف في خندق هنا أو على خط تماس هناك، ولهذا اعتمدت سياسة "النأي بالنفس" تجاه أيّ خلاف عربي، قائلاً: "نصرّ على تطبيق تلك السياسة فالخاسر في كلّ خلاف أو نزاع هو عالمنا العربي، والتقاتل لن يوصل إلى رابح وخاسر".
وما ينبغي ذكره أنّ رئيس الوزراء اللبنانيّ تناسى قضيّة وزير الإعلام اللبنانيّ المستقيل والإعلاميّ الشهير، جورج قرداحي، الذي استقال نتيجة للعداء الخليجيّ وبالأخص السعوديّ لِلبنان قبل مُدّة، بذريعة تصريحات قديمة له في مقابلة صحفيّة حول حرب اليمن العبثيّة والتي تشكل الرياض رأس حربتها، لخلط أوراق اللعبة من جديد لتحقيق مبتغاها داخل الحكومة اللبنانيّة التي مرت بولادة عسيرة نتيجة الخلاف السياسيّ الكبير الذي يعيشه لبنان منذ عودة رئيس الوزراء اللبنانيّ الأسبق، سعد الحريري، من الاختطاف في السعودية، وفشل الأطراف السياسيّة في إنجاز أيّ ملف من ذلك الحين
خلاصة القول، تمادت حكومة ميقاتي بشكل كبير في "تجريب المُجرب"، بدلاً من الاهتمام بالداخل والوحدة الوطنيّة لتحقيق النصر على الظروف الصعبة، حيث عولت بشكل لا يوصف على الدعم العربيّ الغائب بشكل كامل، متناسيّة غياب الرغبة العربية في إيجاد مخرج للأزمة اللبنانية الخانقة، بالتزامن مع العداوات التي تتربص بالمقاومين في لبنان ومحاربتهم بشكل كبير من خلال عملاء الداخل، لمحاولة تغيير قرارهم الصائب في لبنان والمنطقة، وتغليب لغة المساومة والضغوط والحصار.