الوقت - مع بدء العلاقات بين الکيان الصهيوني والبحرين، بعد توقيع اتفاقية التطبيع، أبدت حكومة آل خليفة اهتمامًا بتطوير العلاقات مع الصهاينة في مختلف القطاعات. وقد واجهت هذه القضية انتقادات داخلية وخارجية مستمرة.
ومن أكثر مجالات التعاون حساسيةً بين المنامة والصهاينة هو المجال الأمني والعسكري، والذي يمكن أن يغير بشكل خطير الوضع الداخلي والإقليمي في البحرين.
وعلى الرغم من عدم وجود تقارير رسمية عن تعاون أمني خلف الكواليس بين المنامة وتل أبيب، واتباع حكومة آل خليفة سياسة السرية لمنع إثارة الرأي العام المحلي والمخاوف الإقليمية، لکن يبدو أن آل خليفة بدأ ينتهج ببطء سياسة التخلي عن السرية، حيث يعلن قادة هذا النظام صراحةً عن وجود تعاون أمني بينهم مع الصهاينة.
وفي هذا الصدد، كشف نائب وزير الخارجية البحريني، عبد الله الخليفة، "حسب قناة الجزيرة"، في مؤتمر ميونيخ الأمني، أن جهاز المخابرات الإسرائيلي(الموساد) حاضر رسميًا وعلنيًا في البحرين.
وبرَّر الخليفة تحرك نظامه بالزعم أن الوجود الصهيوني في البحرين سيوفر المزيد من الأمن للبحرين، ويحمي أرواح مواطني هذا البلد!
قمع داخلي بالتعاون مع الموساد
فيما يتعلق بأهداف التعاون الأمني والاستخباراتي البحريني مع الموساد، فإن الهدف الرئيسي لنظام آل خليفة بلا شك هو محاولة قمع المعارضة الداخلية، والقضاء على التهديدات الأمنية من المعارضة لنظام آل خليفة.
الحقيقة أنه بعد 11 عامًا من الحركة الثورية للشعب البحريني، لم تتقلص الفجوة بين الحكومة والشعب فحسب، بل اتسعت هذه الفجوة نتيجةً لاستمرار السياسات القمعية للنظام؛ مثل ترحيل وسجن قادة المعارضة في محاكمات صورية، تقييد الحريات المدنية والسياسية بالضغط على الصحافة، وحظر أنشطة أحزاب المعارضة مثل جمعية الوفاق وقمع الاحتجاجات الشعبية السلمية وغيرها. وهذا بدوره دفع النظام إلى السعي لتقوية قطاعي الأمن والاستخبارات ضد المواطنين، خوفًا من احتمال تجدد الاحتجاجات.
في غضون ذلك، تم تحديد الجهاز الأمني والاستخباراتي المخيف للکيان الصهيوني، والذي يتمتع بتاريخ طويل من القمع والتجسس ولديه أدوات متقدمة في تنفيذ مثل هذه العمليات كخيار مرغوب فيه لنظام آل خليفة للتعاون التعليمي والعملي.
وفي هذا الصدد، يمكن أن نذكر الكشف عن تعاون الحكومة البحرينية مع الشركة التي تصنع برامج تجسس تابعة للکيان الصهيوني. حيث أصدرت منظمة العفو الدولية مؤخرًا تقريرًا يفيد بأن التحقيق الجديد الذي أجراه النظام البحريني، يشير إلى أن النظام البحريني استخدم برنامج بيغاسوس للتجسس ضد خصومه.
وتقول منظمة العفو الدولية إن هذه الخطوة تشكل تهديداً خطيراً لبرنامج بيغاسوس لمنتقدي الحكومات القمعية.
وتظهر التحقيقات التي أجرتها مجموعة "الخط الأحمر للحقوق الرقمية" التابعة لمنظمة العفو الدولية، أنه تم التجسس على بعض منتقدي الحكومة البحرينية، بمن فيهم صحفيون ومحامون ومستشارون نفسيون.
وكان تحالف مشاريع بيغاسوس قد حدد في السابق البحرين كعميل محتمل لمجموعة NSO. وهناك المئات من أرقام الهواتف البحرينية على القائمة المسربة للأهداف المحتملة لبيغاسوس، البالغ عددها 50 ألف هدف.
وقالت لين معلوف، نائبة مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، إن "السلطات البحرينية واصلت قمع المعارضة في السنوات الأخيرة، وصعدت من الرقابة على وسائل الإعلام الافتراضية".
ووفقاً لها، فإن هذه الوسائل الإعلامية كانت المساحة الوحيدة المتبقية لحرية التعبير، حيث قامت الحكومة بحل الجماعات الشرعية المعارضة.
الكشف عن نوايا النظام البحريني القمعية لتعزيز التعاون مع الموساد، دفع المعارضة الداخلية البحرينية والرأي العام، وخاصةً على وسائل التواصل الاجتماعي، للرد على خطوة الحكومة.
جمعية الوفاق البحرينية، على سبيل المثال، وصفت تصريحات نائب وزير الخارجية البحريني بأنها تعبير عن "عدم مسؤولية" هذا الشخص، وكون البحرين في خطر الأمن وإحداث صراع شامل وتحويل البحرين إلى أرضية غير آمنة وغير مستقرة في المنطقة، وشددت على أن هذا عمل لن يتم أبداً بعقلانية ومن قبل أناس لهم ضمير إنساني.
کذلك في مايو (2021)، أدانت مجموعة من السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان في البحرين زيارة رئيس الموساد إلى المنامة، بعد أن ذكرت وسائل الإعلام البحرينية زيارة يوسي كوهين إلى المنامة. وذكروا أن جهود الموساد لإفشال المعادلة السياسية في البحرين لمصلحة آل خليفة ستفشل، ولن تقيد حركة تحرير الشعب البحريني.
نيران الموساد ستحرق آل خليفة
لكن الجزء الآخر من موضوع تعاون المنامة مع مؤسسة الاستخبارات الصهيونية، يتعلق بأنشطة الموساد الاقليمية باستخدام وجوده الرسمي في الخليج الفارسي.
لا شك أن البحرين خيار مرغوب في أنشطة التجسس والعمليات التي يقوم بها الکيان الصهيوني في الخليج الفارسي. فمن ناحية، تمتلك البحرين حكومةً ضعيفةً وغير قابلة للحكم إلى حد كبير، وهي تابعة بالکامل للدعم الأجنبي من السعودية والولايات المتحدة.
ونتيجةً لذلك، بالنسبة لآل خليفة، فإن الحفاظ على النظام يفوق المصالح الوطنية للبحرينيين، في كيفية التعامل مع أنشطة الموساد في المستقبل.
ومن ناحية أخرى، تتمتع البحرين بقرب جغرافي من السعودية وإيران كقوتين إقليميتين مهمتين، ولها مكانة حاسمة في تطورات العالم الإسلامي.
أما بالنسبة للسعوديين، فعلى الرغم من أن الرياض أعطت الضوء الأخضر للبحرين للدخول في ساحة تطبيع العلاقات، وهي نفسها تقيم علاقات من وراء الكواليس مع الصهاينة، لكن الموساد لديه أيضًا تاريخ في التجسس على حلفاء إسرائيل الرئيسيين في الغرب، مثل الولايات المتحدة، لذا فإن وجوده في البحرين يمثل فرصةً لتصعيد التجسس على الأراضي السعودية.
لكن من المؤكد أن التركيز الرئيسي لأنشطة الموساد في البحرين، ينصب على محور المقاومة وإيران. في السنوات الأخيرة اندلعت وراء الكواليس حرب إعلامية وأمنية بين طهران وتل أبيب، والکل يحاول تغيير ميزان التهديد ضد الآخر لمصلحته.
لقد حوَّلت إيران كفة الميزان لمصلحتها في السنوات الأخيرة من خلال هزيمة الصهاينة في مناطق جيوسياسية مهمة مثل الأزمة السورية، وتعزيز فصائل المقاومة في غزة ولبنان، فضلاً عن نشر التهديدات ضد الأمن البحري للصهاينة في البحر الأحمر وباب المندب.
في غضون ذلك، حذرت طهران مرارًا وتكرارًا، من خلال توقع الأهداف والمراقبة الدقيقة للأنشطة الصهيونية المعادية للأمن من وجودها في البحرين والإمارات، التحذيرات الضرورية بشأن الخطوط الحمراء للأمن القومي للجمهورية الإسلامية.
بطبيعة الحال، فإن تحرك آل خليفة لمنح الموساد مقراً له في البحرين، من وجهة نظر طهران، يعني دخول البحرين في تهديد نشط لأمنها القومي، ونتيجةً لذلك، فإن العواقب المكلفة على المنامة حتمية.