الوقت - أثار قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاعتراف باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك عن أوكرانيا، مساء الاثنين، رد فعل مختلف الدول، وحوّل هذا الحدث إلى العنوان الرئيسي لجميع وسائل الإعلام. حيث أدانت الدول الغربية وحلفاء كييف، بشدة قرار بوتين، بل نقلت القضية إلى مجلس الأمن الدولي.
وخلافاً لنهج الدول الغربية، طلبت موسكو من حلفائها وبقية العالم الاعتراف باستقلال هاتين الجمهوريتين، الأمر الذي قوبل برد إيجابي، وبالطبع، من قبل عدد محدود من الدول. والآن باتت أسباب قرار فلاديمير بوتين وعواقبه قضية مهمة للرأي العام والمراقبين السياسيين.
وفي هذا السياق، أجرى موقع "الوقت" حواراً مع الخبير في الشؤون الروسية حسن بهشتي بور، للحديث عن هذه القضية المهمة.
وفيما يتعلق بأسباب قرار بوتين الاعتراف باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك عن أوكرانيا، وصف حسن بهشتي بور، قرار الرئيس الروسي بالخطأ التاريخي، وقال: الحقيقة هي أن دونيتسك ولوهانسك ليستا في وضع مماثل لشبه جزيرة القرم،رغم أن غالبية السكان في هاتين المقاطعتين هم من الروس، إلا أن احتلال أراضي دولة مستقلة أخرى وإرسال قوات برية إلى الانفصاليين يزيد عملياً من مستوى التهديد ضد الآخر.
ما يقوله بوتين مبرر في سياق مواجهة عضوية أوكرانيا في الناتو، لكن الحقيقة هي أن الرجوع إلى بنود اتفاقية مينسك لحل الأزمة الأوكرانية كان يمكن أن يكون الحل الرئيسي. فالاعتراف باستقلال هاتين المقاطعتين يتعارض الآن مع جميع الاتفاقيات والقواعد الدولية.
وأضاف: على عكس اتفاق ديسمبر 1991 في ألماتي التي وافقت فيه الجمهوريات السوفيتية على الاعتراف بالحدود الداخلية والدولية لبعضها البعض وظهرت 15 دولة جديدة دون أزمة، فإن قرار بوتين الأخير بالاعتراف بمقاطعي لوهانسك ودونيتسك فاقم الوضع ورفع مستويات الأزمة إلى أقصى حد. كانت الحكومة الروسية لعقود من الزمن منتقدا رئيسيا للأحادية الأمريكية في النظام الدولي، لذلك كان من المتوقع الآن أن يحيل الكرملين الأمر إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، لكن قرار روسيا الآن هو خارج عن مبادئ التوافق العالمي. حتى لو قبلنا بمنطق موسكو بتعرض أمنها القومي للخطر في ضوء توسع الناتو، فإن الحل المعتمد يمكن أن يكون خاطئا للغاية، لذلك، اعتقد أنه نتيجة لقرار بوتين الأخير، ستخسر روسيا في كل من الحرب الناعمة والحرب الصعبة.
وأضاف، إن قرار بوتين الاخير يتماشى مع رغبات أمريكا وبريطانيا لأن هذين البلدين يبحثان بشدة عن مزيد من الذرائع لتوسيع نفوذ الناتو في النظام الدولي ، والآن ونتيجة لقرار بوتين، فإن الذريعة والأدوات باتت في متناولهما. من ناحية أخرى، نتيجة للعقوبات البريطانية الأمريكية المحتملة، من المرجح أن تحدث أزمة طاقة في أوروبا، وهو أمر لا يخدم مصالح ألمانيا وفرنسا بأي حال من الأحوال. وعلى مستوى آخر، تشعر الدول الأوروبية بقلق عميق من احتمال تكرار السيناريو الحالي في أوكرانيا بالنسبة لها في المستقبل غير البعيد. ورغم أن شعور روسيا بالتهديد ومنع تنفيذ أمريكا الخطة الشريرة لتوسيع الناتو في أوروبا الشرقية أمر مفهوم، لكن هذا لم ولن يكون بأي حال من الأحوال مبرراً لقرار بوتين المتسرع. في الأساس، يمكن أن يكون التغيير الجيوسياسي في المنطقة ظاهرة خطيرة ليس فقط على الدول الأوروبية، بل على روسيا كدولة تواجه قضايا انفصالية في مختلف مناطقها، مثل الشيشان وداغستان.
وبشأن احتمال تراجع بوتين عن قراره الأخير، قال بهشتي بور إن تصرف بوتين لا يشجع الغرب على توقيع اتفاق أمني مع موسكو فحسب، بل سيؤدي أيضا إلى تفاقم الأزمة بين روسيا والغرب. حقيقة الأمر هي أنه في القرن الحادي والعشرين، فإن التهديد لسيادة دولة مستقلة مثل أوكرانيا والطلب اللاحق من الغرب للتوصل إلى اتفاقية لا معنى له. ومع ذلك، من المحتمل أن تتراجع روسيا عن قرارها الأخير. فنتيجة لقرار بوتين الأخير، شهدنا انخفاضا حادا في سوق الأسهم الروسية وانخفاض قيمة الروبل مقابل الدولار. الحقيقة هي أن الاقتصاد الروسي مرتبط بالاقتصاد العالمي، ويمكن للعقوبات الغربية المستقبلية أن تجعل الأمور أكثر صعوبة على بوتين.
وبشأن احتمالية نشوب حرب، قال الخبير بالشؤون الروسية: إن أمريكا وبريطانيا مهتمتان جدا بجر روسيا إلى حرب في أوكرانيا؛ لأن خسائر الطرفين ستكون في مصلحتهما. ومع وضع هذا بعين الاعتبار، يبدو أن احتمال دخول موسكو في حرب شاملة مع أوكرانيا أمر مستبعد للغاية. الحرب بشكل أساسي ستكون على حساب روسيا وأوكرانيا وألمانيا وفرنسا وأوروبا الشرقية، لكن أمريكا تسعى إلى تدمير نورد ستريم 2 بالكامل وتمهيد الطريق لعضوية أوكرانيا في الناتو.