الوقت- الجرائم الإسرائيلية تستهدف الفلسطينيين الأبرياء، وتتصاعد وتيرتها بصور مختلفة وصلت إلى درجات جسيمة وخطيرة، فقد مارست قوات الاحتلال مختلف أنواع الممارسات الإجرامية، وكان منها المذابح المروعة، نتيجة رغبة الاحتلال تطهير المناطق من سكانها، إضافة إلى التهجير القسري، والاعتقال، والقمع، والتعذيب، والإهانة والإذلال، وهدم المساكن، واستخدام أشد الوسائل العسكرية الفتاكة التي تسببت بإزهاق الأرواح وخلفت إعاقات دائمة، ونشرت الخوف والرعب بين الشيوخ والنساء والأطفال،
فيما لا تزال القيادة الإسرائيلية تتمادى فى ذات السلوك دون رادع من المجتمع الدولي، أو حتى ملاحقات قضائية من قبل الجهات السيادية الفلسطينية، فما قدم إلى الآن مجرد خطوات شكلية وعمل تكتيكي لم يرق إلى استراتيجية لمواجهة مجرمي الحرب الإسرائيليين في المحافل الدولية
في خطوة أثارت معها غضبًا وجدلاً فلسطينيًا واسعا ومتصاعدا، تحدثت تقارير إعلامية عبرية وفلسطينية متطابقة، عن قرار مُفاجئ من السلطة الفلسطينية بتجميد لجنة هامة وضرورية كان أبرز أهدافها جمع الأدلة لفضح ممارسات الاحتلال بحق الفلسطينيين وأراضيهم وأملاكهم وحقوقهم وعرضها أمام المجتمع الدولي.
والغريب في هذه القضية أن القرار جاء مباشرة بعد اللقاء الذي جمع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بوزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس، قبل أسابيع في بيت الأخير بضواحي “تل أبيب”، الأمر الذي أثار موجة غضب عالية وسط تساؤلات حول الأهداف الخفية لهذا القرار المفاجئ، وأسباب تجميد أهم لجنة تختص بفضح الاحتلال وممارساته.
وكشفت القناة "12" العبرية نقلاً عن ما وصفتها بالمصادر الفلسطينية المطلعة للقناة إن قرار تجميد عمل إحدى اللجان التابعة للسلطة والتي تقوم بجمع أدلة ضد الاحتلال لتقديمها لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي، يأتي بعد أن قدّم غانتس لعباس مطلبين إسرائيليين خلال لقائهما الأخير؛ الأول وقف رواتب الأسرى وعائلات الشهداء، والثاني عدم التوجه الى محكمة الجنايات الدولية، فيما رد الرئيس عباس بأنه سيكون على استعداد للاستجابة للمطلبين حال الذهاب نحو مسيرة سياسية، إلا أنه من الصعب عليه وقف ذلك في هذه المرحلة، وفق ما قالت القناة العبرية.
وبينت القناة أن لدى السلطة الفلسطينية عدة لجان تعمل على جمع الأدلة ضد الاحتلال سعياً إلى تقديمها لمحكمة الجنايات الدولية، لكن حصلت إحداها مؤخراً على تعليمات من مكتب الرئيس بتجميد عملها دون إبداء الأسباب.
وأضافت إن التعليمات جاءت من مكتب عباس، وبعبارة أخرى بالإمكان القول إن تصرفات عباس تخفف من وتيرة العمل لإدانة إسرائيل، فيما لم يوقف عباس إجراءاته ضد المحكمة، ولكنه يخفف من وتيرتها وبالتأكيد بالإمكان وصف ذلك بالتطور الإيجابي".
هروب اسرائيل من الملاحقة القانونية
لقد عمدت إسرائيل إلى عدم الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية وذلك لتفادي ملاحقة قادتها العسكرين والسياسيين من منطلق أن أعمال المحكمة لن تخدم ممارساتها وسلوكها العدواني على الأرض والذي يمكن أن يفتح الباب نحو رفع دعاوى تدخل ضمن اختصاص هذه المحكمة
وسلكت إسرائيل طرقاً بديلة يمكن أن تشكل مرحلياً حماية لقادتها المتورطين في جرائم ضد الفلسطينيين وذلك من خلال تشكيل لجان تحقيق وعمل محاكم صورية داخل دولة الاحتلال لتفادي مساءلتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية أو أي هيئة قضائية دولية أخرى
تواجه فلسطين معيقات وإشكالات كبيرة بسبب طبيعة عمل المحكمة والشروط الواجب مراعاتها أثناء رفع الدعوى وخصوصا أن المحكمة تمارس مهامها تجاه الدول الأطراف
ولم تفلح فلسطين بإدخال تعديلات على قوانينها الداخلية بما يتوافق مع نظام المحكمة والذي يقتضي إدخال تعديلات وإقرارها من المجلس التشريعي، خصوصا أن دولة فلسطين ليس عضواً في اتفاقية روما
يشكل الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية ونظامها جانباً من المخاطرة كون النشطاء الفلسطينيين والكوادر السياسية والعسكرية يمكن أن يتم رفع دعاوى ضدهم وبالتالي ملاحقتهم وقد يشكل ذلك فرصة لإسرائيل وحلفائها.
نظام المحكمة الجنائية الدولية لا يعمل بأثر رجعي حيث إنها تنظر القضايا ما بعد 1 يوليو 2002، ولا يمكنها نظر الجرائم الإسرائيلية قبل هذا التاريخ.
دور المحكمة الجنائية الدولية هو دور تكميلي بحيث يتم استكمال إجراءات المحاكمة المنظورة لدى المحاكم الوطنية، ولا يحق للمحكمة أن تتحاكم شخصاً تمت محاكمته لدى القضاء الوطني.
جهود السلطة الفلسطينية للانضمام للمحكمة كانت شكلية وضمن ممارسة الضغط السياسي على إسرائيل ولم يترجم إلى جهد حقيقي أو استراتيجي في مواجهة جرائم إسرائيل، حيث لم يفتح أي تحقيق إلى الآن ولم تقدم أي مذكرة رسمية للمطالبة بذلك.
الجهات السيادية في السلطة الفلسطينية سواء المستوى السياسي أو القانوني لم يبحثوا التوجه إلى البدائل المتاحة دوليا وهي المحاكم الوطنية ذات الاختصاص العالمي.
يمكن لفلسطين العمل بنظام التفويض المعمول به في القانون الدولي وفق مبدأ تفويض الاختصاص القضائي، بحيث تقوم بتفويض دول بفتح قضايا تخص الجرائم الإسرائيلية لدى محاكمها الوطنية التي تسمح بالتحقيق والملاحقة ولا تشترط وقوع الجرم على أراضيها.
الملاحقة القضائية يمكن أن تقيد حرية القادة السياسيين والجنرالات العسكريين المتهمين وكشف رواية إسرائيل بانتهاكها للقانون الدولي الإنساني أمام الرأي العام الدولي والغربي بسبب ملاحقة مجرمي الحرب في إسرائيل
الملاحقة القضائية يمكن أن تقيد إسرائيل وتحد من استخدامها للقوة المفرطة في صراعها مع الفلسطينيين وستكون رادعاً للقيادات المتلاحقة في إسرائيل، وستحد من استخدام القوة المفرطة تجاه الفلسطينيين خشية من الملاحقة القضائية.
ماذا يجب أن يفعل الفلسطينيين؟
- الاستمرار في توثيق وإحصاء الجرائم الاسرائيلية واعداد ملفات تشمل بينات وأدلة دامغة وكافية على إدانة إسرائيل.
- اللجوء إلى المحاكم الجنائية الوطنية ذات الاختصاص العالمي، لمحاكمة قادة الاحتلال كونها غير مقيدة وغير محصورة، وهذا ما يعرف بمبدأ الاختصاص العالمي، والذي يمنح الدولة التي يتواجد على إقليمها المتهم بارتكاب جريمة دولية خطيرة سلطة وحق مباشرة المتابعات والمحاكمات الجزائية ضده مهما كانت جنسيته وجنسية الضحايا بغض النظر عن مكان ارتكابها
- حصر المحاكمات الصورية الإسرائيلية الداخلية المتعلقة بقيادات وضباط تورطوا بارتكاب جرائم ضد الفلسطينيين وجمع هذه الأحكام القضائية التي تمخضت عنها وإثاراتها أمام الجهات القضائية الدولية لفضح إسرائيل وكشف زيف ادعاءاتها وإفشال سياساتها للتهرب من الملاحقات الدولية، كونهم لم يخضعوا لمحاكمات حقيقية ولم يعاقبوا.
- العمل على تفويض بعض الدول التي تتمتع بهذا الاختصاص لملاحقة قادة الاحتلال وفق مبدأ تفويض الاختصاص القضائي العالمي .
- الطلب من مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة العمل على إنشاء محكمة خاصة مؤقتة تشابه محكمة يوغسلافيا وكمبوديا والمحكمة الخاصة بقتلة الرئيس الحريري، لفتح تحقيق حول الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.
- السعي لتحميل إسرائيل المسؤولية حول دفع التعويضات عن حجم الأضرار التي سببتها للضحايا الفلسطينيين من جراء العدوان غير المشروع.
- العمل على مطالبة الجهات الدولية المتعاقدة ضمن اتفاقية جينيف أن تمارس ضغوطاً على سلطات الاحتلال وأن تقوم بواجبها القانوني والأخلاقي من أجل وقف ممارسات وعدوان اسرائيل وجرائمها المستمرة.
- اللجوء إلى المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية لمطالبته بفتح تحقيق من تلقاء نفسه لمباشرة التحقيق ضمن الجرائم التي تدخل ضمن اختصاص المحكمة وذلك طبقا للمادة 15 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.