الوقت- لا تربط الإمارات باليمن أي حدود جغرافية، كما أنها لن تحقق من حربها واحتلالها وتمركزها في الجغرافيا اليمنية أي مصالح، سواء كانت تكتيكية أو استراتيجية، لكنها تحشر أنفها في الحرب العدوانية على اليمن انطلاقاً من حالة التطويع الأمريكي الإسرائيلي التي تعيشها، وتحقيقاً لنزوات الأمراء في الدويلة الذين يشعرون بالدونية والنقص فيها، ويحاولون البحث عن إنجازات وتواريخ حافلة وحكايات وقصص وعظمة فيها. إنها تخوض حرب البحث عن الذات الضائعة بين ركام القصف ومعاناة الجوعى ورفات وأشلاء القتلى في اليمن. وفي شباط/فبراير 2020، أعلنت الإمارات سحب قواتها من اليمن. ولقد أبرز الإعلام الإماراتي حينها عناوين متعددة لما أطلق عليه "الانسحاب الإماراتي من اليمن". وغرد مسؤولون إماراتيون، بينهم "محمد بن زايد"، حينها عن الأمر، وسرّبت الإمارات إلى صحف ووكالات دولية معلومات عن الانسحاب الذي قالت إنه جاء كتغيير في استراتيجية المعركة التي تخوضها في اليمن، وقال "عبد الخالق عبد الله"، إن "الحرب في اليمن توقفت إماراتياً. بقي أن تتوقف رسمياً"
ورغم أن الإمارات نقضت تعهداتها في محطات تصعيدية عدة، واستمرّت بالحرب على اليمن بوتائر متفاوتة، فإنها كانت توجه في كل مرحلة رسائل بأنها ملتزمة بها، وتحاول تجاوز الضغوط الأمريكية عليها فقط، وتقوم بتجديد تعهداتها، غير أن الواقع العسكري الذي برز في شبوة خلال الأيام الماضية، وما سبقه من تحضيرات ميدانية ودعايات إعلامية إماراتية، أسقط عن الإمارات جداراً كان من الممكن أن تنجو به من مخاطر الضربات العسكرية اليمنية. اليوم، تقود الإمارات عمليات تصعيد غير مسبوقة ضد محافظة شبوة، تستخدم فيها الطيران، وأكثر من 15 ألفاً من قطعان المرتزقة السلفيين، وأرتالاً عسكرية من المدرعات والطواقم والدبابات والغطاء الجوي الكثيف. وقد عملت على تمويل هذه المعركة التي لا تتجاوز 200 كم 2 - بمبلغ 500 مليون دولار.
إن دور الإمارات في قيادة المعارك الدائرة في شبوة وتمويلها وتغطيتها بالطيران يشير إلى أننا أمام فصل جديد مختلف تماماً عما سبق من الحرب مع الإمارات تحديداً؛ فصل قد نشهد فيه ضربات صاروخية وجوية تستهدف القواعد العسكرية والمنشآت الحيوية الإماراتية. وخلال الأيام الماضية، تعرضت محافظة شبوة لتصعيد عسكري غير مسبوق في تاريخ الحروب، إذ زجت الإمارات بكل عملائها ومرتزقتها وقطعانها الذين دربتهم وسلحتهم ليكونوا بيادقها في اليمن منذ العام 2015 في هذا التصعيد، كما استنفرت كل قواعدها الجوية لتوفير الغطاء الجوي.
وحول هذا السياق، تحدث "محمد البخيتي" عضو المكتب السياسي لحركة "أنصار الله" اليمنية في مقابلة له يوم أمس عن توصّل السعودية إلى صفقة مع دولة الإمارات العربية المتحدة جوهرها تنازل الأولى للثانية عن جميع المحافظات الجنوبية اليمنية بما في ذلك محافظة شبوة، مقابل أن تضع الإمارات كل ثقلها العسكري مجددًا في الحرب مثلما كان عليه الحال في بداياتها. وما زالت الأسباب التي دفعت الإمارات للقبول بهذه الصفقة، ووضع كل ثقلها العسكري في حرب اليمن مجددًا إلى جانب السعودية، بعد إعلانها الانسحاب عسكريًّا قبل عامين تقريبًا، لما قد ينطوي على هذه الخطوة من مخاطر ما زالت غير معروفة، خاصة أن تقارير صحافية تحدثت بإسهاب في هذين العامين عن وجود خلافات سعودية إماراتية متفاقمة، خاصة في الملف اليمني، إلى جانب ملفات خليجية أُخرى، أبرزها المصالحة مع دولة قطر، وإنهاء الخلاف معها دون التزام الأخيرة بتنفيذ أي من البنود الـ13 كشرط مسبق لتحقيق هذه المصالحة، وإنهاء الحصار الرباعي، مُضافًا إلى ذلك أن قيادة الإمارات أرادت تقليص خسائرها المادية والبشرية المُكلفة في هذه الحرب.
كما تطرق "محمد البخيتي" إلى هذه المسألة، عندما قال "الإمارات كان لديها نية في الانسحاب من تورطها في اليمن، وأتحنا لها الفرصة، وجمّدنا كل خططنا لضرب العمق الإماراتي، لكنها الآن عادت للتصعيد، وننصحها أن لا تستمر فيه لأننا سنضطر عندها إلى ضرب العمق الإماراتي". من الواضح أن الدور الإماراتي السياسي والعسكري كان حاسمًا في ميادين القتال في شبوة والبيضاء ومأرب، وغيّر مُعادلات القوى على الأرض في الأيام الأخيرة، وهو الدور الذي بدأ بالإيعاز للعميد "طارق صالح" قائد قوات العمالقة، وأمين عام حزب المؤتمر الشعبي العام، بسحب قواته من الساحل الغربي جنوب الحديدة، والانتقال إلى جبهة شبوة ومأرب، وهو الانسحاب الذي أثار العديد من علامات الاستفهام في حينها.
على كل حال، قامت الإمارات باستدعاء كل القوات الأساسية التي تعتمد عليها في اليمن إلى شبوة، ما عدا القوات غير المؤثرة في ميدان المعارك، مثل السلفيين الذين يقودهم السلفي "أبو زرعة المحرمي"، وهي أيضاً مجموعة ألوية مشكلة من مقاتلين سلفيين وهابيين من طلاب الشيخ "يحيى الحجوري" في دماج والشيخ "عبد الرحمن العدني" الذي كان يقيم في مركز "الفيوش" في محافظة لحج. وقد شاركت الإمارات ببعض هذه الألوية في معارك ليبيا إلى جانب "خليفة حفتر"، وزجت بها في معارك مستمرة منذ أسبوع في مديريتي عسيلان وبيحان في محافظة شبوة.
ولقد خصصت الإمارات 500 مليون دولار لتمويل عمليات التصعيد في المديريات الثلاث، عسيلان وبيحان وعين، في محافظة شبوة، والتي حررتها القوات المسلحة في وقت سابق من العام الماضي، على هامش عملياتها باتجاه محافظة مأرب. ووفرت الإمارات غطاءً جوياً غير مسبوق للمعارك التي تقودها في شبوة، مستخدمة طائرات هجومية بلا طيار من نوع "أم كيو 9"، وأخرى صينية من نوع "سي إتش فور"، وكذلك أسراب من طائرات "إف-16"، و"ميراج 2000"، و"إف-35".
كان يمكن أن تقضي الإمارات فترة هدوء أطول، لكنها اليوم، وبحسب المعلومات معرضة للضربات الصاروخية والجوية التي ستطوي معها فترة الهدوء وتكسر الجرة، فالجناية التي ارتكبتها بالتصعيد في شبوة كبيرة جداً، وثمنها كبير. ولن تطال الإمارات عنب اليمن جزاء ما تدّعيه من إنجازات حقّقتها في شبوة. ما ستجنيه هو الأشواك في شكل ضربات صاروخية وجوية بالمسيّرات جزاء أفعالها في العدوان على اليمن، بعد أن كانت فرصة نجاتها وفيرة؛ فبعد تصعيدها الأخير على محافظة شبوة باتت مؤشرات ضربها مؤكدة.