الوقت- بعد أن عقدت جمعيّة “الوفاق” البحرينيّة المعارضة التي حُلت من قبل حكومة آل خليفة عام 2016، مؤتمراً صحفياً قبل أيام في العاصمة اللبنانيّة بيروت، عرضت فيه تقريراً حقوقيّاً عن الأوضاع الداخليّة في البحرين، أعربت وزارة الخارجية البحرينيّة، عن بالغ أسفها واستنكارها من استضافة لبنان لذلك المؤتمر، حيث اعتبرت حضور عناصر معادية ومصنفة بدعم ورعاية الإرهاب، لغرض بث وترويج مزاعم وادعاءات مسيئة ضد البحرين، حسب زعمها، ما يفتح الباب أمام أزمة قد تشهدها من جديد العلاقات الخليجيّة مع لبنان، عقب الأسلوب الخليجيّ وبالأخص السعوديّ العدائيّ مع هذا البلد بذريعة تصريحات قديمة لوزير الإعلام اللبنانيّ جورج قرداحي في مقابلة صحفيّة وصف فيها الحرب على اليمن بـ "العبثيّة" ما دفعه للاستقالة فيما بعد لردم الهوة بين بلاده والدول الخليجية دون أدنى تغيير في مواقفه.
غضب عارم أصاب حكومة آل ثاني من استضافة بيروت لمؤتمر بحرينيّ معارض، لأنّها وبكل صراحة تعتبر جمعية الوفاق البحرينيّة عدواً حقيقيّاً وقد أمرت سابقاً بتصفية أموالها لصالح خزينة الدولة، بتهمة عدم احترام القانون وتوفير ما زعمت أنّه “بيئة حاضنة للإرهاب والتطرف والعنف”، وهي نفسها التي تباهت لأشهر طويلة بإدخالها إلى حظيرة التطبيع الأمريكية مع الكيان الصهيونيّ الغاصب، في 15 سبتمبر/ أيلول الماضي، واصطفت بشكل وقح مع قاتل الأبرياء ومشرد ضد فلسطين وشعبها ومقدساتها.
وإنّ الاحتجاج الذي قدّمته الحكومة البحرينيّة إلى الحكومة اللبنانية ووصف بأنّه "شديد اللهجة"، طبيعيّ للغاية وخاصة أنّ الدول الخليجية بشكل عام اعتادت بنفطها وأموالها الطائلة على التدخل السافر والدمويّ في الكثير من الدول لكنها تعتبر ممارسة الحق في التعبير عن أدنى المطالب وبشكل سلميّ "انتهاكا صارخاً لمبادئ احترام سيادة الدول" وبكل براءة تنادي بعدم التدخل في شؤونها الداخلية، بما يخالف المواثيق الدوليّة وميثاق ما يُطلق عليها جامعة الدول العربيّة، والتي لم تمثل في يوم من الأيام أحلام الشعب العربيّ ولا تطلعاته وتنازلت عن أدنى معايير احترام الذات، وتحولت إلى أداة إجراميّة ودمويّة يقودها المال الخليجيّ.
وفي الوقت الذي أرسلت المنامة مذكرة احتجاج رسميّة إلى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بهذا الشأن، تتضمن استنكار مملكة آل خليفة للخطوة "غير الودية" من الجانب اللبنانيّ، تستغل الدول الخليجية منذ اللحظة الأولى لتشكيل الحكومة اللبنانيّة الجديدة قبل أشهر، أبسط المواقف للانتقام من لبنان وشعبه تحت مُسمى "الحفاظ على مصالح الشعب اللبنانيّ"، لعرقلة محاولات حكومة ميقاتي في إيجاد حلول سريعة للخروج من الوضع الحاليّ عبر السعي لمعالجة هموم ومشاكل الشعب لمنع البلاد من الانهيار، فيما تتبع العواصم الخليجيّة وفقاً لمراقبين أسلوب بث النزاعات الداخليّة والضغط الاقتصاديّ لمنع إنقاذ هذا الشعب الغارق بالأزمات.
"يجب منع مثل هذه الممارسات المستهجنة التي تستهدف الإساءة إلى مملكة البحرين، والتي تتنافى مع أبسط الأعراف الدبلوماسيّة، ولا تنسجم مع العلاقات الأخويّة التي تربط بين الشعبين الشقيقين"، هكذا كانت رسالة الخارجيّة البحرينيّة للبنان، لكن المنامة ومن يدور في فلكها أثبتوا وبالدليل القاطع أنّهم لا يريدون الخير لهذا البلد لأنّهم وباعترافهم منزعجون للغاية من الحضور القويّ للمقاومة اللبنانيّة المتمثلة في "حزب الله"، ضمن الهيكل السياسيّ اللبنانيّ، ويرغبون في تكرار سيناريو الأزمة السياسيّة السابقة لتعطيل الانتخابات النيابية القادمة خوفاً من فرص المرشحين المنتمين للمقاومة في الانتخابات، متناسين بشكل كُليّ الأزمات الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة التي يعيشها لبنان وحجم الأعباء الملقاة على عاتق الحكومة الحاليّة.
ولأن لبنان الحلقة الأضعف بالنسبة للخليج، وفي محاولة لمنع حدوث أزمة أُخرى مع ملوك النفط ربما تؤدي لتصعيد وحرب اقتصاديّة جديدة، وجه وزير الداخلية اللبناني، بسام مولوي، بجمع المعلومات حول المشاركين في المؤتمر الذي استنكرته المنامة، "تمهيدا لاتخاذ الإجراءات اللازمة" بحق كل من يظهر تقصده الإساءة من قلب العاصمة بيروت الى أي دولة صديقة وشقيقة، ويبدو أنّ حكومة لبنان قلقة للغاية من غياب الدعم الخليجيّ أو عرقلة مجلس التعاون الخليجيّ خروج لبنان من أزماته المتفاقمة وبالأخص الاقتصاديّة، مع غياب شبه كامل للحلول وفقدان الأمل في الشارع اللبنانيّ نتيجة ارتفاع نسب الفقر والعنف والهجرة.
نتيجة لكل ما ذُكر، إنّ إدانة وزير الداخليّة اللبنانيّ ما أسماه "التطاول على البحرين ودول مجلس التعاون الخليجي"، ينبع من الرغبة اللبنانيّة في علاقات وطيدة مع الدول العربيّة وبالأخص الخليجيّة وهي أولوية قصوى بالنسبة للحكومة اللبنانيّة الراغبة بالانعتاق من أزماتها الكبيرة بالتعويل على وهم الدعم العربيّ، أيّ الصدقات والمساعدات التي تقدمها بعض الدول العربيّة لأغراض محددة ومعروفة، وإنّ المضحك المبكي أن السلطات البحرينية التي تتحدث بالقانون والسيادة، من المفترض أن يكون لديها الحد الأدنى من احترم الذات، وأن تسخر قانونها وإمكانياتها لتعزيز حرية الرأي والتعبير ومناصرة الشعوب المظلومة وفضح المتآمرين الذين يقتاتون على أعتاب الأعداء، أم أصيبت حكومة المنامة بالزهايمر ونسيت أنها بؤرة تطبيعيّة مع الكيان الصهيوني في منطقة الخليج الفارسي؟.