الوقت - أثارت زيارة الشيخ طحنون بن زايد، مستشار الأمن القومي الإماراتي، إلى طهران يوم الاثنين، بعد أسابيع فقط من الزيارة المهمة التي قام بها وزير خارجية أبو ظبي إلى دمشق، بشكل عام إلى احتمال أن يرتقي قادة الإمارات إلى مستوى مناسب من العلاقات مع محور المقاومة في السنوات الأخيرة، إذ يبدو أنهم يفكرون الآن في تخفيف حدة التوتر وتميلوا إلى خلق أجواء جديدة في العلاقات مع إيران.
ما لا شك فيه أن الأسباب الجذرية لدور الإمارات في السياسة الخارجية ترجع إلى عدة أسباب، منها: قبول اهلهزائم في حالات التنافس مع محور المقاومة، خاصة في سوريا، وازدياد انخراط أبو ظبي عسكريًا وماليًا في الصراعات الإقليمية. مستوى قلق وحساسية إيران تجاه حالة تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني ووجود الصهاينة في مياه الخليج الفارسي، والتحضير لفترة ما بعد النظام الأمريكي في المنطقة، وما إلى ذلك، كل بدوره له تأثير وجزء من الواقع يشرح سلوك قادة أبو ظبي. في غضون ذلك، إضافة إلى الأسباب المذكورة أعلاه، فإن أحد الأبعاد الأقل شهرة في سر توجه دولة الإمارات العربية المتحدة إلى خفض التصعيد الأخير في المنطقة مرتبط بالأهداف الاقتصادية والمخاوف الجيوسياسية بشأن التطورات في المنطقة، وهو ما قاد قادة أبو ظبي إلى تهدئة التوترات مع إيران وسوريا، واعتبار تركيا، من ناحية أخرى، طريقًا للفرار. بدأت أسوأ مخاوف الإمارات منذ الاستقلال الاستعماري البريطاني بظهور طموحات سعودية جديدة للتحول الاقتصادي وخطوة لخفض الاعتماد على عائدات النفط، مصحوبة بخطط طموحة لبناء مدن صناعية ومدن تجارة حرة على طول خطوط الشحن. الإمارات العربية المتحدة، التي تبني اقتصادها على أساس مركز مالي دولي ومنطقة صناعية حرة وشبكة شحن عالمية (WORLD DP)، ترى في تصرفات المملكة العربية السعودية تهديدًا وجوديًا لموقعها الاقتصادي والجيوسياسي. في غضون ذلك، فإن قضية اليمن لها أهمية خاصة. لطالما كانت اليمن أهم تهديد محتمل لمدن الموانئ الإماراتية، وخاصة دبي، بسبب موقعها الجغرافي الفريد على ممرات الشحن الدولية، مع مجموعة كبيرة من الموانئ والجزر الإستراتيجية.
اليمن هي البوابة الرئيسية لشبه الجزيرة العربية، لكن مشكلات مثل قيام دول ضعيفة، والصراعات التاريخية بين الشمال والجنوب، وعدم قدرة البحرية اليمنية الضعيفة على تأمين ممرات ملاحية في مياهها تجعل استغلال جغرافايتها الاقتصادية صعباً للغاية. في ظل هذه الظروف، أخذت الإمارات العربية المتحدة دور البوابة التجارية لشبه الجزيرة العربية، وبسبب تجارة النفط الضخمة في الخليج الفارسي كان دخل المشيخة ضخمًا. في الواقع، لطالما رأت أبو ظبي أن الاستيلاء على الموانئ والجزر اليمنية ضرورة أساسية للحفاظ على هذا الموقف المربح. كان الهدف الرئيسي لدولة الإمارات العربية المتحدة هو الدخول في تعاون مع المملكة العربية السعودية لغزو اليمن. لكن الآن تضاءل التعاون بين السعودية والإمارات في الحرب على اليمن، وتقريباً كل شيء يقترب من مرحلة المواجهة. نظرًا لخطها الساحلي الطويل على البحر الأحمر وقربها من مضيق باب المندب والسويس (تحالف وثيق مع مصر)، تتوق المملكة العربية السعودية إلى احتواء الموانئ التجارية لدولة الإمارات العربية المتحدة لتصبح أكبر مركز تجاري إقليمي من خلال توسيع موانئها على طول الساحل. خلال الحرب اليمنية، بدأت المملكة العربية السعودية بإبلاغ الشركات والبنوك العالمية بنقل مراكزها الإقليمية إلى السعودية بدلاً من الإمارات. تعرف الإمارات أن جزءًا كبيرًا من اقتصادها يتحقق من خلال دورها كوسيط تجاري بين العالم ودول الخليج، وأن أي قرار بنقل مركزها المالي والتجاري الرئيسي إلى السعودية سيكون بمثابة ضربة قاتلة، على الأقل على المدى الطويل.
ولتعزيز خططه، اقترب محمد بن سلمان من سلطنة عمان وعرض على مسقط مرور خطوط أنابيب النفط من أراضيها إلى بحر العرب، لكي تحقق الرياض رغبتها الطويلة في تقليص اعتمادها على مضيق هرمز. إذا تحقق ذلك، فسيقلل من أهمية الموانئ الإماراتية في تجارة النفط الخليجية، إلى جانب محاولة السعودية ضرب الممرات الملاحية الدولية لدولة الإمارات العربية المتحدة باستخدام فرصة الحرب اليمنية.
وعليه، ومن أجل القضاء على التهديد الذي تتعرض له التجارة البحرية، تتجه الإمارات فجأة إلى خفض سريع للتصعيد مع تركيا وسوريا وإيران على وجه الخصوص، وتعرض عشرات المليارات من الدولارات على استثمارات في هذه الدول لتمويل طريق التجارة الجديد. يستند الاقتراح إلى إنشاء ممر بحري يبدأ من دبي ويعبر الخليج الفارسي عبر البر عبر إيران وتركيا، وينتهي في النهاية في الموانئ السورية في البحر الأبيض المتوسط. طريق جديد "آمن" وسريع ومنخفض التكلفة يوفر لدولة الإمارات العربية المتحدة بديلاً عن التجارة البحرية التاريخية عبر خليج عدن والبحر الأحمر وقناة السويس، وبذلك تحمي التجارة البحرية الإماراتية من الفوضى العارمة التي خلفتها السعودية في اليمن، ومن أحداث مثل الحصار الأخير لقناة السويس.