الوقت- طالب رئيس مجلس الشورى في الحكومة اليمنية المستقيلة "أحمد عبيد بن دغر"، ونائب رئيس البرلمان في الحكومة اليمنية المستقيلة "عبد العزيز جباري" بإنهاء الحرب فورا، ودعيا إلى تحالف وطني جديد يعمل على ذلك ووصفا وضع البلاد بالكارثي. ورسم السياسيان اليمنيان صورة قالا، إن "الإعلام لا ينقلها بدقة عن الوضع في اليمن، وإن البلاد في وضع كارثي .. ليس كله من صنع اليمنيين، لكن علاجه يتوقف على اليمنيين، يعاني منه شعبنا الفقر والجوع والمرض، ويشرف على مجاعة حقيقية". وقال البيان إن الخيار العسكري انتهى "إلى طريق مسدود، يكاد يعلن عن نفسه بالفشل". ووصف البيان حال البلاد بـ "جيش يقاتل بالحد الأدنى من الإمكانيات، وموارد مصادرة أو مجمدة. وانهيار للعملة، وفوضى أمنية عارمة، وفساد مستشر، ومرتبات متوقفة في مخالفة دستورية وقانونية". وتحدث البيان عن الأطراف المشاركة في الحرب واتهمها بالتدمير الممنهج لليمن، قائلا إن البلاد تتعرض اليوم "لتدمير ممنهج، تدمير مقصود وممول. وسياسات تفكيكية تعمل على تقسيم وتمزيق الوطن والمجتمع". ودعا السياسيان اليمنيان "كل أبناء الوطن إلى تحالف منقذ، يستمد أهدافه ومبادئه من مبادئ وقيم الثورة اليمنية".
وحول هذا السياق، كشفت حكومة صنعاء، يوم الأربعاء الماضي، رسميا موقفها من الدعوة التي أطلقها وزير الداخلية في حكومة "هادي" المستقيلة ورئيس مجلس شوراه، وأكدت أن الجميع كان على يقين بفشل التحالف والحرب على اليمن. ووصف "محمد علي الحوثي"، عضو المجلس السياسي الأعلى في صنعاء، البيان بمحاولة الظهور الفاشلة، مشيراً إلى أنه لم يحمل جديداً؛ كون أهداف التحالف لم تكن مشروعة منذ البداية وأنها لم تحمل غير مشروع القتل والجرائم في العدوان والحصار على مدى سبع سنوات. ومن جهته وفي رد ضمني، قال رئيس وفد صنعاء المفاوض، "محمد عبدالسلام": "كنا والحمد لله على يقين من أول يوم أن العدوان مآله الفشل، وصارحنا شعبنا اليمني بالحقيقة وقلنا بأن العدوان كله شر وأنه يستخدم أدواته لتحقيق مآربه". وأضاف في تغريدات عبر منصة تويتر: إن "مصلحة اليمن ليست في التصفيق للتدخل الخارجي بل في مواجهته، وأثبتت سنوات الصراع صوابية ما ذهب إليه شعبنا اليمني وهو مستمر في هذا الطريق". وتابع: "عطفاً على ما سبق ومع يقيننا أن مواجهة العدوان والحصار كانت ضرورة لمنع سقوط اليمن تحت الوصاية الأجنبية الأبدية، بسطنا يد الحوار لفرقاء الداخل ودعوناهم سرا وإعلانا أن تعالوا لكلمة سواء (يمن للجميع)". مؤكداً أنهم أصموا آذانهم ووجهوا إلى الشعب خناجر الغدر وأصروا إلا على أن يكونوا أمراء حرب.
ومن جانبه، رحب عضو المكتب السياسي لجماعة الحوثي، القيادي البارز "محمد البخيتي" بدعوة وقف الحرب التي أطلقها يوم الثلاثاء الماضي السياسيان اليمنيان "جباري" و"بن دغر". وأعلن القيادي "البخيتي"، في تغريدة له على موقع التدوين المصغر "تويتر" بأن حكومة صنعاء ترحب بكل صوت حر يدعو لإنهاء الحرب على اليمن بعد ان تأكد لهم عبثيتها. القيادي، "محمد ناصر البخيتي"، قال متحدثاً: "يدنا لازالت ممدودة للسلام المشرف الذي يضمن سيادة وإستقلال اليمن ومشاركة الجميع في القرار السياسي". مضيفاً في تغريدته التي نشرها على حسابه في "تويتر" الاربعاء الماضي: "وهذا لن يتحقق إلا بحوار يمني يمني بعيدا عن أي تأثيرات خارجية، والكرة في ملعب المكونات التي استدعت العدوان".
وعلى صعيد متصل، محللون سياسيون رأوا أن جانباً من بيان "بن دغر" و"جباري" تضمن مسعى للسلام، وقد أبدت السعودية وسلطات "هادي" رفضها ذلك، فيما تضمن جانب من البيان مسعى لفرض صوت إقليمي جديد بدلاً عن التحالف يتوافق مع مصلحة كل من "جباري" و"بن دغر"، بالإضافة إلى جوانب متعددة من بينها استمرار تجاهل الأطراف الفاعلة على الأرض ومهاجمة المكونات الجنوبية. تجدر الإشارة إلى أن ناشطين سياسيين وصحفيين رأوا في ما أورده "جباري" و"بن دغر" تكراراً لطروح سابقة، وقالوا إن الجميع يدرك وقوف التحالف والشرعية وراء تدمير البلاد ونهب ثرواتها شمالاً وجنوباً، غير أنه لا يرتقي إلى مستوى تقديمه كرؤية لحل ناجع؛ نظراً لتضمنه جوانب شخصية وصدوره عن شخصيات سبق لها وأن عملت لصالح التحالف رغم إدراكها حقيقة المؤامرة على مدى سبع سنوات.
ولقد لاقت دعوات وقف الحرب، وإعلان فشل الخيار العسكري التي أطلقها "بن دغر"، و"جباري"، في بيان مشترك، ردود أفعال واسعة في الأوساط اليمنية. وانقسم المحللون للبيان ما بين مؤيد يعتبره تحريكًا لمياه حكومة الفنادق الراكدة وإحراجًا لتحالف العدوان السعودي الإماراتي الذي نفذ دورا سلبيا في اليمن، ومحاولة لسحب بساط القضية اليمنية من بين يديه، وما بين معارض للبيان بسبب دعواته للسلام مع حكومة صنعاء الذين لا يعرفون إلا لغة البندقية. كما علق الكاتب الصحفي "فهد سلطان"، قائلا: "الحقائق التي تؤكدها رسالة جباري وبن دغر، أن تحالف العدوان لا يريد الحسم ويريد استنزاف الجميع في محارق الموت والسير نحو تقسيم البلاد في نهاية المطاف". وأضاف "تحالف العدوان لا يريد دولة، ولا بلد مستقر، ولا أحزاب سياسية، ولا تعددية حزبية، ولا ديمقراطية تتباهى بأنها الوحيدة في صحراء الجزيرة". وأشار إلى أن البيان أراد القول بأن "تحالف العدوان يسعى لخلق بلد مدمر لا تقوم له قائمة ولو بعد خمسين سنة، بلد يحرص على تمزيقه وتقسيمه أشلاء بين متصارعين ومتخاصمين لا يمكن أن يتفقوا على شيء".
الناشط السياسي "معاذ الشرجبي"، قال في تغريدة "بيان بن دغر وجباري فيه توصيف حقيقي للمعركة وعن انحراف توجه التحالف فيها ، وايضا طالب البيان بوقف فوري لإطلاق النار والدخول في عملية حوار سياسي". وأضاف "وهنا نقول لابن دغر وجباري إن استطعتم أولا إقناع قوات صنعاء بإيقاف عملياته العسكرية وخصوصا في مأرب كبادرة حسن نيه فلكل حادث حديث !!". . ومن جانبه فسر الصحفي المؤتمري "كامل الخوداني"، البيان المشترك الصادر عن "بن دغر وجباري" بأنها "دعوة للانقلاب على حكومة منصور هادي المستقيلة وتشكيل تحالف انقاذ وطني بديل" وأيضا أنها "دعوة لطرد تحالف العدوان والاعلان ان حربه عبثية بمسمى انحرفت بوصلته والحسم العسكري فشل".
إن قوى العدوان بدءاً من السعودية وصولاً إلى أمريكا، يتحاشون التعامل بموضوعية مع الواقع الميداني والسياسي والعسكري ويستمرون في قراءة المشهد بعين مغلقة، ويريدون وقف الحرب بشروطهم وكأنهم هم المنتصرون، سلوك اعتادته أمريكا والغرب دائماً ويتمثل بالقول "السياسة تعوّض خسارة الميدان" بالضغط المتعدد الأشكال بخاصة الاقتصادي، لكن هذا السلوك لن يحقق أهدافه كما يبدو في اليمن. ونعتقد أن العدوان على اليمن دخلت أسابيعها الحاسمة الآن مع اقتراب أبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية من مركز مدينة مأرب لتحريرها وفرض واقع ميداني جديد عبرها مختلف عن كل ما سبقه، وأن السعودية ترتجف من هذا المشهد الذي يقترب بسرعة ولهذا تستجدي وقف العمليات حول مأرب ومنع تحريرها حتى لا تخسر الورقة المؤثرة الأخيرة في اليمن وهي بسبب ذلك تتصرف بشكل هيستيري. لقد هُزمت السعودية وكل شركائها في اليمن وعليها أن تعترف بهذه الهزيمة وتخرج من ميدانيه معتمدة استراتيجية تحديد الخسائر، أما المكابرة والانفعال والهستيريا، فكلها سلوكيات تعمّق المأزق وتضخم الخسارة وتطيل المعاناة، فهل تعي السعودية بشكل خاص هذه الحقيقة وتتخذ القرار الاستراتيجي الذي ينقذها ويخفف من المزيد من آثار الجرائم التي ترتكب بحق اليمن وتتوقف الحرب ليعود اليمن سعيداً بانتصاره؟