الوقت_ في الوقت الذي يتم فيه التعامل مع السلطة الفلسطينيّة برئاسة محمود عباس بإذلال من قبل الكيان الصهيونيّ الغاصب، رغم أنّ حكومة رام الله فتحت كل أبواب التعاون مع تل أبيب واستخدمت جميع الأساليب الإجراميّة ضد شعبها، استعرض المحلل في الشؤون الأمنيّة والعسكريّة، الصهيونيّ أمير بار شالوم، تاريخ العلاقات بين الكيان الغاصب والسلطة، معتبراً أنّ رؤساء جهاز الأمن العام التابع للعدو "الموساد والشاباك" عمِلوا دائماً كقناة اتصال بينهما، وفي ظلّ غياب الحوار السياسيّ، كان "الشاباك" وسيظل قناة الاتصال الرئيسيّة بين تل أبيب ورام الله، حيث تستجدي السلطة العدو الباغي لأنّها تعتبر مقاومته أمراً خاطئاً، وتعلن دوماً استمرارها في استخدام منهج الخنوع الذي لم يجلب لها سوى الخيبة والهزيمة والاستحقار أمام العدو.
يعلم الجميع أنّ السلطة الفلسطينيّة سقطت سقوطاً مدويّاً من قلوب الفلسطينيين وباتت أداة رخيصة تستعمل ضد إرادة الشعب وتطلعاته، وإنّ الاجتماع الأخير (بحسب الإسرائيليين) الذي جمع بين رئيس الشاباك الجديد، رونين بار، ومحمود عبّاس رئيس السلطة في رام الله، حظي بتغطيةٍ واسعة النطاق هذا الأسبوع، وأهمها التوتر السياسيّ والحساسيّة داخل التحالف والمعارضة لأيّ عمل يمكن تفسيره على أنه عملية سياسيّة.
ورغم أنّ السلطة لم تجنِ من الشوك العنب، أي لم تحصل على أيّ فائدة من العلاقات مع العدو واستمرارها بالتنسيق الأمنيّ معه، مقابل وقوفها في وجه توحيد الصف الفلسطينيّ لمنع تحدي الاحتلال الغاصب وعرقلة مقاومة التطبيع والتهويد والضم والاستيطان المتصاعد، يعتقد الإسرائيليون أنّ هذا الاجتماع الأول مع عبّاس لن يكون الأخير، ويضيف محللوهم أنّه منذ توقيع اتفاقيات أوسلو، لعب جهاز الأمن العام دورًا مهمًا في العلاقات مع السلطة الفلسطينية، كما أنّه أحد الأسباب الرئيسية الذي يحدد التنسيق الأمنيّ بين السلطة الفلسطينية العدو.
وفي ظل تزايد احتمالات وقوع "ثورة غضب" عارمة في الضفة الغربيّة بوجه الاحتلال الصهيوني، بالتزامن مع تبجح المؤسسة الأمنيّة والعسكرية الصهيونيّة في تمجيد دور التنسيق الأمنيّ في الحد من الأعمال الفدائيّة ضد قوات الكيان الإرهابيّ ومستوطنيه، بيّن الخبير الأمنيّ الصهيونيّ، نقلاً عن مصادر إسرائيليّة رفيعة المستوى، أنّ "التنسيق الأمنيّ في عهد عبّاس بالتحديد، كان مع عدد غير قليل من التخبطات، ولم يتم إلغاؤه أبداً"، وهو الشيء الذي شجع جنود الاحتلال والمستوطنين على العربدة والتغول في أراضي الفلسطينيين من خلال مخطّطات العدو الاستيطانيّة الرامية لإنهاء الوجود الفلسطينيّ السياسيّ والسكانيّ في الضفة الغربيّة ومدينة القدس.
"منذ أن خسرت فتح قطاع غزة لصالح حركة حماس، مَنع التواصل الأمنيّ مع الكيان وقوع انقلاب في الضفة الغربيّة"، هكذا يتحدث الإسرائيليون عن ثمار الشراكة بين السلطة الفلسطينيّة وقياداتهم الأمنيّة، رغم أن الضفة الغربيّة لو لم تكن مرهونة بقرارات السلطة الفلسطينيّة المتعاونة مع العدو الغاصب، لما وصل الإجرام والاستخفاف الصهيونيّ بأرواح الفلسطينيين لهذا الحد، وإنّ حركة "فتح" ارتكبت وفقاً لغالبية الفلسطينيين "خطيئة تاريخيّة" لا تغتفر من خلال اعتقادها بأنّ وجود علاقة مع الكيان الغاصب ربما تصب في مصلحتهم، في الوقت الذي يثبت فيه التاريخ والواقع أنّ الصهاينة يتمادون أكثر فأكثر في عدوانهم الذي لا يمكن أن يوقفه إلا القوة والوحدة والمقاومة.
وإنّ الخوف من تحول الضفة الغربيّة المحتلة إلى "غزة" ثانيّة تردع الكيان وتوقفه عند حده، يجب أن يكون هدفاً لفتح وليس سبباً للتعامل مع العدو الصهيونيّ الذي لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن يتوقف عن إجرامه وقضمه لأراضي الفلسطينيين وتهجيرهم، وأكبر دليل على ذلك نص إعلان الدولة المزعومة، والذي يدعي أنّ أرض فلسطين هي مهد الشعب اليهوديّ، وفيها تكونت شخصيته الروحيّة والدينيّة والسياسيّة، وهناك أقام دولة للمرة الأولى، وخلق قيماً حضاريّة ذات مغزى قوميّ وإنسانيّ جامع، وأعطى للعالم كتاب الكتب الخالد، ويزعم الإعلان أنّ اليهود نُفيوا عنوة من بلادهم، ويعتبرون أنّ الفلسطينيين هم ضيوف في "إسرائيل" وأنّ الجرائم التي يرتكبونها بحقهم بمثابة استعادة لحرياتهم السياسية في فلسطين.
خلاصة القول، خذلت السلطة الفلسطينيّة الشعب الفلسطينيّ وأعادت غرز خنجر الحقد الصهيونيّ والخيانة العربيّة في ظهر قضيّتهم من خلال تنسيقها الكبير مع الأجهزة الأمنيّة التابعة للعدو لمنع إطلاق يد المقاومة وعرقلتها في لجم العدوان الصهيونيّ على الشعب الفلسطينيّ، ومنع توجيه البنادق باتجاه العصابات الصهيونيّة المعتدية، ثأراً لدماء شهداء فلسطين وحماية لأبناء الضفة الغربيّة المحتلة والمستهدفة، في الوقت الذي لا يكف فيه جنود الاحتلال المجرم عن استهداف وقتل وتهجير الفلسطينيين ونهب أراضيهم، وبما أنَّ التحرر من استعباد المحتل لا يكون إلا بالمقاومة، "ما أخذ بالقوة لا يسترد بغيرها" ، وهل سمعتم عن محتل اندحر عن أرض اغتصبها بالتنديد والتنسيق والسلام؟