الوقت - مع قدرة الحكومة السورية على تجاوز الكساد الكبير، تتسارع التطورات في دمشق على الساحة الدولية وتتزايد استعدادات الحكومات لإعادة العلاقات مع الحكومة الشرعية للبلاد، وصلت التكهنات بشأن أي زعيم سياسي في العالم العربي سيتخذ خطوات جديدة لإزالة حجاب الرغبة في لقاء بشار الأسد إلى الرئيس المصري اللواء السيسي.
أفادت صحيفة رأي اليوم اللندنية أنه بعد محادثة هاتفية بين ملك الأردن وولي عهد أبو ظبي مع الرئيس السوري، كانت دمشق والقاهرة تمهدان الأرضية لأول محادثة مباشرة للرئيس المصري مع نظيره السوري. يأتي ذلك في سياق حقيقة أنه خلال العام الماضي، بالإضافة إلى العديد من الزيارات المفتوحة والسرية لوفود سياسية وعسكرية ثنائية، دعا البرلمان المصري الحكومة المصرية إلى إعادة بناء العلاقات مع دمشق، وفي أيلول / سبتمبر من هذا العام أيضًا، ولأول مرة منذ اندلاع الأزمة السورية، التقى وزيرا خارجية البلدين على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك؛ اجتماع كان مهمًا من الناحية الرمزية ليعلن بداية فصل جديد في العلاقات بين الحليفين القدامى في العالم العربي.
لماذا سوريا مهمة لمصر؟
للعلاقات بين مصر وسوريا تاريخ طويل، ولطالما كانت سوريا تعتبر من أهم الجبهات في الحفاظ على الأمن القومي لمصر، لأن سوريا كجبهة شرقية لمصر كانت ممرا عبور الغزاة إلى مصر. المغول والحملات الصليبية في الماضي، ثم فرنسا وبريطانيا والاحتلال الصهيوني لصحراء سيناء، جاءوا جميعًا إلى مصر عبر البوابة الشرقية. أدى تشكيل تحالف تمحور حول القومية العربية ضد الكيان الصهيوني في النصف الثاني من القرن العشرين، تمثل بسوريا ومصر، إلى سعي الولايات المتحدة وحليفتها الصهيونية للتأثير على العلاقات بين البلدين. السلام المزعوم مع العدو الصهيوني كان عملاً انقطعت بسببه العلاقات بين مصر وسوريا لسنوات. ولم ترجع العلاقات بينهما إلا مع غزو العراق للكويت، واستمرت العلاقات المصرية السورية منذ ذلك الحين على الرغم من التقلبات التي أعقبت الأزمة السورية، مما قلص العلاقات بين البلدين، خاصة خلال فترة حكم الإخوان في القاهرة. وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، تؤكد تصريحات القادة السياسيين في كلا البلدين أنه كانت هناك علاقة غير معلنة بينهما.
جاءت المفاجأة عندما استقبل البرلمان المصري وفداً دبلوماسياً سورياً برئاسة سبام درويش في القاهرة لبحث الغزو التركي لسوريا. ثم في كانون الثاني (يناير) 2021، أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري في بيان سياسي "نتطلع إلى عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وستعود البلاد إلى وضعها الذي نفتخر به جميعًا". كانت المكالمة هي الأولى من نوعها وعلامة إيجابية على العودة الكاملة والعلنية للعلاقات. وتعتبر مصر الانتشار الواسع للإرهابيين الدوليين على الأراضي السورية، وخاصة طموحات أردوغان بالانفصال عن الأراضي السورية، تهديدًا واضحًا لأمنها القومي.
أوضح الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة أن سوريا تمثل العمق الاستراتيجي لمصر ودعا إلى احترام وحدة أراضيها. وتجدر الإشارة بالتالي إلى أنه بغض النظر عن الكيان القائم في دمشق، فإن الحفاظ على وحدة أراضي سوريا له أهمية قصوى بالنسبة لمصر، خاصة وأن الاضطرابات التي حدثت في السنوات الأخيرة حولت سوريا وليبيا إلى ملاذ آمن للجماعات الإرهابية التي توجه تهديداً مباشراً لأمن مصر القومي قد تمركزوا في سيناء.
كما تشكل سوريا تهديدًا مباشرًا لأعماق إسرائيل، ووجود تحالف بين مصر وسوريا يعني أنه من الممكن الوصول إلى أعماق إسرائيل في أي لحظة إذا هددت تل أبيب القاهرة بانتهاك اتفاقيات السلام. وفي هذا الصدد، أكد اللواء محمد الغباري، المدير السابق لكلية الدفاع الوطني بكلية ناصر العسكرية، أن "إن موضوع العلاقات بين البلدين، باعتبار أن سوريا عمقًا استراتيجيًا لمصر، ينبع أولاً من وجود حاجة الدفاع المشترك، "الاتفاق بين البلدين له الأسبقية على اتفاقية كامب ديفيد من حيث الأهمية". وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن الملف السوري يمثل أولوية في المحادثات المصرية التركية لإحياء العلاقات بين البلدين، حيث سبق أن وضعت القاهرة الشرط المسبق لتطبيع العلاقات مع أنقرة بانسحاب القوات التركية من سوريا وليبيا.
في السنوات التي أعقبت الانقلاب العسكري في مصر، قطعت أنقرة، بصفتها داعمة للإخوان المسلمين في المنطقة، العلاقات مع القاهرة، وتنافسا في مختلف المجالات الجيوسياسية. كانت مصر قد حاولت سابقًا التواصل مع الأكراد السوريين للضغط على تركيا، بل وقبلت ممثليهم في القاهرة، لكن هذا النهج رُفض بسبب عدم الاستعداد لخوض حرب بالوكالة مع تركيا، نظرًا لثقل كلا البلدين على الصعيد الإقليمي.
من جهة أخرى، اتخذت مصر خطوات لنقل غازها إلى لبنان عبر الأراضي السورية. في حين تشير التقديرات إلى أن واشنطن لا تعارضها عبر قانون قيصر، تتطلع مصر إلى كسب أسواق الطاقة في المنطقة لوجود حقول الغاز المكتشفة في البحر المتوسط.
وفي سياق التطورات الإقليمية أيضًا، ونظراً لطبيعة قرب مصر من سوريا وأهميتها في انتقال القاهرة إلى الأردن والعراق، يحاول السيسي خلق كتلة ومحور عربي جديد في المنطقة. القرب من العراق والأردن وسوريا يعزز مكانة القاهرة الاقتصادية ويرفع مستوى التعاون من اقتصادي إلى سياسي واستراتيجي في المستقبل.