الوقت- في ظل الهجمات الصهيونيّة المستمرة ضد الفلسطينيين ومنازلهم ومقدساتهم، وانتقال المعركة مع العدو أيضاً إلى "الحرب الالكترونيّة" التي أصبحت لا تقل أهميّة عن مقاومتهم وسعيهم لتحرير بلادهم من الجناة المحتلين، كشف بحثٌ علميّ صادر عن جامعة نيويورك، بعنوان: "تأجيج النار: كيف تكثف وسائل التواصل الاجتماعيّ الاستقطاب السياسيّ في الولايات المتحدة"، من إعداد الباحثين بول باريت وجوستين هندريكس، أنّ مواقع التواصل الاجتماعيّ تمارس رقابة مشدّدة على المحتوى الفلسطينيّ، إضافة إلى تضييق كبير على وصوله إلى العالم.
وتحاول تل أبيب بالتعاون مع بعض وسائل التواصل الاجتماعيّ كفيسبوك وانستغرام منع أصحاب الأرض من فضح ممارسات العدو العنصريّ وخاصة مع وجود رصيد كبير من مقاطع الفيديو والصور الجديدة التي توثّق حجم دمويّة وإرهاب هذا الكيان على جميع المنصات الإلكترونيّة، وكان موقع "فيسبوك" ضمن الساحات الالكترونيّة التي عجّت بالمنشورات والتعليقات والهاشتاغات المناصرة لفلسطين وشعبها المظلوم، قبل أن تقوم الشركة في التعامل مع مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي من الفلسطينيين، وحذف منشورات وإغلاق حسابات، بسبب استخدام كلمات مثل الأقصى المبارك أو المقاومة أو شهيد، وعقب معركة "سيف القدس" قبل أشهر أطلق نشطاء على مواقع التواصل حملة ضد شركة "فيسبوك" رداً على سياساتها الأخيرة بحذف المنشورات التي تفضح العدو الغاصب، وإغلاق عدد كبير من الحسابات بدعوى "مخالفة معايير النشر".
ويثبت البحث الأمريكيّ أنّ "شركتي فيسبوك وتويتر أقدمتا بشكل وصفه بالخاطئ، بتقييد وحذف ملايين المنشورات المؤيدة للفلسطينيين، عن طريق خوارزميات (مجموعة تعليمات) خاصة"، الشيء الذي أدى إلى تراجع تقييم الموقع بشكل كبير أثناء وعقب انتهاء معركة سيف القدس، بسبب قيام عدد كبير من المستخدمين بإعطاء تقييم متدنٍ للموقع على المتاجر الإلكترونيّة، تعبيراً عن غضبهم من إغلاق حساباتهم، بسبب منشورات بعضها يعود لأعوام سابقة، وتتحدث عن القضية الفلسطينيّة، وجرائم الكيان القاتل، وقد اعترف "فيسبوك" و"واتساب" و"انستغرام" بصراحة بتقاعسهم عن مسؤولياتهم القانونيّة والأخلاقيّة في احترام القانون الإنسانيّ الدوليّ، وحق الشعب الفلسطينيّ في التعبير عن الاضطهاد الكبير الذي يتعرض له.
ويسعى العدو القاتل وتلك الشركات إلى إسكات أصوات الفلسطينيين وداعمي قضية فلسطين على منصات التواصل الاجتماعيّ، والبدء بتفعيل نظام رقابة، وحظر الحملات الرسميّة والشعبيّة الصهيونيّة للتحريض على القتل في الأراضي الفلسطينيّة التي يحتلها العدو ومستوطنوه، وحذف منشورات وإغلاق حسابات لساسة كيان الاحتلال، والدليل على ما ذُكر أنّ بحث جامعة نيويورك أكّد أن شركة "فيسبوك" أقامت مركز عمليات خاص في الأراضي الفلسطينيّة التي يحتلها العدو، يعمل فيه موظفون يجيدون اللغة العربيّة لرصد المحتوى الفلسطينيّ، موضحاً أنّ معظم المنشورات المؤيدة للفلسطينيين تمت إزالتها لأنها تضمنت كلمات مثل "شهيد" و "مقاومة".
وبعد أن فضح المناصرون لفلسطين الجرائم الإسرائيليّة وأمثلة التحريض على القتل والكراهية والعنصريّة والعنف من المستويين الرسميّ والإعلاميّ في حكومة العدو، شدد البحث الأمريكيّ على أنّ "هذه الخوارزميات تسببت في تعرض الفلسطينيين لدرجة غير مبررة من الرقابة" على منصات وسائل التواصل الاجتماعيّ، في ظل امتلاك تل أبيب وحدات إلكترونيّة محترفة ترصد كميات كبيرة من المحتوى الفلسطينيّ، والتبليغ عنه، ما يتسبب في اختلال في التوازن لعدم امتلاك الفلسطينيين لهذه الأساليب على وسائل التواصل الاجتماعيّ.
وإنّ الهدف الأساس من هذا التعاون بين الصهاينة وشركات التواصل الاجتماعيّ هو ممارسة التعتيم وتكميم الأفواه وتشويه النضال الفلسطينيّ من جهة، ودعم حملات التحريض الصهيونيّة الممنهجة من جهة أخرى، بالتزامن مع خطأ جسيم تمارسه منصات التواصل الاجتماعي لتغيير جملة إطار التعامل مع قضية فلسطين كقضية تحرر ونضال ضد الاحتلال والاستعمار والاضطهاد والفصل العنصريّ، مقابل تبني الرواية الأمنية المخادعة للعدو، والتي تعتبر نضال ومقاومة الشعب الفلسطينيّ المشروع "أعمال شغب وعنف وإرهاب"، فيما تعتبر حملات العصابات الصهيونيّة العسكريّة بشتى الأسلحة الثقيلة حقاً للكيان ومؤسساته الدمويّة.
ومن الجدير بالذكر أنّ الكيان الصهيونيّ القاتل يلجأ إلى تلك الممارسات المعادية لأبسط حقوق الإنسان، بعد الصدمة الكبيرة من التضامن الفريد الذي شهدته مواقع التواصل الاجتماعيّ تعاطفاً مع الفلسطينيين ضد عدو العرب والمسلمين الأول، والذي أفشل محاولات تلك الشركات المتحيزة والمخادعة في كبح جماح الغضب العارم من إجرام وعنصريّة وجبروت الكيان وفضحها أمام الرأي العام العالميّ بعد أن فشلت بشكل لا يوصف في التستر والتغطية على قتلة الأطفال والنساء، لتبقى الصورة الوحيدة المرسومة في أذهان الجميع عند ذكر "إسرائيل"، هي الموت والدمار، في ظل الاتهامات الدولية للعدو بأنّه يوظّف علاقاته مع شركة فيسبوك في محاربة المحتوى الفلسطينيّ في الفضاء الإلكتروني الأزرق.
ومن المعروف أنّ لموقع فيسبوك تاريخ سيء للغاية في قمع النشطاء الفلسطينيين وداعمي فلسطين، وقد عمل مع حكومة العدو الصهيونيّ على إلغاء حسابات الكثير من الفلسطينيين بحجة منع التحريض، رغم أنّ الكيان الصهيونيّ الإرهابي، منذ مطلع القرن المنصرم حتى اليوم، يستمر بقمع الشعب الفلسطينيّ واستعمار أرضه دون رقيب أو عتيد بسبب فشل الحكومات العربيّة والدوليّة في محاسبته على جرائمه المتزايدة، بالتزامن مع استمرار بعض الشركات والمؤسسات العالميّة بمساعدته في انتهاكاته للقانون الدوليّ.
لذلك، لا يوجد دليل قاطع أكثر مما ذُكر، للتأكيد على التبعيّة الحقيقيّة لتلك البرامج التي تدعي أنّها تُعطي الأفراد حريّة لا يتمتعون بها في واقعهم، لكن وعلى ما يبدو فإن الخطوط الحمراء للشركات العملاقة أصبحت مكشوفة لأبعد حد، الشيء الذي يجب أن يُفرز برامج تواصل اجتماعيّ ذات تبعية عربيّة أو إسلاميّة لمنافسة مثيلتها المعاديّة، وكبح جماح الحرب الإلكترونيّة الشعواء التي لا تقل ضراوة وتأثيراً عن الحروب العسكريّة.