الوقت - دخلت قوات الجيش السوري، في 13 سبتمبر 2021، برفقة قوات الشرطة العسكرية الروسية، بلدة اليادودة في محافظة درعا جنوب سوريا. حيث تمكنت دمشق، بوساطة روسية، من الاتفاق مع وجهاء العشائر داخل هذه البلدة على أن تسلم المجموعات المسلحة أسلحتها للجيش السوري وتسليم السيطرة على البلدة إلى القوات الحكومية. وحسب تقارير إعلامية، أقام الجيش السوري فور دخوله إلى البلدة مركزا لتسوية أوضاع العناصر المسلحة، وتسليم أسلحتهم بإشراف الروس ووجهاء العشائر. وقيام الجيش السوري بتمشيط البلدة وتفتيش جميع المنازل.
يأتي هذا الحدث في الوقت الذي أصبح فيه حي درعا البلد في مدينة درعا تحت السيطرة الكاملة للجيش السوري الأسبوع الماضي. اذ يمكن اعتبار الوتيرة الجديدة لسيطرة الحكومة المركزية على المناطق الجنوبية من سوريا دون أي اشتباكات بداية حقبة جديدة في الأزمة السورية ويمكن وصفها بأنها "فترة التقدم السلمي لتخطي مرحلة الأزمة. ففي المرحلة الجديدة، ونتيجة للتطورات في سوريا على مدى السنوات الماضية، مضى السوريون على طريق السلام مع الحكومة الشرعية في البلاد بعد معرفتهم حقيقية الجماعات الإرهابية.
تحقيق السلام والاستقرار عبر بوابة الحكومة المركزية
بعد أكثر من 10 سنوات على بداية الأزمة في سوريا، يبدو أن المواطنين، الذين سئموا من انعدام الأمن والأعمال الإرهابية، فتحوا أذرعهم أمام قوات الحكومة كمنقذ للسلام. ويمكن رؤية ذلك بوضوح في وضع مدينة درعا، فمن جهة استسلمت الجماعات الإرهابية المتواجدة في المدينة مع استكمال المرحلة الثانية من الاتفاق مع الحكومة المركزية ، ومن جهة أخرى عاد المواطنون إلى منازلهم بعد سيطرة الجيش على مركز المدينة.
وفي 6 أيلول سبتمبر 2021 دخلت قوات الجيش السوري إلى مركز حي درعا البلد في مدينة درعا جنوبي سوريا ورفعت العلم السوري في ساحة المدينة معلنة النصر على الجماعات الإرهابية. وجاء دخول الجيش السوري وسط مدينة درعا المعروف باسم درعا البلد، بعد أن سلم نحو 850 مسلحاً أسلحتهم كي لا يخضعوا للملاحقة القانونية بموجب اتفاق وقف إطلاق النار. وهذا يعني أنه لم يبق مكان للإرهابيين إلا في منطقة طفس بالأطراف الغربية لدرعا ومدينة بصرى الشام ومحيطها، حيث يوجد الإرهابيون بمن فيهم القوات التابعة لأحمد العودة.
وعقب انتشار الجيش في حي درعا البلد، أعرب العديد من الأهالي الذين عادوا إلى منازلهم عن شكرهم للجيش السوري على اخراج الإرهابيين. وهذا يدل بوضوح على استياء المواطنين من وجود الإرهابيين في المناطق التي يعيشون فيها، وهو بداية لتكرار أحداث مماثلة في مناطق أخرى.
تعزيز الشرعية والخطوات الواعدة لإعادة سيادة دمشق سلمياً
رافقت التطورات التي حدثت في محافظة درعا خلال الأسبوعين الماضيين بعض الرسائل الأساسية والنتائج في المعادلات الميدانية في سوريا:
أولاً، يمثل هذا الحدث نقطة تحول رئيسية في المعادلة السورية. اذ توصل الإرهابيون في المناطق الجنوبية والشمالية من البلاد، بعد إدراكهم لعجزهم عن مواجهة الحكومة المركزية ويأسهم من أسيادهم العرب والغربيين، إلى الاعتقاد بأنه من خلال الاستسلام دون عقاب، يمكنهم البقاء على قيد الحياة في الحد الأدنى، وليس هناك أي أمل في مواصلتهم للنهج السابق. ففي مثل هذه الأجواء، يبدو أن الإرهابيين في محافظة إدلب سيقبلون في النهاية بهذا السيناريو.
أما المستوى الثاني، ان سلام وجهاء العشائر مع الحكومة المركزية بمثابة تعزيز شرعية ومكانة الحكومة المركزية السورية والرئيس بشار الأسد بين المواطنين السوريين. ورغم أن 95٪ من المواطنين صوتوا للأسد في الانتخابات الأخيرة، إلا أن الاستسلام دون الاشتباكات مع الجماعات الإرهابية وعودة المواطنين إلى مناطقهم هو حدث زاد من شعبية دمشق في البلاد أكثر من السابق.
ثالثًا هو ان أحداث الأسبوعين الماضيين في درعا التي تمت بوساطة روسية، تُظهر أن الشعب السوري ووجهاء العشائر وزعماء القبائل في هذا البلد يؤمنون بمحور دمشق - طهران - موسكو كمحور موثوق، ويمكن لهذا المحور أن يمضي بالمفاوضات دون تدخل المحور الغربي العربي والتركي والتوصل الى اتفاق دائم. وهذا يزيد من احتمالية تكرار أحداث مماثلة في مناطق الشمال أكثر من أي وقت مضى، وقد يكون له في المستقبل نتائج إيجابية على استقرار سوريا وأمنها.
المستوى الرابع المهم: يسيطر الأكراد على جزء كبير من المناطق السورية في الشمال من جهة، ومن جهة أخرى توجد التنظيمات الإرهابية بشكل كبير في إدلب وشمال حلب. اذ يمكن للأكراد السوريين، الذين لديهم اتصالات مع الحكومة المركزية، أن يحذوا حذو الاتفاق الذي تم التوصل إليه في محافظة درعا بوساطة روسية، وبدء السلام مع دمشق. لكن فيما يتعلق بوجود الجماعات الإرهابية في إدلب وشمال حلب المدعومة من تركيا، فإن احتمال التوصل إلى حل وسط على شكل اتفاق محافظة درعا يبدو مستبعداً إلى حد ما، لكن الاتفاق في محافظة درعا اثبت بوضوح أنه لا خيار امام هؤلاء إلا الاستسلام لإرادة الحكومة المركزية.