الوقت- أوجدت إسرائيل لنفسها مسوغا لاحتجاز جثامين الشهداء بعد عام 2015، وفي 2019 أقرّت محكمتها العليا استخدامهم أوراق تفاوض مستقبلية في صفقات التبادل مع المقاومة في غزة.
أكثر من 41 عاماً ولا تزال جثامين عشرات الشهداء محتجزة لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلية ومن بين هذه الجثامين، جثمان الشهيد أنيس دولة، شهيد الأسر الذي لا تعترف دولة الاحتلال بجثمانه وتنكر وجوده تحت عنوان "مفقود"، رغم اعتراف ما تسمى "المحكمة العليا الإسرائيلية" بتشريح الجثمان عام 1982، وهذا يدفع للتساؤل، أين كان يحتجز الاحتلال جثمانه لأكثر من عامين، هل في سجن عسقلان أم في ثلاجات الاحتجاز أم في سجون سرية…؟!، ولا يمكن فهم سر اختفاء جثمانه، سوى خشية الاحتلال من فضح جريمته بحق الشهداء، وهي الاتجار بالبشر وسرقة أعضاءهم.
ويحيي الشعب الفلسطيني، يوم السابع والعشرين من آب (أغسطس) اليوم الوطني لاسترداد جثامين الشهداء الفلسطينيين والعرب بعد أن أقر عام 2008، فيما يعد ذلك اليوم هي يوم وطني وعربي وعالمي لاسترداد جثامين الشهداء.
إن دولة الاحتلال الإسرائيلية هي الكيان الوحيد في العالم الذي يواصل معاقبة الموتى واحتجاز تاريخهم المشرف وسيرتهم الذاتية وجثامينهم في مقابر سرية تحمل أرقاماً بديلة لأسماء الشهداء، في إهانة لإنسانية الإنسان في موته.
وتشير المعلومات والوقائع أن مقابر الأرقام هي مدافن بسيطة محاطة بالحجارة دون شواهد، ومثبت فوق القبر لوحة معدنية تحمل رقماً يدل على ملف الشهيد لدى الجهات الأمنية الإسرائيلية.
فمقابر الأرقام وثلاجات الموتى تحتفظ بمئات الشهداء والأسرى، وتشرعن محاكم الاحتلال وقادته عودتهم لذويهم لدفنهم وفق التقاليد والأصول الفلسطينية، في انتهاك فاضح للقوانين الدولية ومبادئ حقوق الإنسان التي شرعتها الأمم المتحدة، وهذا هو حال الشهيد أحمد عريقات الذي استشهد برصاص الاحتلال في حزيران (يونيو) 2020 على حاجز "الكونتينر" العسكري الإسرائيلي جنوبي الضفة، والذي رفضت قبل أيام ما تسمى "المحكمة العليا الإسرائيلية" تسليم جثمانه لذويه وإبقائه محتجزاً حتى إشعار آخر.
وتشير احصائيات الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء إلى أن سلطات الاحتلال تواصل احتجاز (335) شهيداً استشهدوا في فترات مختلفة منذ ستينيات القرن الماضي، منهم (254) جثماناً لشهداء في مقابر الأرقام، و(81) شهيداً في ثلاجات الموتى منذ العام 2015، ومن بينهم (7) جثامين لأسرى أقدمهم الشهيد الأسير أنيس دولة، فيما ترفض الاعتراف بمصير (68) مفقوداً من بينهم أنيس.
ورغم الاحصائيات والمطالبات المتكررة لتسليم جثامين الشهداء، إلا أن سلطات الاحتلال ترفض الإفراج عن جثامين الشهداء لاستخدامها كـ"ورقة تفاوضية" ولا تعترف سوى بـ(110) جثامين في مقابر الأرقام وترفض الإفراج عنها.
ويعد قرار المساومة سابقةً لم يشهدها التاريخ، وخاصة عندما يتعلق الأمر باحتجاز جثامين شهداء شعب محتل، وانتهاكاً للقانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان وخاصة اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المُهينة، ومخالفةً لاتفاقية جنيف الأولى التي تُلزم الدولة القائمة بالاحتلال بتسليم جثامين الشهداء لذويهم ودفنهم مع المحافظة على كرامتهم حسب معتقداتهم قدر الإمكان.
وبمناسبة اليوم الوطني لاسترداد جثامين الشهداء، قال نادي الأسير الفلسطيني، إنّ الاحتلال الإسرائيلي يواصل احتجاز جثامين سبعة أسرى فلسطينيين، ارتقوا شهداءً في سجونه.
وأقدم هؤلاء الشهداء الأسير أنيس دولة من قلقيلية وذلك منذ عام 1980، إضافة إلى عزيز عويسات من القدس، والذي استشهد عام 2018، وفارس بارود من غزة، ونصار طقاطقة من بيت لحم، وبسام السايح من نابلس، وذلك منذ عام 2019، وسعدي الغرابلي من غزة، وكمال أبو وعر من جنين وذلك منذ العام الماضي.
وأضاف نادي الأسير ، إنّ الشهداء السبعة هم من بين 226 أسيرًا ارتقوا في سجون الاحتلال منذ عام 1967 حتى عام 2020، وهناك مئات الأسرى الذين ارتقوا بعد الإفراج عنهم بفترات وجيزة، نتيجة لأمراض وإصابات ورثوها عبر سنوات اعتقالهم.
وبيّن نادي الأسير، أنّ من بين الشهداء الأسرى 75 أسيرًا ارتقوا نتيجة للقتل العمد، و7 بعد إطلاق النار عليهم مباشرة، و71 نتيجة لسياسة الإهمال الطبي (القتل البطيء)، والتي تنفذها إدارة سجون الاحتلال، عبر جملة من الأدوات التنكيلية على مدار سنوات اعتقالهم، وأبرزها المماطلة في تقديم العلاج، تحويله إلى أداة تنكيل.
وشكّلت عمليات التعذيب الجسدي والنفسي، أبرز السياسات الممنهجة التي تسببت باستشهاد 73 أسيرًا على مدار العقود الماضية، والتي تصاعدت مجددًا منذ نهاية عام 2019.
وخلال السنوات العشر الماضية، ارتقى في سجون الاحتلال 29 أسيرًا، وشكلت سياسة الإهمال الطبي، سببًا مركزيًا في استشهادهم، منهم أربعة أسرى اُستشهدوا العام الماضي. يُشار إلى أن عدد الشهداء المحتجزة جثامينهم منذ عام 2015 يبلغ 81 شهيدًا.
ووفق الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء، فإن من بين 335 جثمانا يحتجزها الاحتلال الإسرائيلي، دُفن 254 جثمانا في مقابر الأرقام الإسرائيلية، إضافة إلى 81 جثمانا محتجزا منذ 2015، يُرجّح احتجازها في ثلاجات.
تقول منسقة الحملة سلوى حماد إن الاحتلال "أوجد لنفسه مسوغا قانونيا لاحتجاز الجثامين بعد 2015″، مشيرة إلى قرار مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر (الكابينت) عام 2015 باحتجاز جثامين الشهداء من منفذي العمليات.
و"عام 2019، أقرّت المحكمة العليا الإسرائيلية احتجاز الجثامين لاستخدامهم أوراق تفاوض مستقبلية".
وحسب حماد، فإن آخر قرار للمحاكم الإسرائيلية، ردا على مطالب استعادة الجثامين، كان قبل أيام في ملف الشهيد أحمد عريقات من ضواحي القدس، والذي استشهد قبل أكثر من عام.
وذكرت أن المحكمة العليا قضت بعدم تسليم جثمانه لحين إبرام صفقة تبادل مع المقاومة الفلسطينية التي تأسر جنودا في غزة.
وتحتفظ حركة حماس في غزة بـ4 إسرائيليين، بينهم جنديان أُسرا خلال الحرب على غزة صيف عام 2014. أما الآخران، فقد دخلا غزة في ظروف غير واضحة، ولا تفصح الحركة عن مصير هؤلاء الأربعة.
وجرت آخر عملية إفراج جماعي عن الجثامين المحتجزة في 29 مايو/أيار 2012، وشملت 91 جثمانا.
ومؤخراً تظاهر العشرات من المتضامنين مع الشعب الفلسطيني في مدينة نيويورك ، مطالبين الإدارة الأمريكية بالتدخل لوقف جرائم القتل الاسرائيلية المتصاعدة والعمل على إعادة جثامين الشهداء الذين تحتجزهم اسرائيل، وفقاً لوكالة الأنباء الفلسطينية (وفا).
وارتدى المتظاهرون الكوفية الفلسطينية وحملوا مجسمات تمثل الشهداء عليها ملصقات باسمائهم.
وقال المتظاهرون في رسالة وزعوها، “تستمر اسرائيل في قتل الفلسطينيين، ويرتقي الشهداء يومًا بعد يوم”، وطالبوا “بالوقوف ضد هذه الإبادة الجماعية وتكريم الشهداء وإعادة جثامينهم التي تحتجزها إسرائيل”.
وأكدوا حق الفلسطينيين في دفن الشهداء وممارسة أحد أهم جوانب الحالة الإنسانية، حيث تم دفن 254 شهيدًا فلسطينيًا في مقابر إسرائيلية، و81 في “مشرحة الشرطة” و68 في عداد المفقودين. واعتبروا أن “حرمان الموتى من كرامتهم هو أحد أخطر انتهاكات حقوق الإنسان، ومع ذلك تواصل إسرائيل التصرف في ظل الإفلات من العقاب”.
وقال بيان صدر عن المؤسسة التي نظمت التظاهرة وتدعى “خلال حياتنا” وهي منظمة أمريكية تطالب بقيام دولة فلسطينية، “لن ننسى ولن نغفر ولن نتوقف عن النضال من أجل فلسطين”.
وأمام تلك المعطيات، فمن الضروري التحرك وطنياً وعربياً ودولياً نحو تدويل قضية جثامين الشهداء المحتجزين لدى الاحتلال، وإحالة ملفهم لمحكمة الجنايات الدولية والأمم المتحدة باعتبار استمرار احتجازهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يعاقب عليها القانون الدولي والإنساني، باعتبارها "ورقة ضغط" لإجبار الاحتلال على الإفراج عن جثامين الشهداء وإغلاق هذا الملف نهائياً.