الوقت- دعت عدة منظمات حقوقية و دولية، الشركات التي أبدت رغبتها في العمل في مشروع “نيوم” للتوقف عن مشاركتهم في بناء المدينة الواقعة بمحافظة تبوك شمال غرب المملكة السعودية والتي تقام على حساب أراضي قبيلة الحويطات التي أصبحت محط أنظار هذه المنظامت. ومن أبرز الشركات التي تقدم استشاراتها وخدماتها لـ”نيوم” التي يشرف عليها ولى العهد محمد بن سلمان، هي: أوليفر وايمان، ماكنزي أند كو، مجموعة بوسطن الاستشارية.
وبحسب ما جاء في هذه الدعوة الحقوقية، أن ”مشاركة هذه الشركات في هذا المشروع لم تمنع آثاره الضارة بحق حقوق الإنسان لسكان المنطقة التي سيقام عليها المشروع، بما في ذلك انتهاك حقّهم في استخدام أراضيهم والعقوبات والتعذيب لمن عبّروا سلميًّا عن رفضهم التهجير“، وشددت على ضرورة تحمل هذه الشركات المسؤولية الأخلاقية والقانونية المدرجة تحت الأعمال التجارية وحقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة، لا سيما أن هذه الانتهاكات تأتي بالتزامن مع حملات قمع أوسع للحقوق المدنية في المملكة.
أزمة نيوم وقبيلة الحويطات إلى الواجهة
ركزت صحيفة “إندبندنت” كثيراً على أزمة مشروع نيوم، واعتبرت أن قبيلة الحويطات في السعودية، تواجه خطر الاندثار والتهجير القسري من مدينتهم، وذلك في سبيل بناء مشروع يعبر عن غرور زعيم المملكة الأمير المراهق، مشيرة إلى أن مشروع مدينة نيوم المفضل لدى ولي العهد محمد بن سلمان يضع البلاد في مواجهة مع ماضيها وتقاليدها، وأن السلطات السعودية، قامت في الأشهر الأخيرة بالاعتقال والتحرش والملاحقة، بل والقتل أيضاً في حق أبناء العشيرة لأنهم تساءلوا عن جدوى المشروع أو لأنهم رفضوا بيع أرض أجدادهم للدولة.
وفي هذا السياق دعا أفراد قبيلة الحويطات الأمم المتحدة للتحقيق في مأزقهم وقالوا إن ما تقوم به السلطات في المملكة بحقهم يصل إلى حد تدمير جماعة محلية“، وجاء في بيان للقبيلة أنه “بعيداً عن أشرطة الفيديو الترويجية لنيوم التي تزعم أنها ’أرض عذراء‘ فإن قبيلة الحويطات تعيش في أجزاء كبيرة من الأرض ومنذ مئات السنين”، ورغم البطء في تنفيذ المشروع بسبب الوضع الاقتصادي العالمي والسعودي المتردي إلا أن السلطات السعودية تواصل طرد أبناء قبيلة الحويطات من أراضيهم، التي تضم 13 قرية على طول البحر الأحمر.
تخويف وترهيب وتهجير مقابل المال
نقلت صحيفة الاندبندنت عن الناشطة السعودية في مجال حقوق الإنسان في لندن، علياء الحويطي، وتتحدث باسم القبيلة أنه “عندما بدأوا بمشروع نيوم بداية 2016 وعدهم محمد بن سلمان، أن يكونوا جزءا منها والمشاركة في بنائها وتطوير المنطقة، وفي 2020 أجبروا على ترك الأرض بدون مكان للإقامة فيه، وعندما تفتح فمك وتقول شيئا على منصات التواصل الاجتماعي، تختفي من على وجه الأرض”، وأكدت أن “ولي العهد يقوم بإجبار الناس على الخروج من أراضيهم، بالتخويف والترهيب”. وأضافت بالقول: “تبنى نيوم على عظامنا ودمائنا”.
وتعرض السلطات مبالغ زهيدة للعائلات كي تخرج من أراضيها، ولا تتجاوز الـ3,000 دولار. ولم يقبل بالعروض إلا واحد من كل 30 عائلة، ولجعل حياة الناس لا تحتمل أغلقت المدارس وقطع التيار الكهربائي واندلعت النيران بشكل غامض في الممتلكات، و”يقولون عليك القبول بالعرض وإن لم تقبل، فستطرد ولن تحصل على فلس.. والجو بشكل عام مخيف ومرعب”، كما تقول علياء.
الشركات الاستثمارية ملزمة بالمبادئ التوجيهية للأمم المتحدة
في هذا الإطار، سلطت المنظمات الحقوقية التي وجهت الدعوة الحقوقية الضوء على مسؤوليات الشركات الأخلاقية والقانونية بموجب المبادئ التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة، داعيةً اياها الاستجابة لهذه المخاوف، من خلال إصدار بيان علني فوري يندد بالانتهاكات المصاحبة للمشروع، كما دعت لإعادة النظر في مسئولياتهم في هذا الصدد، وطالبت تلك الشركات بإعادة تقييم مشاركتها في هذا المشروع، وتعليق هذه المشاركة حال لم تتوافر إمكانية للتصدي لهذه الآثار الضارة بحقوق سكان المنطقة.
استجابة بعض الشركات للدعوة
رحبت المنظمات الحقوقية باستجابة مجموعة بوسطن الاستشارية واستعلام مركز موارد الأعمال وحقوق الإنسان خلافًا للشركتين الاستشاريتين الأخريين، معتبرةً أن رد مجموعة بوسطن غير وافٍ، وأن تأكيدها على أن مشاركة الشركة مرهونة بما تعتقد أنه يساهم في التغيير الاقتصادي والاجتماعي الإيجابي، مخالف تماماً لما نشهده على أرض الواقع.
وفي هذا الإطار حث بيان المنظمات الشركتين الأخريين المتعاقدتين في مشروع “نيوم”، أوليفر وايمان وماكنزي أند كو، على الاستجابة لرسالة مركز موارد الأعمال، وتلخيص ما فعلته للقيام امتثالاً لهذه المسئوليات، كما حثت شركة “ماكنزي أن كو” تحديدًا على تلخيص ما فعلته للالتزام بقواعدها السلوكية.
مشروع نيوم فاشل قبل أن يولد
عندما طرح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في أكتوبر 2017 فكرة المشروع الذي أطلق عليه اسم «نيوم»، أبدى كثير من المراقبين عدم تفاؤلهم بمستقبل هذا المشروع جراء ما تعانيه السعودية من أزمة اقتصادية جراء تراجع أسعار النفط الذي أدى الى عجز كبير في ميزانيتها السنوية. وذلك لما يحتاجه المشروع من تكلفة مالية كبيرة تبلغ نحو 500 مليار دولار. ثم جاءت حادثة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، بعد عام من الإعلان، في قنصلية بلاده بمدينة اسطنبول التركية لتشكل ضغطاً كبيراً على المستثمرين الجانب الذي كانوا يطمحون في ضخ أموالهم في المشروع، فيتراجع عدد كبير منهم ويضع الفكرة جانباً. وها نحن اليوم بدأنا نشهد دعوات حقوقية ضد الشركات الاستثمارية التي كانت قد قررت المساهمة في المشروع وذلك بسبب الانتهاكات الحقوقية للسلطات السعودية بحق أهالي المنطقة.
نعم كل المؤشرات والتحليلات والتنبؤات التي نشرتها مراكز الدراسات الاستراتيجية العالمية كانت تؤكد أن الاقتصاد السعودي ومحمد بن سلمان لن يتمكن من إنجاح هذا المشروع الضخم ولكن الأمير الأرعن كان ولا يزال مستمراً في خطته التي أفقرت المواطن السعودي وأغنت الأمراء.