الوقت- كشفت وكالة أسوشييتد برس الأمريكية، أمس السبت، أن صفقة نفط سرية بين تل أبيب وأبوظبي كانت ستحول إيلات إلى نقطة طريق للنفط الإماراتي المتجه إلى الأسواق الغربية، مهددة بالإلغاء بسبب مخاوف بيئية. وكانت هذه الصفقة التي أبرمت العام الماضي برعاية من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وليدة اتفاقية التطبيع بين إسرائيل والإمارات، وطرفا الصفقة هما شركة خطوط الأنابيب الأوروبية الآسيوية، المملوكة للكيان الإسرائيلي، ومشروع " MED-RED Land Bridge" الإسرائيلي الإماراتي. و كانت وزيرة البيئة في الكيان الاسرائيلي قد تعهدت بإلغاء الصفقة بعد أن جمدت التوسع المخطط لعمليات التنفيذ و ذلك في اننتظار قرار حكومي.
و كان الاتفاق السري قد لقي بالترحيب باعتباره خطوة يمكن لها أن ترسخ العلاقات الدبلوماسية الناشئة و تعزز طموحات الكيان الاسرائيلي في مجال الطاقة حيث قال مسؤولون كبار في حكومة رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو –ومنهم وزراء الطاقة والخارجية والبيئة السابقون– إنهم لم يعرفوا عن الصفقة حتى جرى الإعلان عنها في سبتمبر/أيلول الماضي بعد توقيع الاتفاقات في البيت الأبيض. و تسمح الاتفاقية بين الكيان الإسرائيلي والإمارات بنقل 120 سفينة نفط تحتوي على ثمانية مليار غالون، أي قرابة 30 مليون متر مكعب من النفط الخام والمنتجات البترولية.
لكن الصفقة اليوم أصبحت موضع تساؤل بعد أن فتحت حكومة الكيان الإسرائيلي الجديدة "مراجعة" بشأنها تحت ضغط المنظمات البيئية الإسرائيلية حيث طالبت هذه المنظمات من المحكمة العليا في الكيان الاسرائيلي وقف ناقلات النفط التي تستقر إلى جانب النظم البيئية المرجانية في ايلات بالإضافة إلى تعهد وزيرة البيئة في الكيان الاسرائيلي بإلغاء خط الأنابيب بشكل كامل. و قد أثارت هذه الخطوة غضب المستثمرين مما يشير لوقوع خلاف دبلوماسي بين الكيان الاسرائيلي و حلفائه الجدد في منطقة الخليج الفارسي. وكانت صحيفة "اسرائيل اليوم" قد ذكرت في وقت سابق " أن أزمة دبلوماسية تلوح بالأفق مع الإمارات، بعد مطالبة وزيرة حماية البيئة، الجديدة، تامار زاندبرغ التي تنتمي لحزب ميرتس (اليساري) بالإلغاء الفوري للاتفاقية الموقعة، بين شركة خط أنابيب النفط عسقلان- إيلات مع حكومة الإمارات لنقل النفط عبر الكيان الإسرائيلي إلى أنحاء العالم.
أزمة تلوح في الأفق
وفي المقابل، نقلت الصحيفة عن مسؤولين في أبو ظبي قولهم "إذا ألغت الحكومة الاتفاق، قد تحدث أزمة في العلاقات مع الكيان الإسرائيلي وسيهدد الخطر استقرار اتفاقيات إبراهيم". وأضافت الصحيفة "الكشف عن الصفقة تم في تحقيق أجرته هيئة البث الإسرائيلية، وكانت وزيرة حماية البيئة المنتهية ولايتها، جيلا جملئيل، هي التي بدأت بالمطالبة بإلغاء الصفقة بعد نتائج التحقيق، وتبنت الوزيرة (الجديدة) زاندبرغ سياستها". ونقلت الصحيفة في ذلك الوقت عن مسؤول إماراتي، لم تنشر اسمه، قوله إن تل أبيب أبلغت أبو ظبي، أن تغيير الحكومة لن يلحق ضررا بالاتفاقية. لكن وزارة حماية البيئة في حكومة الكيان الإسرائيلي الجديدة قالت إن تقييم المخاطر "لا يفي بالشروط" التي حددتها الوزارة، وبالتالي فهو غير صالح. وأضافت الوزارة في خطاب موجه إلى الشركة أنها "ترجئ تقييم جاهزيتكم لزيادة النشاط في ميناء إيلات حتى مناقشة الحكومة للأمر وتوصلها الى اتخاذ قرار".
وأصبحت إيلات ساحة معركة غير متوقعة عالقة بين المصالح الدبلوماسية والتجارية الإسرائيلية، والجماعات البيئية التي تخشى أن يكون الحياة الطبيعية في إيلات في خطر جراء الصفقة. وتتميز إيلات على البحر الأحمر بوجود تنوع مرجاني كبير. وتعد الشعاب المرجانية من بين المستعمرات المرجانية الأكثر مرونة في العالم في مواجهة ارتفاع درجة حرارة البحار و بالنسبة للتسرب النفطي ، يقول عساف زفولوني، عالم البيئة في سلطة الطبيعة والمتنزهات في إيلات ، “لا يتعلق الأمر بما إذا كان سيحدث ، ولكن متى سيحدث”. وقال إنه حتى التمزق الصغير أو الخطأ البشري ستكون له عواقب وخيمة. ويتحدث خبراء في البيئة عن أن مثل هذه الصفقة سوف تشكل كاثة بيئية على النظم البيئية في كل من الأردن و مصر و المملكة العربية السعودية. وقال جيدون برومبيرج رئيس مجموعة EcoPeace البيئية العابرة للحدود " لدينا خسارة محتملة حقيقية للانسانية و التنوع البيولوجي العالمي". و قال خبراء أن "اتفاقية النفط الإماراتية الإسرائيلية "قنبلة بيئية موقوتة"، وتعرض خليج إيلات والعقبة بالكامل وشواطئ سيناء وشعابها المرجانية وشواطئ البحر المتوسط لخطر هائل ناجم عن تسرب، أو خلل أو تخريب متعمد، وسیكون انفجار هذه القنبلة في منطقتنا مسألة وقت وحسب" حیث آن تسرب النفط بموجب الاتفاق ذاته لن يقتل الشعاب المرجانية في خليج إيلات فحسب، بل سيضر بفرص إنقاذ الشعاب المرجانية من الانقراض في جميع أنحاء العالم. و كانت قد سجلت شركات النفط الإسرائيلية قبل ست سنوات رقما قياسيا مشينا في إحداث أكبر ضرر بيئي عندما تمزق أحد أنابيبها، مع تدفق خمسة ملايين متر مكعب من النفط الخام إلى محمية إيفرونا الطبيعية في جنوب إسرائيل".
العيون المصرية على الاتفاقية
إن معظم النفط القادم من دول الخليج نحو الأسواق الأوروبية يمر إما عبر قناة السويس أو عبر خط الانابيب المصري سوميد الذي تبلغ طاقته نحو مليونين ونصف المليون برميل يومياً.
كما أن ناقلات النفط العملاقة لا تستطيع المرور عبر قناة السويس بالتالي إما تفرغ كل حمولاتها في مرفأ عين السخنة النفطي على البحر الاحمر ليجري ضخه عبر انبوب سوميد إلى مرفأ الاسكندرية على البحر المتوسط ويعاد تحميله في ناقلات النفط لينقل الى الأسواق الأوروبية. أما الخيار الآخر فهو تفريغ جزء من الحمولة في عين السخنة بحيث تستطيع الناقلة المرور عبر قناة السويس.
ورغم أن دول الخليج ومن بينها الامارات تملك نصف أسهم خط أنابيب سوميد البالغ طوله 320 كيلو متراً ويعمل حالياً بربع طاقته بسبب تراجع الطلب على النفط، إلا أن إبرام الامارات هذا الاتفاق مع الكيان الاسرائيلي قد يلحق الضرر بمصالح مصر الاقتصادية وستتأثر عائدات قناة السويس سلباً عندما يبدأ النفط الإماراتي وغيره بالتدفق عبر الأنبوب الجديد.
ختام القول
من الواضح أن اتفاقية التطبيع بين الامارات العربية المتحدة و الكيان الاسرائيلي و ماتمخض عنها من اتفاقيات تعاون باتت مهددة و خاصة بعد رحيل الراعي الرسمي ترامب و رحيل ذراعه الأيمن في الكيان الاسرائيلي نتنياهو. فهل أصبحت الاتفاقيات الموقعة بين الدولتين حبراً على ورق و هل من الممكن أن تشتعل هذه الاتفاقيات توتراً علنياً بين البلدين بدلاً من المكاسب التجارية المتوقعة.