الوقت- شن الكيان الصهيوني في 12 تموز/ يوليو 2006، عدواناً عسكرياً واسع النطاق على لبنان، واستمر 33 يوماً، وأطلق عليها حرب 33 يوماً (حرب تموز).
وشن الجيش الإسرائيلي الحرب بعد أسر جنديين من جنوده. ويبدو أن الجيش الصهيوني يحاول استعادة هيبته المفقودة منذ عام 2000 بفراره الفاضح من جنوب لبنان، معتبراً الحرب فرصة للانتقام من حزب الله اللبناني. وقد أعلن الكيان الصهيوني أهدافه علناً منذ بدء الحرب على لبنان، وهي كما يلي:
1) تدمير حزب الله ونزع سلاحه، إن تحقيق هذا الهدف سيريح إسرائيل من تهديد صواريخ حزب الله. والخطوة التالية هي القضاء على حزب الله ووضع لبنان في أيدي الأمريكيين، وهو هدف كانوا يعملون به منذ سنوات.
2) إطلاق سراح الجنود الصهاينة الذين أسرهم حزب الله اللبناني.
3) تنفيذ القرار 1559 الذي ينص على نقل قوات الجيش اللبناني إلى حدود فلسطين المحتلة والتخلص من خطر المقاومة.
ولكن الكيان الصهيوني كان يسعى أيضا لتحقيق أهداف غير مباشرة أخرى من هذه الحرب:
1) إعادة هيبة الجيش الإسرائيلي بعد هزيمته عام 2000.
2) إتاحة الفرصة للولايات المتحدة للعب دور في خلق شرق أوسط جديد.
كانت النتائج التي توقعها الكيان الصهيوني والولايات المتحدة من غزو لبنان، إضافة إلى تدمير وجود المقاومة في هذا البلد، هي كسر سلسلة المقاومة لدول المنطقة والتي تتكون من أفغانستان وإيران والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين ونقاط المقاومة الأخرى في المنطقة. وبهذا ستفرض الولايات المتحدة بسهولة نظامها العالمي الجديد على المنطقة وتسيطر دون قيد او شرط على منابع الطاقة المهمة في الشرق الأوسط وتطمئن على أمن إسرائيل. ولكن خلال وبعد حرب الـ 33 يومًا، أدرك القادة الصهاينة أن تحقيق هذا الهدف ليس ميسورا.
هزيمة ثقيلة للصهاينة وهروب المستوطنين من فلسطين المحتلة
كانت هذه الحرب في الواقع الحرب السادسة للكيان الصهيوني مع الدول العربية، ولكن على عكس الحروب السابقة التي تمكنت فيها من هزيمة العرب في وقت قصير، فقد اصطدمت هذه المرة بإرادة قوية وقوة قتالية لا مثيل لها وإدارة حرب متكاملة من حزب الله، وفي المقابل كانت إسرائيل قد تتمتع بحداثة المعدات العسكرية مقارنة بالحروب السابقة ضد حركة المقاومة الإسلامية ولكنها وجدت نفسها في حرب استنزاف لا تستطيع تحملها، وفي النهاية تم انقاذها بوساطة قرار الأمم المتحدة، حيث استطاعت الخروج من المستنقع الذي كانت عالقة فيه. أدت الهزيمة الفادحة للصهاينة في هذه الحرب إلى إضعاف الروح المعنوية للمستوطنين وسكان الأراضي الفلسطينية المحتلة، حتى أن العديد منهم هاجروا إلى أجزاء أخرى من العالم ولم يستطع قادة الكيان الصهيوني ترميم هذا الضعف الاساسي لرأيهم العام. ولعل أهم إنجاز للمقاومة في حرب الـ 33 يوماً غير المتكافئة، هو تعزيز شموخهم أمام العدو الصهيوني أكثر مما كان عليه في الماضي. هذه القفزة في قوة المقاومة في كل من لبنان والمنطقة، جعلت الصهاينة يخشون من وجود مقاومة في الحروب والتطورات الإقليمية. من الإنجازات الأخرى لحرب الـ33 يومًا للمقاومة هو تجهزها بأحدث الأسلحة الدفاعية، والحصول على الوحدات الأكثر تقدمًا وتخصصًا في العمليات الهجومية، وزيادة كمية ونوعية القوة الصاروخية، والاستخبارات، سواء في البحر اوالبر او الجو، إلى جانب. بعد الحرب ، اعترف مسؤولو الكيان رسمياً بأن حزب الله كان عدواً داهية. خلال حرب الـ 33 يومًا ، شاهدت العديد من الشعوب العربية، المحبطة من هزائمها التاريخية امام أمام الجيش الصهيوني، المقاومة الشرسة لمقاتلي حزب الله ضد المعتدين، وعبروا عن سعادتهم بأن 60 عاما من المفاوضات والتسويات مع هذا الكيان لم تسفر عن أي نتائج، والطريقة الوحيدة لتحقيق الحق هي القتال والمقاومة ضده. فرحت الدول العربية في المنطقة برؤية إصابة سفينة حربية إسرائيلية قبالة سواحل لبنان، وأدركت أن المقاومة هي السبيل الوحيد لمواجهة المعتدين.
أجبر الصهاينة على إنهاء المعركة بأيدٍ ممدودة
بعد انتهاء حرب الـ 33 يومًا، أصبح واضحًا أن الصهاينة لم يحققوا إنجازات مهمة، وقد اضطروا هم أنفسهم إلى إنهاء هذه المعركة. بالنظر إلى الأهداف المحددة سلفًا للولايات المتحدة والكيان الصهيوني لبدء الحرب ضد لبنان عام 2006، يمكن استنتاج أن حزب الله في لبنان، إلى جانب عناصر أخرى من المقاومة، كان قادرًا على المقاومة لأكثر من 33 يومًا من الحرب الصهيونية الأمريكية الخطيرة.
ضرب فرقاطة ساعر وتدمير دبابة ميركافا حدثان استراتيجيان في حرب 33 يومًا
كما ترك حزب الله اللبناني العديد من التذكارات للكيان الصهيوني في هذه الحرب التي كسرت عظمة الجيش الصهيوني في المنطقة لأول مرة. كان إصابة الفرقاطة ساعر التابعة للجيش الإسرائيلي وتدمير دبابات ميركافا المتقدمة، مجرد مثالين على هذه الأحداث الاستراتيجية والمهمة خلال حرب 33 يومًا. تكمن أهمية حزب الله من وجهة نظر القوى الإقليمية والعالمية في أنه عابر للحدود وجزء من محور قوي غريب عن الانقسام ولا احتمال لخروقات أمنية، والأهم من ذلك أن قادته لديهم السلطة المطلقة لتقرير الحرب وإدارة الأزمات الداخلية والإقليمية بحنكة كبيرة ومن خلال مؤسسات ونخب متقدمة للغاية تعمل بهدوء. إنها ليست مسألة امتلاك أسلحة، لأن العديد من الحكومات والدول العربية تنفق مئات المليارات من الدولارات لشراء مقاتلات ومعدات عسكرية حديثة من الغرب، لكنها لم تنجح في حرب واحدة. بل إن الأمر يتعلق بالحصول على الإرادة وكيفية استخدام هذا السلاح الذي سيؤدي في النهاية إلى النصر، وكل هذا تجسد في حرب الـ 33 يومًا. حزب الله اليوم أقوى بكثير من حرب الـ 33 يومًا، بـ 150 ألف صاروخ وطائرات من دون طيار وخبرة ميدانية ممتازة، وإلا لما تم تحرير جنوب لبنان ولما كان الكيان الصهيوني قد ترك كل ثروة لبنان من النفط والغاز في البحر المتوسط. بعبارة أخرى، كان ميزان القوى مختلفًا تمامًا. من ناحية أخرى، يشعر الصهاينة بقلق بالغ إزاء الوضع على جبهتهم الداخلية، رغم أنهم حاولوا ممارسة حرب محتملة مع حزب الله من خلال مناورة وخصصوا مبالغ كبيرة لجيشهم لحمايته من القصف الصاروخي من غزة او الشمال ومن صواريخ حزب الله، لكن ما تزال الجبهة الداخلية لهذا الكيان قلقة للغاية. وفي سياق متصل، حذر عاموس جلاد رئيس مركز البحوث الاستراتيجية والسياسية والرئيس السابق للجنة السياسية والأمنية، من مشهد الصراع العسكري على الجبهة الشمالية، واصفا التهديد على الجبهة الداخلية ببالغ الخطورة، معتبرا أن المقاومة في الشمال ستستهدف بصواريخها كل إسرائيل، بما في ذلك تل أبيب، الأمر الذي يتطلب من الجيش والأجهزة الأمنية الاستعداد التام. رغم كل الجهود التي يبذلها مسؤولو الكيان الصهيوني لطمأنة جبهتهم الداخلية بشأن الحرب المقبلة مع حزب الله، فإن الإعلام الصهيوني يعترف بأن الإسرائيليين لا يثقون في أنظمتهم الدفاعية.
عدم كفاءة القوات البرية للكيان الصهيوني
نقطة أخرى هي عدم فاعلية القوات البرية لجيش الكيان، والتي لم تكن عملياً فاعلة في الحروب التي خاضتها تل أبيب ضد الجيوش العربية، وكذلك الحروب مع حزب الله في لبنان وحماس، ولذلك لجأت تل أبيب دائما إلى سلاحها الجوي، وهو ما يعترفون به أنفسهم. الجيش الصهيوني يخاف من المهمات الحربية وهذه المهمات هي بالنسبة لهم كابوس، ككابوس فرار جنود الكيان من الخدمة العسكرية. من الواضح أن إسرائيل تواجه مأزقاً بسبب ضعفها في مواجهة قدرات المقاومة. على صعيد آخر، فإن سكان حيفا مرعوبون من الهجوم المدمر على مستودعات الأمونيا في المنطقة، والتي تحتوي على أكثر من 15 ألف طن من الغاز والتي يؤدي انفجارها إلى مقتل الآلاف من سكان حيفا.
الخوف الذي يلف تل أبيب هو القدرة الصاروخية والقدرة على تقييم وتحليل الوضع في المنطقة من قبل الأمين العام لحزب الله اللبناني سيد حسن نصر الله والتجارب القيمة التي اكتسبها مقاتلو المقاومة اللبنانية خلال الأزمة في سوريا.