الوقت- تخشى اسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية من أي نشاط أو حركة يمكن أن تقف في وجه اسرائيل واطماعها وسلوكها الهمجي، وعلى ما يبدو تمكنت حركة "مقاطعة اسرائيل" من المضي قدماً وتحقيق بعض اهدافها، وهذا ما جعل الامريكيين والاسرائيليين على حد سواء يجن جنونهم، ولذلك انتفض النواب الجمهوريون ليدافعوا عن اسرائيل ويطالبوا مكتب التحقيقات "افي بي اي" بالتحقيق مع الحركة.
في التفاصيل دعا ثلاثة من النواب الجمهوريين في مجلس النواب الأمريكي مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) للتحقيق في حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (بي دي أس) تحت مزاعم بأن لها صلات مشبوهة بالإرهاب، وهي مزاعم روج لها اللوبي اليهودي والإسرائيلي في الولايات المتحدة منذ فترة طويلة.
وزعم النائب تيم بورشيت (جمهوري من تينيسي) والنائب جريج ستيوبي (جمهوري من فلوريدا) والنائبة ماريا سالازار (جمهورية من فلوريدا) في خطاب تم إرساله إلى قسم الإرهاب في مكتب التحقيقات بأن هناك “مخاوف جدية” من أن الأمريكيين، الذين يتبرعون للمنظمات التابعة لحركة المقاطعة قد يمولون الجماعات والحملة الفلسطينية للمقاطعة.
وزعم النواب أن اللجنة الوطنية الفلسطينية للمقاطعة قد يكون لها صلة بجماعات إرهابية مصنفة في قائمة الإرهاب، مثل حركة الجهاد وحركة حماس .
بكل الاحوال في الولايات المتحدة الأمريكية لا يهم ان كانوا جمهوريين أو ديمقراطيين في كلا الحالتين، سيدعمون الاحتلال الاسرائيلي حتى النخاع ومن دون قيد او شرط، ومع ذلك تمكنت حركة "مقاطعة اسرائيل" من أن تترك تأثيراً واضحا وتقلق راحة الاسرائيليين والامريكان، وهذا ما أدى إلى اضطراب القيادة الإسرائيلية التي حذَّر رئيسها، روفين ريفلين، من أن الحركة يمكن أن تشكِّل "تهديدًا استراتيجيًّا للدولة". فانخفاض التوقعات بجدوى عملية السلام الفلسطينية-الإسرائيلية والسياسات العنصرية والقمعية التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين، اضطر الناشطون الفلسطينيون وحلفاؤهم الدوليون للسعي لإيجاد بدائل متنوعة لعزل إسرائيل ومعاقبتها؛ بهدف إجبارها على الاعتراف بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. ونتيجة لتراكم إنجازات الحركة، فقد بدأت أهدافها تحظى بدعم عدد متزايد من الفنانين، والنقابات الطلابية والمهنية، والزعماء الدينيين في بلدان متعددة؛ ما صعَّد من الهجمة الإسرائيلية على الحركة وناشطيها بهدف محاصرتهم وتحجيمهم.
ما هي بي دي إس؟
تعرّف حركة "مقاطعة اسرائيل" نفسها على موقعها الإلكتروني بأنها "حركة فلسطينية المنشأ عالمية الامتداد، تسعى لمقاومة الاحتلال والاستعمار-الاستيطاني والأبارتايد الإسرائيلي، من أجل تحقيق الحرية والعدالة والمساواة في فلسطين وصولاً إلى حق تقرير المصير لكل الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات".
تأسست حركة بي دي إس عام 2005، وهي اختصار للكلمات الثلاثة: المقاطعة (Boycott) وسحب الاستثمارات (Divestment) وفرض العقوبات (Sanctions)، أو ما يتم الإشارة إليه في أغلب الأحيان بـ(BDS). مستلهمةً أهدافها واستراتيجياتها من حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة الأميركية بقيادة مارتن لوثر كينغ، وحركة النضال ضد الفصل العنصري في جنوب إفريقيا بقيادة نيلسون مانديلا. وقد وقّع أكثر من مئة وسبعين منظمة فلسطينية غير حكومية، وأحزاب سياسية، ونقابات مهنية، وهيئات واتحادات، وحملات شعبية على عريضة نداء حركة المقاطعة.
وكما يظهر على الموقع الإلكتروني للحركة، فإنّ نداء المقاطعة يطالب إسرائيل بالاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، والانصياع للقانون الدولي عن طريق:
أولًا: إنهاء احتلالها واستعمارها لكل الأراضي العربية وتفكيك الجدار.
ثانيًا: الاعتراف بالحق الأساسي بالمساواة الكاملة لمواطنيها العرب الفلسطينيين.
ثالثًا: تطبيق حق العودة بناءً على قرار الأمم المتحدة رقم 194.
أي إنَّ أهداف الحركة الثلاثة ترتكز على مطالب ومظلومية جميع الفلسطينيين، وليس فقط فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة الذين يشكِّلون فقط 38% من مجموع الفلسطينيين في العالم، حسب الحركة. فالحركة تريد أيضًا أن تعالج مطالب فلسطينيي الشتات (يشكِّلون تقريبًا 50% من الفلسطينيين)، والفلسطينيين المقيمين في إسرائيل منذ عام 1948 (يشكِّلون 12% من مجموع الفلسطينيين) والذين يتعرضون لتمييز عنصري متنامٍ من قِبل المجتمع الإسرائيلي.
ينشط في الحركة مجموعة كبيرة من الفاعلين الذين يتجاوزون الحدود المحلية إلى المستوى الدولي. وعلى الرغم من أن مرجعية الحركة وقيادتها تُعتبر فلسطينية كما يوضِّح عمر البرغوثي، أحد مؤسِّسي الحركة، إلا أنها تعتمد -وبشكل كبير- على الجهود التطوعية لأفراد ومؤسسات مؤيدين لحقوق الفلسطينيين على مستوى العالم، إضافة إلى المبادرات الفردية والجماعية المنظمة؛ حيث تنسق الحركة مع حلفائها حول العالم. كما ينتمي للحركة عدد قليل من الإسرائيليين المناصرين لها والمعادين للصهيونية والمتبنِّين لأهداف الحركة المنادية بالمقاطعة الكاملة، وهو ما أسهم في نزع الفكرة الإسرائيلية التي تروِّج في الغرب على أن الحملة معادية للسامية.
ويمكن تقسيم استراتيجية الحركة والمساندين لها إلى قسمين رئيسيين: قسمٍ يعمل خارجيًّا، وقسمٍ يعمل داخليًّا.
أولًا، العمل خارجيًّا: تعتمد استراتيجية بي دي إس على التغيير التدريجي الذي تسعى من خلاله كخطوة أولى إلى مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها في كل المجالات (الاقتصادية والأكاديمية والثقافية والرياضية والعسكرية)؛ وذلك للوصول إلى الخطوة النهائية المتمثّلة في عزل إسرائيل وفرض حصار دولي عليها بأشكال متعددة.
تدرك بي دي إس تعقيد التحالفات الدولية الداعمة لإسرائيل واختلاف السياقات الدولية؛ لذلك تتبنَّى الحركة مبدأ "حساسية السياق"، بمعنى أن نشطاء الحركة وحلفاءهم يقومون برسم أهدافهم واستراتيجياتهم التي تراعي ظروفهم المحلية وسياقات التفاعل معهم. لذلك، يتم وضع حملات الحركة المختلفة بصورة غير مركزية. فبعض النشطاء يمكن أن يقرروا مقاطعة جميع الجامعات الإسرائيلية، بينما يرى البعض الآخر مقاطعة الشركات المتورطة في الاستثمار بشكل غير قانوني في مستوطنات الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1967. لهذا السبب بالتحديد، يستهدف غالبية نشطاء الحركة في أوروبا -على سبيل المثال- الاستثمارات في المستوطنات الإسرائيلية، والتي لا تشكِّل انتهاكًا للقانون الدولي فقط، بل أيضًا يمكن أن تشكِّل انتهاكًا لبعض القوانين والإجراءات الأوروبية التي تحظر الاستثمار في المستوطنات.
ولإجبار الشركات على سحب استثماراتها من إسرائيل، يقوم ناشطو الحركة بحملات منظمة ومستدامة تستهدف مهاجمة الشركات التي تستثمر في إسرائيل (وخاصة في مستوطنات الضفة الغربية) من خلال التهديد بمقاطعة منتجاتهم أو التحريض عليها، أي إن الحركة تسعى إلى تعبئة المستهلكين للامتناع عن شراء منتجات الشركات أو خدماتها، وبالتالي تقليل الإيرادات وفرض تكاليف إضافية في السوق عن طريق إحداث ردود فعل سلبية بين جمهور المستهلكين وتدمير سمعة هذه الشركات بين زبائنها؛ بهدف زيادة الضغوط على هذه الشركات من خلال التركيز على صورتها وسمعتها.
ثانيًا، العمل داخليًّا: تقوم استراتيجية الحركة داخل الأراضي المحتلة عام 1967 على السعي لمقاطعة المنتجات والمؤسسات الإسرائيلية ونشر التوعية بين الفلسطينيين حول أهمية المقاطعة. وتعتبر "اللجنة الوطنية لمقاطعة إسرائيل" و"اللجنة التنسيقية للمقاطعة الشعبية" والتي تشكَّلت حديثًا إحدى أهم الأدوات التي يتم استخدامها للتعبئة الشعبية. كما تسعى الحركة إلى تشجيع المنتج الوطني وتوفير البديل للمنتج الإسرائيلي من حيث الجودة والسعر.
موقف كيان العدو من حركة مقاطعته
تحارب إسرائيل الحركة المنادية بمقاطعتها، ففي يونيو/حزيران 2016، أعلن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، أن حركة مقاطعة إسرائيل "BDS" تشكل "خطراً استرايتجياً"، وكلف وزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية بمحاربة نشاطاتها، وفق صحيفة Haaretz الإسرائيلية. كما اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود باراك، أنها باتت تقارب نقطة تحول خطيرة لإسرائيل.
في 2017 نشرت صحيفة Times of Israel الإسرائيلية خبراً عن موافقة الحكومة الإسرائيلية على خطة تخصص 72 مليون دولار لمحاربة حملة المقاطعة، في أكبر استثمار نقدي من الحكومة في محاربة نشاطات الحركة.