الوقت- كما كان متوقعًا، أدى الإعلان الرسمي عن انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان من قبل إدارة بايدن إلى تكثيف موجة العنف والصراع الأهلي في هذا البلد.
فبعد إعلان 11 سبتمبر موعدًا لانسحاب القوات الأمريكية، شنت طالبان هجومًا عسكريًا واسع النطاق ضد الحكومة المركزية، وبحسب المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد، استولت الجماعة على 30 مدينة في مناطق متفرقة من أفغانستان منذ 40 يومًا تقريبًا.
على الرغم من أن وزارة الدفاع الأفغانية نفت تمامًا مزاعم طالبان، مشيرة إلى أن طالبان لم تستول على مدينة واحدة، بل القوات الحكومية استخدمت التراجع التكتيكي في بعض المناطق، إلا أن الواقع هو أن الساحة الداخلية لأفغانستان تسير الآن على طريق حرب كبرى، وسيزداد الوضع سوءًا في المستقبل القريب.
هجمات طالبان سعيًا للسيطرة على مدن مختلفة
خلال الأسابيع القليلة الماضية، كانت هناك العديد من التقارير الميدانية والإعلامية عن هجمات طالبان في أجزاء مختلفة من البلاد.
وفي هذا الصدد، تشير تقارير محلية إلى أنه خلال الأسبوع الماضي، سقطت في أيدي حركة طالبان مدن قيصار ودولت أباد في ولاية فارياب، بلدة وتولاك في غور وجيزاب وتشنارتو في أوروزغان، جغتو وأب باند في غزني وسنغ أتاش وجوند في بادغيس، اشکمش وبئر الماء في تخار، ارغنجخواه في بدخشان، باتو في دايكوندي، وسوزمه قلعة في ساربول وزارع في بلخ.
كما أشارت تقارير إعلامية إلى تكثيف هجمات طالبان في أربع مدن في أقاليم زابل في الجنوب وفراه في الغرب وقندوز في شمال شرق أفغانستان.
وفي هذا الصدد، أعلن مسؤولون أمنيون في أفغانستان أنه بسبب تصاعد هجمات طالبان، سقطت مدينة أرغنداب في ولاية زابل في أيدي حركة طالبان، وتم نقل مركزها الإداري إلی مکان آخر. كما زعمت طالبان أنها سيطرت على جميع مناطق أرغنداب مع انسحاب قوات الأمن من المدينة.
محافظة زابل بها إحدى عشرة مدينة، وبسبب التهديدات الأمنية وانتشار هجمات طالبان، تم من قبل نقل مراكز مدن أتغر ونوبهار وميزان ودايتشوبان إلی أماکن أخری.
على مستوى آخر، تشير تقارير جديدة إلى أنه في ولاية قندوز شمال شرق أفغانستان، سقط سوق مدينة "علي آباد" في الإقليم في هجمات طالبان، وقتل ما لا يقل عن 15 من قوات الأمن.
وقال مسؤولون محليون في محافظة فراه الغربية لوسائل الإعلام، إن بلدتي "لاش وجوفين" و"بشت رود" في الإقليم قد خرجتا عن سيطرة الحكومة.
تقع مدينة لاش وجوفين على بعد 90 كم غرب مدينة فراه وتحدها إيران، کما تقع مدينة بشت رود على بعد 20 كم شمال شرق مدينة فراه.
محاولات طالبان لتكون لها اليد العليا على طاولة المفاوضات
تأتي الجولة الجديدة من هجمات طالبان للسيطرة على مدن مختلفة في أفغانستان، مع استمرار المحادثات بين الحكومة والجماعة في العاصمة القطرية الدوحة.
وكان المتحدث باسم طالبان "سهيل شاهين" قد ادعى أنهم ناقشوا في الاجتماعات الأخيرة قضايا کانت على جدول الأعمال، وتسريع عملية السلام الأفغانية والتوصل إلى تفاهم مشترك.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو، لماذا تسعى طالبان، في خضم محادثات الدوحة، للسيطرة العسكرية على البلاد بشکل حاد؟ وبمعنى آخر، إن النقطة الملفتة للنظر هي كيف يمكن تحليل وقراءة المفارقة والتناقض بين الحرب والسلام فيما يتعلق بطالبان؟
فيما يتعلق بهذه المسألة، يمكن القول إنه في أعقاب الإعلان عن الانسحاب الرسمي للقوات الأمريكية في 11 سبتمبر، تسعى طالبان إلى تحقيق هدفين رئيسيين عبر شن حرب شاملة.
أولاً، التقدم العسكري للحرکة في مجال المعادلات الداخلية يعني أن تكون لها اليد العليا وتکتسب المزيد من الامتيازات في ساحة مفاوضات السلام؛ وثانيًا، تحاول طالبان من الآن توفير الأساس للسيطرة الكاملة والاستيلاء على السلطة لصالحها.
في الواقع، تسعى طالبان للسيطرة الكاملة على السلطة، وهي تدرك جيدًا أنها لا تستطيع تحقيق مثل هذا الهدف دون التحرك العسكري. کما أنهم يعلمون جيدًا أنهم لن ينجحوا في انتخابات ديمقراطية، وأي خضوع للحكومة الائتلافية لن يقودهم إلى هدفهم النهائي المتمثل في إقامة الإمارة الإسلامية.
تفاقم انعدام الأمن في الساحة الداخلية لأفغانستان والدور المهم للفاعلين الإقليميين
في الوضع الحالي، من المؤكد أنه قبل التوصل إلى اتفاق بين الحكومة وطالبان، تسعى الجماعة للسيطرة الكاملة على 13 ولاية بشتونية.
في الواقع، تعتقد طالبان أنه بعد انسحاب القوات الأمريكية، يمكنهم إعداد قواتهم للهجوم ومحاولة الاستيلاء على مناطق ومراكز حساسة في أفغانستان، من أجل الاستيلاء على السلطة بسهولة.
لكن خطة طالبان تواجه مشكلةً كبيرةً تتمثل في معارضة قوية من الطاجيك والأوزبك والهزارة. وهذه القبائل، مثل طالبان، على استعداد تام لحمل السلاح.
في الحقيقة، إذا أرادت طالبان الاستيلاء على السلطة من خلال العسكرة، فإن الشعب الأفغاني، وهو يعلم أن مثل هذا الحدث يعني نهاية وتجاهل خلافاته الإثنية العرقية والدينية، سوف يسلك طريق المقاومة ويواصل الحرب.
في الواقع، بقدر ما تكون طالبان قويةً ومتحمسةً، فإن لدى سکان الشمال الدافع والقوة للدفاع عن النفس أيضًا. ومثل هذا السيناريو يمكن أن يؤدي حتمًا إلى حرب أهلية جديدة في أفغانستان، ويزيد من انعدام الأمن في البلاد إلى أعلى مستوى ممكن.
ومع ذلك، من المهم أن نلاحظ أن دور الفاعلين الإقليميين يجب أن يؤخذ في الاعتبار في قضية تحركات طالبان والمستقبل السياسي لأفغانستان.
إن وجود الولايات المتحدة على مدى عقدين من الزمن في أفغانستان كقوة عبر إقليمية، أوضح للجميع أن السلام والاستقرار في هذا البلد لن يمر عبر الجهات الفاعلة عبر الإقليمية، ولا يمكن البحث عن آفاق للسلام أو اتفاق لطالبان مع الحكومة المركزية الأفغانية إلا ضمن مجموعة أمنية إقليمية.
وفي السياق الحالي، من المهم ملاحظة أن الحكومة الأفغانية لا تملك القدرة على مواجهة طالبان عسكريًا. فعلى مدى العقدين الماضيين، وعلى الرغم من أن القوات الحكومية كانت تقاتل طالبان على الأرض، إلا أن الدعم الجوي لحلف شمال الأطلسي هو الذي هزم طالبان.
في الواقع، وبالنظر إلى التجربة التاريخية، وخاصةً تجربة حكومة الدكتور نجيب الله، نرى أنه عندما سحب الروس قواتهم من أفغانستان، على الرغم من عامين من المقاومة، نشأت ظروف أدت في النهاية إلى الانقسام العرقي للحكومة الأفغانية. حيث تحوَّل البشتون إلى طالبان، والطاجيك والأوزبك والآلاف إلى جيش الشمال.
وفي ظل الوضع الحالي أيضًا، يعتبر أشرف غني وعبد الله عبد الله أن مثل هذا الاحتمال ممكن، وهناك إمكانية تفكك أفغانستان أكثر من أي وقت مضى.
لكن في غضون ذلك، من المهم ملاحظة أن طالبان لا تتخذ قرارات مستقلة تمامًا، ويمكن لجهاز المخابرات العسكرية الباكستاني(ISI) أن يلعب دورًا مهمًا في هذا الصدد.
من المحتمل أن تجبر إسلام أباد طالبان على حضور قمة الدوحة بضغط أمريكي. کما يمكن أن يكون للجهات الفاعلة الإقليمية مثل إيران والسعودية وحتى روسيا والصين، تأثير عميق على معادلات السلام المستقبلية في قطر.
ومن هذا المنظور المليء بالغموض، فإن بصيص الأمل الوحيد هو مسؤولية الحكومة الأفغانية للعمل عن كثب مع الجهات الفاعلة الإقليمية، التي يمكنها تحريك المعادلات المستقبلية للبلاد نحو إيجاد حل للحد من الأزمة.