الوقت- دائماً ما كانت السعودية تعلن أنها تتجه لتقليل الاعتماد على النفط كمصدر أساسي لاقتصاد الدولة الأكبر إنتاجاً للنفط في العالم. وفي هذا السياق وقبل أيام، صرح وزير الطاقة السعودي أن بلاده لم تعد نفطية، بل إنها "دولة الطاقة العظمى"، في إشارة إلى اتجاه الرياض لإنتاج الطاقة البديلة، إضافة إلى النفط، حسبما يقول موقع "أويل برايس".
طموحات ضخمة ولكن!
يبدو أن السعودية لديها طموحات ضخمة تتمثل بإنتاج الغاز والطاقة المتجددة والهيدروجين، في حين رفعت المملكة بالفعل سعر بيع النفط الرسمي لشهر يوليو إلى آسيا.
وعن هذا التحول قال الوزير السعودي: "نحن في السعودية في قمة الوعي في الاستغلال الأمثل لمصادرنا الهيدروكربونية ومصادرنا الأخرى للطاقة وهذا يجعلني أردد مراراً أن السعودية لم تعد دولة منتجة للنفط بل دولة منتجة للطاقة"، مؤكداً ثقته في نجاح بلاده أن تكون رائدة في كل هذه المجالات.
ويشير "أويل برايس" إلى أن ذلك لا يعني نية السعودية تخفيض إنتاجها من النفط، أو أنه لن يلعب دوراً مهماً في اقتصادها، بل إن شركات النفط الوطنية - و لا سيما في العديد من دول أوبك - حريصة جداً على الاستفادة مما سيكون بالتأكيد زيادة في أسعار النفط في خططها للنهضة.
وتجاوز سعر خام برنت أكثر من 71 دولاراً، الاثنين. ومن المؤكد أن السعودية ستستفيد من ارتفاع أسعار النفط ضمن خططها للتحول للطاقة الجديدة، إذ تسعى الرياض لتمويل مشاريع الطاقة الخضراء من مبيعات النفط.
الرياض تطلق النار على نفسها
هناك العديد من المؤشرات التي يمكن من خلالها قياس قوة الاقتصاد العالمي أو المحلي لدولة ما ومن بينها أسعار الأسهم في البورصات المحلية والدولية، القدرة الشرائية للدول والأشخاص، معدلات التضخم، أسعار العقار وسواها.
كما أن أسعار النفط تمثل واحدة من أهم القضايا الاقتصادية التي تهتم وسائل الإعلام بها. ولكن انتشار وباء فيروس كورونا أعاد قضية النفط الى الواجهة، واصبحت متابعة شؤونه وخصوصاً اسعاره هماً ليس لدى الاقتصاديين فحسب بل المحللين السياسيين ايضاً. كان الحديث عن اسعار النفط محصوراً عادة بأوقات الأزمات، وكثيراً ما كان مادة للمساومة بين الدول المصدرة للنفط التي تتصارع سياسياً، مثل إيران والسعودية في الوقت الحاضر. هذا بالرغم من ان النفط تسبب في ازمات عديدة وخصوصاً خلال نصف القرن الاخير.
الازمة الاقتصادية العالمية الناجمة عن انتشار الوباء أدت إلى ضرب اسعار النفط. ساهم في هذه الضربة شبه القاضية قرار سعودي خاطئ جاء في وقت خاطئ و لأسباب خاطئة. ففي الاسبوع الثاني من آذار/ مارس 2020 اعلنت السعودية حرباً نفطية بعد انهيار تحالف اوبك + روسيا. وقررت زيادة انتاجها من 10 الى 13 مليون برميل يومياً.
وفي 7 آذار/ مارس بدأت خفض أسعار النفط الخام للأسواق الخارجية لتوفر خصومات غير مسبوقة للمشترين في آسيا وأوروبا والولايات المتحدة لإغراء مصافي التكرير على شراء الخام السعودي على حساب بقية المصدرين. كان واضحاً لدى الاقتصاديين والمراقبين أن ذلك قرار خاطئ حيث كانت الدول تتجه للدخول في حجر صحي كامل، وبذلك ستتوقف اقتصاداتها بشكل كبير. وفي 15 آذار/ مارس نشرت وكالة الأنباء الألمانية تقريراً بعنوان: الرياض تطلق النار على نفسها وعلى الأشقاء في سوق النفط، متسائلة: هل ستنجو الرياض والدول العربية الأخرى من تداعيات ذلك أم ستأتي الحسرة في وقت لا ينفع فيه الندم؟
خطأ فادح في الحسابات السعودية
ثمة أمور عديدة تؤكد الخطأ الفادح للحسابات السعودية، السياسية والاقتصادية. أولها ان مسؤوليها كانوا يعتقدون ان بإمكانهم استيعاب انهيار الأسعار. فبعد أسبوع من اعلان السعودية حربها النفطية وخفض الاسعار للانتقام من روسيا قال الرئيس التنفيذي لـ«أرامكو«، أمين الناصر: «باختصار، يمكن لأرامكو التعايش مع السعر الشديد الانخفاض ويمكنها تحمله لفترة طويلة». وقال المدير المالي للشركة، خالد الدباغ، إن أرامكو «مرتاحة للغاية» في ظل سعر 30 دولاراً للبرميل: «نحن مرتاحون بأنه يمكننا تلبية تعهداتنا بشأن التوزيعات، ومرتاحون جداً إلى أنه يمكننا بلوغ توقعات مساهمينا عند ثلاثين دولاراً (للبرميل) أو حتى أقل».
هذه الأحلام الوردية سرعان ما تبددت. ففي غضون شهر واحد فحسب، بدأت شركة أرامكو السعودية سعيها لاقتراض عشرة مليارات دولار لتمويل شراء حصة في شركة «سابك» الصناعية. ويبدو ان التفكير بقوة وهمية يمثل أهم نوازع الساسة السعوديين للإقدام على خطوات خطيرة سرعان ما تؤدي إلى نتائج سلبية. فإضافة إلى خطأ حساباتهم المتكررة (ومنها اجتياح البحرين عسكريا في 2011، شن الحرب على اليمن واستهداف قطر) عندما قرروا إغراق السوق بالنفط، ظهر بشكل واضح خطأ حساباتهم العام الماضي عندما قرروا تعويم «ارامكو«. فقد حاولوا تسويق ثمن خيالي للشركة بأكثر من 2 تريليون دولار (2000 مليار) وهو الثمن الذي كان يدور في مخيلة ولي العهد محمد بن سلمان، ولكن في الصيف الماضي قالت المصارف الدولية الكبرى ذات الصلة ان سعر الشركة يتراوح بين 1.1 و 1.6 تريليون. فقررت الحكومة تعويم 15 بالمئة فقط من الشركة، ولم تستطع تحقيق اكثر من 26 مليار دولار عندما طرحت عبر شركة «تداول» للأسواق المالية.
مؤشرات على فشل خطط التحول السعودي من الاعتماد على النفط
في مؤشر جديد على فشل خطة التحول الاقتصادي من الاعتماد على النفط في السعودية والتي أُطلق عليها "رؤية 2030"، تناولت شبكة أمريكية تقريراً عن صندوق النقد الدولي، يتحدث عن خيبة أمل الاقتصاد العالمي في أداء الاقتصاد السعودي.
شبكة "بلومبيرغ" الأمريكية تناولت التقرير الذي أصدره صندوق النقد الدولي، والذي قال إنه تم تخفيض توقعات النمو الاقتصادي للسعودية في العام 2019، للمرة الخامسة خلال فترة قصيرة، وهو ما جعلها واحدة من أسوأ الدول الكبرى على صعيد تحقيق النمو الاقتصادي .
وأشار التقرير إلى أن توقعات النمو الاقتصادي للسعودية سوف تنخفض من 1.9% إلى قرابة صفر (0.2%). كما خفضت وكالة موديز توقعاتها للنمو الاقتصادي السعودي لهذا العام من 1.5% إلى 0.3%.
أحاطت الإخفاقات بالمشروعات والخطط الاقتصادية الرئيسية، التي أدرجها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ضمن رؤية 2030 التي طرحها قبل نحو عامين وروج لها على أنها مستقبل السعودية، ما دعا مؤسسات مالية وبحثية عالمية إلى تبني مواقف أكثر تشاؤمية لمستقبل المملكة في ظل الفشل المتوالي على الصعيد الاقتصادي واستنزاف موارد الدولة.
كما أظهرت العديد من التقارير الدولية، فشل 5 مشروعات وخطط ضخمة على رأسها إلغاء طرح حصة من شركة أرامكو عملاق النفط السعودي في أسواق المال العالمية، ما أدى إلى توجيه ضربة قاسية لرؤية بن سلمان، ما دعا وكالة بلومبيرغ الأميركية إلى نشر تقرير تطالبه فيه بأن "يفكر على قدر حجمه".
كما يحيط الغموض بمشروع ضخم للطاقة الشمسية بنحو 200 مليار دولار رغم التصريحات السعودية باستمراره، فيما تؤكد بيانات رسمية استدانة صندوقها السيادي المليارات من الأسواق الدولية.
بعد كل هذه المؤشرات والأرقام التي تدل على فشل المشاريع الاقتصادية السعودية واحداً تلو الآخر يظهر الوزير السعودي ليقول أن السعودية "دولة الطاقة العظمى" وكأنه يخاطب همج ورعية، أو أن الوزير قد نسي أن الشعب بات يعي ويعرف بالأمور الاقتصادية أكثر من الوزير نفسه وأن هذه الخطابات والمسكنات لم تعد تعطي نتيجة في دولة يعاني اقتصادها الأمرين وشعبها يعيش على المعونات الحكومية وينتظرها ويراقب أخبارها بعد أن كان من أغنى الشعوب في العالم.