الوقت - إن الحرب الإسرائيلية الأخيرة على فلسطينيي قطاع غزة، رغم أنها انتهت ظاهرياً بوقف إطلاق النار، إلا أنه لم يتم وصفها من قبل وسائل اإعلام المقاومة "بانتصار حماس" فحسب بل وصفتها العديد من وسائل الإعلام الغربية المعادية للمقاومة بذات الوصف. حتى وسائل الإعلام التابعة للكيان الصهيوني اعترفت باستسلام إسرائيل لحماس في الحرب الأخيرة.
لكن ما هو سبب هذا لوصف؟ فرغم استشهاد أكثر من 200 فلسطيني في العدوان الصهيوني الأخير على غزة (في المقابل عدد القتلى الصهاينة قليل)، لماذا تُقدم حماس والفلسطينيون في غزة على أنهم هم المنتصرون في الحرب؟
تجيب صحيفة New Eastern Outlook الروسية على هذه الأسئلة في تقرير لها بعنوان "تكلفة الحرب بين إسرائيل وقطاع غزة". بدءاً من التكاليف المالية إلى إثبات عدم فاعلية دفاعات "القبة الحديدية" للكيان الصهيوني، إلى تقدم حماس العسكري وتزايد الدعم الدولي للقضية الفلسطينية، حيث غيرت الحرب الأخيرة العديد من معادلات الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى الأبد.
وتقرؤون فيما يلي ترجمة لتقرير New Eastern Outlook.
في الساعة 2:20 من فجر 21 مايو 2021، بدأ تنفيد اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس. وفي تلك الليلة أعلنت قناة الأقصى (التلفزيون الرسمي لحماس) عن بدء الاحتفال في قطاع غزة بمناسبة "انتصار حماس" في الحرب . أطلقت هذه الحركة الفلسطينية على الحرب اسم "سيف القدس". وخرج المئات إلى شوارع رام الله حاملين الأعلام الوطنية الفلسطينية احتفالاً بانتهاء القصف. وهذه المرة، أطلقوا في السماء الألعاب النارية بدلاً من الصواريخ.
بدأت الاشتباكات بين الجانبين في 10 مايو، واستمرت الهجمات الصاروخية المتبادلة بين إسرائيل وحماس لمدة 11 يوماً. وأعلن الجيش الإسرائيلي في بيان صحفي أنه استهدف 1500 هدفاً منذ بدء الحرب على قطاع غزة. وكانت وزارة الصحة الفلسطينية قد أعلنت مقتل أكثر من 220 شخصاً و إصابة أكثر من 1500 بجروح في قطاع غزة خلال الحرب الأخيرة مع إسرائيل.
على الرغم من ادعاء الجانب الإسرائيلي أن هجماته نفذت حصرياً ضد أهداف مرتبطة بحركة حماس، إلا أن مسؤولي غزة يقولون إن جميع القتلى في المنطقة هم من المدنيين.
بينما تظهر التفاصيل التي نشرت في وسائل الإعلام الأمريكية حول هذا الأمر أن واشنطن كانت على دراية كاملة باستعدادات إسرائيل للحرب، حيث كانت تل أبيب طلبت من الولايات المتحدة شحنة عالية الدقة من الذخيرة الموجهة قبل بدء الحرب.
كما علم الكونجرس الأمريكي قبل الحرب في 5 مايو بهذه الصفقة المهمة وتسليم الذخيرة لإسرائيل. ووافقت حكومة بايدن على بيع أسلحة بقيمة 735 مليون دولار إلى تل أبيب في الأيام التي سبقت الغزو الإسرائيلي لقطاع غزة. وكانت هذه الاسلحة في معظمها ذخيرة موجهة و معدات لتحويل القنابل التقليدية الى قنابل ذكية. كل هذا يعكس حقيقةً مفادها أن خطة إسرائيل لتصعيد التوترات في الشرق الأوسط تم تنفيذها بموافقة الولايات المتحدة. على الرغم من أن واشنطن أدانت في البداية العدوان الإسرائيلي، إلا أنها كررت لاحقاً دعمها لقصف قطاع غزة.
منذ اليوم الثالث للحرب فصاعدا، عندما كانت الدفاعات الصاروخية الإسرائيلية "القبة الحديدية" تصاب بالعجز أمام صواريخ حماس، أرسلت الولايات المتحدة سرا عدة شحنات من صواريخ الباتريوت وصواريخ الدفاع الجوي إلى إسرائيل لدعم حليفها في الشرق الأوسط في إجراء كشف لاحقاً. بينما كان الرئيس بايدن قد قال علناً أن بلاده لن تتدخل في الصراع المسلح بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وبحسب المعلومات المتوفرة هبطت طائرة الشحن الأمريكية C-17 التي تحمل هذه المنظومات في مطار تل أبيب بحجم كبير من الحمولة. وقيل إن الطائرة كانت تنقل سرا تعزيزات لدعم الجيش الإسرائيلي.
انطلقت طائرة C-17 الأمريكية يوم 13 مايو من قاعدة رامشتاين الجوية في ولاية راينلاند بالاتينات [ألمانيا] في وقت متأخر من الليل، وهبطت في مطار بن غوريون في اليوم التالي. تجدر الإشارة إلى أن فعالية الدفاعات الجوية الإسرائيلية ، وكذلك عدد الصواريخ التي أطلقتها حماس ، زادت بعد تحليق طائرة الشحن الأمريكية بالرغم من عدم تعليق المسؤولين الأمريكيين على هذا الأمر.
السمة الدائمة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بما في ذلك جولة التوترات الأخيرة، كانت الهجمات الروتينية الصاروخية. لكن في الحرب الأخيرة، استخدم مقاتلو حماس صواريخ صنعوها بقطع مبتكرة وفي ورش يدوية من أجل تشويه سمعة الدفاعات الصاروخية الإسرائيلية وتكبيدها خسائر عسكرية، لا سيما القبة الحديدية التي يتفاخر بها الإسرائيليون كثيراً.
لم تعد المصادر الرسمية في إسرائيل فقط تتحدث عن عدم كفاءة القبة الحديدية بنسبة 100٪. بل تُظهر إحصاءات الحرب الأخيرة أن عددا كبيرا من الصواريخ التي أطلقها الفلسطينيون على إسرائيل قد نجحت بعبور هذا المنظومة. حيث أظهرت هذه الحرب أن القبة الحديدية فيها نقاط ضعف بما في ذلك عدد الصواريخ القليل في قاذفاتها، حيث تستغرق وقتاً طويلاً للتزود مجدداً؛ ومجموعة الصواريخ المضادة للطائرات ليست كبيرة جدا. ما فعله الفلسطينيون لاستغلال كعب أخيل هذا هو إطلاق عدد كبير من الصواريخ على كل هدف من أهدافهم. وبهذه الطريقة حاولوا زيادة العبء على القبة الحديدية التي كانت كل منها تدافع عن منطقة معينة. وقد نجحوا في بعض الحالات بالقيام بذلك. بالإضافة إلى ذلك ثبتت حقيقة أخرى وهي إطلاق صواريخ كروز على إسرائيل من الأراضي السورية وفشل الدفاع الإسرائيلي باعتراضها.
كما تجدر الإشارة إلى أنه وفقاً لتقديرات مختلفة، قد تصل تكلفة إنتاج كل من صواريخ القبة الحديدية إلى 100 الف دولار. بينما إنتاج أكبر الصواريخ الفلسطينية غير الموجهة لا يكلف أكثر من بضع مئات من الدولارات. لذا حتى لو أخذنا في الاعتبار التكاليف المالية للحرب الأخيرة فقط ، نرى ان اعتراض حفنة من "الخردة المعدنية" بصواريخ متطورة يعد سياسة مكلفة للغاية. مكلفة لكل من إسرائيل والولايات المتحدة التي تزود الإسرائيليين بـ "قدرات الحرب". وقد يكون من الأصح القول إن هذه التكلفة يتحملها دافعو الضرائب الأمريكيون الذين يدفعون ثمن مغامرات نتنياهو العسكرية وأنصاره من النخبة العسكرية والسياسية الأمريكية.
هناك نقطة أخرى لا ينبغي نسيانها: من المرجح أن يحصل الفلسطينيون في المستقبل على صواريخ بعيدة المدى أكثر تقدما، مما قد يسبب مصاعب أكبر بكثير للدفاع الإسرائيلي. خاصة في ظل تزايد عدد الداعمين للفلسطينيين. ليس من الضروري لهؤلاء الداعمين دعم الفلسطينيين رسمياً. فقد يصل هذا الدعم إلى الفلسطينيين من خلال مساعدين خاصين، على الأقل المتواجدون في تركيا أو السعودية أو حتى مصر.
لذلك، في ظل الوضع الراهن، من مصلحة إسرائيل والمجتمع الدولي حل القضية الفلسطينية. لأنه إذا بدأت جولة جديدة من الصراع المسلح بين إسرائيل وفلسطين، فإن النتيجة ستكون أكثر إيلاما لجميع الأطراف.