الوقت- عندما دعا دونالد ترامب، يوم السبت (12 يوليو/تموز)، في رسالة على منصة "تروث سوشيال" للتواصل الاجتماعي، أنصاره المتحمسين، إلى تجاوز قضية إبستين، ردًا على غضبهم من قضيتي إبستين، بدا الأمر كما لو أن ماءً مثلجًا قد سُكب على رؤوسهم، وتُعدّ حركة "لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" (MAGA) إلى حد ما أكثر شرائح المجتمع الأمريكي تماسكًا واستمرارية، والتي التزمت بدعم ترامب بتعصب طائفي صارم على مدى السنوات الثماني الماضية، لكن يبدو أن قضية جيفري إبستين، التي أصبحت ثقبًا أسودًا هائلًا في النسيج الاجتماعي والسياسي لأمريكا، قد غيرت مجرى القصة تمامًا. مؤيدو ترامب في المجتمع، الذين كانوا في السنوات الأخيرة، وخاصة بعد هزيمته في عام 2020، مبتهجين بشعاراته "أمريكا أولاً" و"تجفيف مستنقع" الفساد السياسي وما شابه، يشهدون الآن بدهشة أن وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) الخاضعين لسيطرته، يُخفون، بطريقة ما، وبوقاحة، قضيةً كانت من أبرز اهتمامات إدارة بايدن خلال عهد الديمقراطيين.
ووفقًا لشبكة NBC News، في أحد أكبر تجمعات مؤيدي دونالد ترامب من حركة "لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا" في تامبا، فلوريدا (السبت الماضي)، تأثر كل شيء بموقف إدارة ترامب المُعلن مؤخرًا من قضية إبستين، كل ما نوقش تقريبًا في قمة العمل الطلابي في تامبا، التي استضافتها مجموعة "نقطة تحول الولايات المتحدة الأمريكية" المحافظة، كان قضية إبستين.
وقال براندون تاتوم، مُقدم البودكاست، للحضور في مركز مؤتمرات تامبا: "أعتقد أن هؤلاء الناس - ولا أعلم، ربما لديهم أسباب - لكنني أعتقد أنهم لا يُخبروننا بالحقيقة بشأن إبستين"، أعتقد أن هذا الرجل متورط في أمرٍ شريرٍ أدان الكثير من الناس، وأظن أن الكثير من هؤلاء قد يكونون حلفاء لنا أو أشخاصًا لا نريد أن نراهم يُدمرون، ولقد فاجأ ترامب جماهيره مساء السبت بمنشورٍ مطول على وسائل التواصل الاجتماعي تجاهل فيه تمامًا أهمية القضية التي شغلت أذهان اليمين لأسابيع - بل لفترة أطول.
كُتب في موقع "تروث سوشيال":
"قصة إبستين تُكرر منذ سنوات... لماذا نروج لملفاتٍ كتبها أوباما، وهيلاري كلينتون الفاسدة، وكومي، وبرينان، والمجرمون والخاسرون في إدارة بايدن؟"
وكان أنصار ترامب معه في جميع فضائحه وتقلبات مواقفه، كلما اتخذ قرارًا، كانت قاعدته تدعمه، لكن قضية إبستين تحدّت هذه الوحدة بشكل غير مسبوق.
ولقد أعلنت وزارة العدل هذا الأسبوع أنه لن يتم الكشف عن المزيد من الوثائق المتعلقة بجيفري إبستين، رجل الأعمال الراحل والمدان بجرائم جنسية، توفي إبستين في السجن عام ٢٠١٩، وحكم الطبيب الشرعي على وفاته بالانتحار، كان يواجه تهمًا بالاتجار بالجنس والتآمر، وعلى الرغم من الرواية الرسمية، ووفقًا للعديد من التقارير والدعاوى القضائية، كان جيفري إبستين، وهو ممول يهودي، على رأس شبكة كبيرة للاتجار بالأطفال جنسيًا، ولها حلفاء نافذون وذوو نفوذ داخل المؤسسة السياسية، وتضمنت قائمة عملائها شخصيات شهيرة جدًا من مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والترفيهية.
أصدرت المدعية العامة الأمريكية بام بندي مذكرة مثيرة للجدل من صفحتين، ذكرت فيها أن تحقيق وزارة العدل لم يعثر على أي "قوائم عملاء" لأفراد نافذين يُزعم أنهم شاركوا في مخططات إبستين السرية، وأنه لا يوجد "دليل موثوق على أن إبستين ابتز شخصيات بارزة".
وأثارت المذكرة غضب مؤيدي ترامب، الذين سارعوا إلى اتخاذ موقف ضد بندي - وهو شعورٌ تجلى بوضوح في مؤتمر العمل الطلابي، لسنوات، طرحت بعض الشخصيات البارزة في إدارة ترامب نظرياتٍ حول ملفات إبستين، وصرح بندي نفسه لقناة فوكس نيوز في فبراير الماضي أن "قائمة عملاء إبستين على مكتبي الآن".
كما صرّح ترامب مرارًا وتكرارًا بأنه سينشر ملفات إبستين، حتى أن بندي أبقى القضية حاضرة في فبراير بدعوة مؤثرين يمينيين إلى البيت الأبيض وتقديم بعض وثائق إبستين لهم. لكن حتى هذا النشر لم يكن كافيًا، حيث أصرّ المؤثرون - وحتى بندي نفسه - على أن مكتب التحقيقات الفيدرالي لديه المزيد من الوثائق التي لم ينشرها.
وسبق أن أصدرت وزارة العدل المرحلة الأولى من ملف إبستين للمؤثرين المؤيدين لترامب، وكانت بعض الشخصيات البارزة في إدارة ترامب تتكهن بشأن ملفات إبستين لسنوات، وصرح بندي نفسه لفوكس نيوز في فبراير الماضي أن "قائمة عملاء إبستين على مكتبي الآن"، كما صرّح ترامب مرارًا وتكرارًا بأنه سيكشف ملفات إبستين، وفي تامبا هذا الأسبوع، لم يكن هناك مفرّ من كشف ملفات إبستين، دعا العديد من الحاضرين والمتحدثين إلى إقالة بندي - حتى مع توضيح ترامب رغبته في أن يتجاوز مؤيدوه هذه القضية.
وقالت شارون ألين، إحدى الحاضرات البالغة من العمر 24 عامًا: "بالنسبة لي، الأمر لا يتعلق حتى ببام بندي، إنه يتعلق بترامب، لقد انتخبناك لأنك كان من المفترض أن تكون مختلفًا، لذا عليك أن تثبت أنك مختلف... يمكنك طرده [بندي]، وافعل ما تشاء، ولكن في نهاية المطاف، يا ترامب، أنت الرئيس، لقد وثقنا بك للقضاء على هؤلاء الأشخاص وكشفهم".
وصف أنتوني ساباتيني، عضو الكونغرس السابق عن ولاية فلوريدا ومؤيد ترامب القوي الذي حضر الحدث، منشور ترامب على موقع "تروث سوشيال" بأنه "بعيد عن الواقع"، قائلاً: "ترامب يفقد أهميته، يتم تقويضه من قبل أشخاص غير أكفاء من جميع الجهات، نحن بحاجة إلى إصلاح شامل"، دافع ترامب في رسالته على منصة "تروث سوشيال" عن بندي، لكن الحضور في القمة أيدوا بالإجماع تقريبًا مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كاش باتيل ونائبه دان بونجينو، وأفادت التقارير باستياء الشخصيتين من طريقة تعامل بندي مع قضية إبستين، وقبل انضمامهما إلى إدارة ترامب، استخدم بونجينو وباتيل منصاتهما الإعلامية المحافظة للترويج لفكرة أن قضية إبستين جزء من مؤامرة حكومية لحماية جهات سياسية نافذة.
وغرّد ترامب مساء السبت: "ما خطب "أبنائي" وفي بعض الحالات "بناتي"؟ جميعهم يلاحقون بام بندي، التي تقوم بعمل رائع!"، وأثار ترامب مرارًا وتكرارًا تساؤلات جدية حول ما إذا كان ترامب نفسه متورطًا في جرائم إبستين، بما في ذلك جرائم الزوجين إبستين-ماكسويل، لكن من غير الواضح ما إذا كان منشور ترامب سيُهدئ غضب مؤيديه.
ومساء الجمعة، على المنصة الرئيسية للقمة، سألت المعلقة المحافظة المؤثرة ومؤيدة ترامب ميجين كيلي الحضور: "بوندي أم بونجينو؟" قال تشارلي كيرك، وهو ناشط محافظ بارز ورئيس منظمة "نقطة تحول الولايات المتحدة الأمريكية"، الذي قدم البرنامج: "النتيجة هي 7000 إلى صفر".
مع ذلك، فإن العديد من مؤيدي ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي، والذين يشعرون بخيبة أمل عميقة من قرار إدارته التستر على قضية إبستين، وحتى من احتمال تورط ترامب نفسه كمشتبه به خطير، لا يميزون بين كيش باتيل وبام بندي، معتقدين أن قرار التستر على قضية إبستين اتخذه ترامب نفسه، وأن عملاء إدارته منسقون في هذا الصدد، وأن ما تسمى لعبة "الشرطي الصالح والشرطي الفاسد" لم تعد تجدي نفعًا في هذا الصدد.
وجاءت تدوينة ترامب بعد يوم من محاولات البيت الأبيض لتهدئة غضب قاعدته الشعبية، وكتب باتيل، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، على تويتر يوم السبت أن شائعات استقالته ما هي إلا "نظريات مؤامرة"، كما أصدر البيت الأبيض بيانًا يوم الجمعة يفيد بأن جميع المتورطين ما زالوا يحظون بدعم ترامب، قال المتحدث باسم البيت الأبيض، هاريسون فيلدز: "شكّل الرئيس ترامب فريقًا من ضباط إنفاذ القانون ذوي الخبرة والكفاءة، ملتزمين بحماية الأمريكيين، ومحاسبة المجرمين، وتحقيق العدالة للضحايا، ويجري هذا العمل بتنسيق ووحدة تامة، وأي محاولة لتقسيم هذا الفريق لا أساس لها من الصحة، وستنتقص من التقدم الحقيقي نحو السلامة العامة والعدالة للجميع".
لكن هذه الجهود لم تُسهم كثيرًا في تخفيف التوترات في تامبا، وقال بانون في القمة: "إبستين هو المفتاح الذي يُفتح الكثير من الأبواب - ليس فقط للأفراد، بل للمؤسسات، ووكالات الاستخبارات، والحكومات الأجنبية، ومن عملوا معه في مجتمعنا الاستخباراتي وحكومتنا"، وأضاف بانون أنه سيطلب من إدارة ترامب تعيين مدعٍ عام خاص للتحقيق في الأمر، وقال لشبكة إن بي سي نيوز في بيان: "أدعم بام في منصب المدعي العام، لكنني أعتقد أنه يجب تعيين مدعٍ عام خاص لإبستين"، ومع ذلك، كان جمهور البث المباشر في المؤتمر متفقًا تمامًا على رفض بقاء بندي في منصبه - لم أرَ مثل هذا الموقف من قبل.
وقال ستيف بانون، كبير الاستراتيجيين السابق في البيت الأبيض: "إبستاين هو المفتاح الذي يفتح آفاقًا جديدة للعديد من الأمور - ليس فقط الأفراد، بل المؤسسات، ووكالات الاستخبارات، والحكومات الأجنبية، ومن عملوا معه في مجتمعنا الاستخباراتي وحكومتنا"، وواصلت شخصيات مؤثرة أخرى في عالم "جعل أمريكا عظيمة مجددًا" انتقاده بعد ظهر السبت، حتى مع سعي البيت الأبيض لإظهار وحدته، وصرح جاك بوسوبيك، وهو مؤيد صريح لترامب، في المؤتمر بعد ظهر السبت: "لن أتوقف حتى ننظر في قضايا إبستاين كما فعلت لجنة الـ 6 من يناير، يجب معاملة كل عميل من عملاء إبستين بالطريقة التي عومل بها متظاهرو الـ 6 من يناير، هذه هي الطريقة التي يجب أن نعامل بها جميع عملاء إبستين".
