الوقت- وسط تغييرات ملموسة في السياسة الخارجية السعودية لكسر الجمود في المناخ الإقليمي والدولي، يمكن اعتبار زيارة أمير قطر إلى الرياض اليوم، بدعوة رسمية من ملك السعودية، خطوةً مهمةً أخرى في هذا الاتجاه.
لذلك، ينبغي القول إن إلی جانب مسألة تطوير التعاون وإعادة بناء العلاقات المقطوعة بين البلدين خلال السنوات الماضية، تحتاج السعودية الآن إلى دور الوسطاء وهو ما طغى على أهداف زيارة أمير قطر إلى السعودية.
الحاجة إلی قطر... من تسهيل الظروف إلى إعادة بناء الدور القيادي
هناك تكهنات قوية بأن موضوع الحوار مع إيران يشکِّل أحد مواضيع النقاش بين قادة قطر والسعودية.
وبحسب تقارير أكدتها الحكومة العراقية ومسؤولون إيرانيون وسعوديون، فقد أجرى ممثلو طهران والرياض محادثات في أرض دولة ثالثة (العراق) مرةً واحدةً على الأقل في الأسابيع الأخيرة.
ثم في مقابلة تلفزيونية، طرأ تغيير واضح وملموس في لهجة محمد بن سلمان، ولي العهد والحاكم الفعلي للسعودية، تجاه إيران، وهو ما يمثل بداية عملية ذوبان الجليد بين البلدين بعد عدة سنوات من قطع العلاقات الدبلوماسية.
في غضون ذلك، كانت قطر، مثل العراق وباكستان، من الأطراف الإقليمية التي أعلنت عن استعدادها للوساطة بين إيران والسعودية، بعد المصالحة في مجلس التعاون عقب اجتماع يناير لقادة الدول الأعضاء في المجلس.
وفي هذا الصدد، أعلن الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني وزير خارجية دولة قطر، 6 مايو، أن "الدول الخليجية تريد إجراء محادثات مباشرة مع إيران لحل المشاكل بين الجانبين".
وشدَّد على أن "قطر ترحب وتدعم أي حوار بناء لإقامة علاقات بين إيران والدول الخليجية، بما في ذلك السعودية". وعليه، يبدو أن السعودية تتطلع إلى دور قطر لتسهيل المفاوضات مع إيران.
لكن من ناحية أخرى، فإن إدراج قطر كوسيط وميسر في الجهود الدبلوماسية الأخيرة للرياض لخلق مساحة جديدة للتنفس في السياسة الخارجية، ولا سيما في سياق الحوار مع إيران، له هدف آخر.
هدف السعودية هو إعادة التماسك إلی الجبهة المفككة لمجلس التعاون، في كيفية التفاعل مع محور المقاومة، وبالتالي إعادة دور الشقيقة الكبری في مجلس التعاون، لتوجيه مسار المفاوضات مع طهران نحو مفاوضات متعددة الأطراف.
تدرك السعودية جيدًا أنها في موقف ضعيف للتفاوض مع إيران في الوضع الحالي، وبالتالي، على الرغم من استعداد الجمهورية الإسلامية المتكرر لإجراء محادثات مع الرياض، إلا أن الحكومة السعودية لم تظهر أي رغبة في الدخول في حوار جاد مع طهران.
لكن ليس من السهل تحضير مثل هذا الشيء، وقد أظهرت أزمة مجلس التعاون والحصار المفروض على قطر عام 2017، عمق الخلافات بين الدول الأعضاء في هذا المجلس في السياسة الخارجية؛ وعلى الرغم من المصالحة في مجلس التعاون وانتهاء الأزمة في الظاهر، ولکن الخلافات الكامنة في العلاقات بين أعضاء مجلس التعاون لا تزال محتدمةً ودون حل.
من ناحية أخرى، لا ينبغي أن ننسى أن المصالحة جاءت بعد فشل مواقف الدول التي فرضت العقوبات على قطر لاستسلامها وتراجعها في السياسات الإقليمية والدولية. أما بالنسبة للعلاقات مع إيران، فإن ما لم يتحقق باستخدام القوة من قبل السعوديين، لن يكون ممكناً من خلال المفاوضات.
لذلك، فإن التظاهر بالجلوس في کرسي القيادة في مجلس التعاون في المفاوضات مع إيران غير ممكن، ويبدو أن موضوع مستقبل اليمن والمحادثات النووية أولوية في تقريب مواقف دول مجلس التعاون، وخاصةً قطر.
وفي آخر موقف رسمي صدر عن وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، قال لرويترز الأسبوع الماضي إن الدول الخليجية يجب أن تتوصل إلى اتفاق مع إيران، بشأن هيكل لمعالجة المخاوف وتقليل التوترات الإقليمية.
لكن بينما أعلنت قطر دعمها لإحياء الاتفاق النووي الإيراني مع القوى العالمية، فإن السعودية تشعر بقلق عميق إزاء ذلك.
كما تتجلى الخلافات بين الرياض والدوحة في التطورات في لبنان أيضًا، وهي قضية مهمة أخرى بين إيران والسعودية.
فبينما تقف السعودية بكل قوتها لعرقلة حل الأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان، دعت قطر المجموعات اللبنانية المختلفة لإجراء محادثات شاملة، وأعلنت استعدادها للمساعدة في حل الأزمة الاقتصادية في هذا البلد. نهجٌ عزَّز مكانة قطر الإقليمية والدولية في السنوات الأخيرة.
يمكن القول بناءً على ما تقدم، إن زيارة أمير قطر للسعودية بهدف تسهيل عملية المحادثات الإقليمية بشکل رئيسي، تشير إلی اضطرار الرياض لتأييد مواقف قطر ومقارباتها، أكثر من نقل رسالة دعم قطر للمواقف السعودية في الأزمات الإقليمية.