الوقت- أصدر الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز خلال الأيام الماضية سلسلة من الأوامر الملكية، كان من أبرزها تغيير وزير الاقتصاد والتخطيط وتعيين مستشار خاص له. وقبل الخوض في دلالات هذه الأوامر لابد من إلقاء مزيد من الضوء على الفلسفة التي تقف وراءها، حيث تأتي هذه الأوامر الملكية وخاصة فيما يتعلق بالقطاع الاقتصادي للمملكة في ظل أكبر أزمة اقتصادية تعيشها المملكة السعودية، وهي تشهد تحول اقتصادي اجتماعي كبير في هذه الفترة. هذا التحول ليس نفسه الذي قصده محمد بن سلمان حين أطلق «رؤية 2030». فخطته هذه هي حلم بات بحكم الميّت سريرياً، على أقل تقدير، ولكن كل ما تتمناه السعودية اليوم هو فقط ألّا تستنزف المملكة أكثر من مقدراتها بالأزمات التي خلفها «كورونا» وتفرّعاته، وأهمها قضية أسعار النفط، ولو كان الأمر بقيام المملكة الأكثر ثراء في العالم بأكبر إجراءات تقشفية في تاريخها تطال مستوى المعيشة لدى مواطنيها.
مصير قاتم لخطة ابن سلمان
الوزير السعودي الذي تمت اقالته كان صاحب مقولة «لم نواجه أزمة كهذه منذ عقود طويلة». وكان ما يجري في الاقتصاد السعودي بأزمة «كورونا» وتداعياتها الممتدة إلى خزائن المملكة وبأزمة النفط. إلا أن نظرة أبعد للتأثيرات التي تحل بالاقتصاد السعودي اليوم تكشف عن معضلتين الأولى هي فشل مشروع «رؤية2030» لولي العهد محمد بن سلمان. والثانية المستقبل القاتم وخاصة مع حزمة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السعودية، والتي يصعب الخروج منها بأكلاف زهيدة. نعم ربما «كورونا» سرّع المصير القاتم، لتدفع مشاكل ازدياد الدين وعجز الموازنة وانكماش الناتج المحلي ونزيف العملات الأجنبية وتآكل الاحتياطي نحو الحكم بانتهاء «رؤية 2030»، في العام الذي كان مخططاً له أن تجنى أهم ثمارها فيه.
أما الإجراءات التقشّفية التي اتخذتها السعودية على لسان وزيرها المقال، كانت صارمة ومؤلمة بحسب تعبيره حيث شملت:
- رفع نسبة ضريبة القيمة المضافة ثلاثة أضعاف (من 5 في إلى 15 في المئة) بدءاً من الأول من تموز/ يوليو.
- إيقاف بدل غلاء المعيشة بدءاً من شهر حزيران / يونيو (267 دولاراً لنحو 1.5 مليون موظف حكومي).
- خفض اعتمادات عدد من مبادرات برنامح «رؤية 2030» للإصلاح والمشاريع الكبرى بقيمة إجمالية 26.6 مليار دولار.
- إلغاء بعض بنود النفقات التشغيلية والرأسمالية لعدد من الجهات الحكومية أو إرجاؤها.
أخطر انكماش منذ عقدين
علق الوزير المقال الجدعان على خطة التقشق بالقول: «الإجراءات التي تم اتخاذها وإن كان فيها ألم، إلا أنها ضرورية للمحافظة على الاستقرار المالي والاقتصادي من منظور شامل، وعلى المديين المتوسط والطويل... وتجاوز أزمة جائحة كورونا العالمية غير المسبوقة وتداعياتها المالية والاقتصادية بأقل الأضرار الممكنة».
السعودية كانت تسعى من خلال هذه الإجراءات لمنع التدهور الحاد لوضعها المالي والاقتصادي الذي وضعها أمام أخطر انكماش منذ عقدين، وفق تقديرات «بلومبيرغ». في الربع الأول، فقط، من العام الجاري، سجّلت الميزانية عجزاً بقيمة 9 مليارات دولار. وقد كان الوزير الجدعان صريحاً في تشخيص خطورة ما يجري على مستقبل الاقتصاد السعودي وضرورة التحرّك سريعاً بالقول إن الإيرادات غير النفطية تأثّرت بتوقّف من الأنشطة الاقتصادية أو تراجعها، بينما زاد الإنفاق نتيجة لضغوط لم تكن في الحسبان على قطاع الرعاية الصحيّة ومبادرات لدعم الاقتصاد، وتابع: «هذه التحدّيات مجتمعة أدّت إلى انخفاض الإيرادات الحكومية والضغط على المالية العامة إلى مستويات يصعب التعامل معها لاحقاً من دون إلحاق الضرر بالاقتصاد الكلي للمملكة والمالية العامة على المديين المتوسط والطويل. وبالتالي، وجب تحقيق مزيد من الخفض في النفقات وإيجاد إجراءات تدعم استقرار الإيرادات غير النفطية».
صراحة الوزير تطيح به
ربما تكون صراحة الوزير هي أبرز الأسباب وراء إقالته فولي العهد السعودي يصر أن خططته تسير وفق ما هو مخطط لها وقد حققت نجاحات حتى الآن إلا أن الأرقام والمعطيات التي كان يتحدث بها الوزير كانت تشير إلى العكس تماماً وهذا لم يعجب الأمير الشاب. حيث كانت كل المعطيات التي يتحدث بها الوزير تشير إلى أن عام 2020 كان عام دفن «رؤية 2030» التي أطلقها محمد بن سلمان في 25 نيسان / أبريل 2016. برنامج التحول الاقتصادي - الاجتماعي، كان وضع بالأساس في جوهره هدف التخلّص من الاعتماد الكلي على عائدات البترول والاقتصاد الريعي، وعدّ اعتماد الضريبة على القيمة المضافة عام 2018 جزءاً من عملية تنويع مصادر الدخل. بعد أربع سنوات، تنكشف الأزمة حين تُضاعف الضريبة على القيمة المضافة فقط لتغطية أزمة النفط الذي لا يزال يحتلّ المكانة ذاتها، فيما قال ابن سلمان يوم أعلن «رؤية 2030» إن الرؤية تتعامل مع أقل أسعار للنفط و«نستطيع أن نعيش في 2020 من دون نفط»!
السبب المباشر للتغيير الوزاري
التغييرات الوزارية بحسب مفهوم بن سلمان تصب ضمن سياق إجراء تغييرات عميقة تنهض بالدولة والمجتمع، وتنقل المملكة من الدولة التي تعتمد على النفط بالدرجة الأولى إلى الدولة متعددة المصادر الاقتصادية، ولكن حسب المفهوم الاقتصادي والأرقام والمعطيات تأتي هذه التغييرات بسبب عجز الاقتصاد السعودي والوزير على مماشاة خطة بن سلمان الخيالية والتي أثبتت أن الاقتصاد السعودي غير قادر على تحمل تبعاتها.
إذاً يبدو أن هناك تغيرات كثيرة طرأت على واقع المملكة الاقتصادي والاجتماعي و أصبح من الضروري إحداث تغييرات على هذه المستويات لإنقاذ ما تبقى من ماء وجه ابن سلمان وخطته رؤية المملكة 2030.