الوقت - بعد مرور 16 شهرًا على الأزمة السياسية المتمثلة في عدم القدرة على تشكيل الحكومة في لبنان، دخل التيار الوطني الحر بزعامة جبران باسيل وتيار المستقبل بزعامة سعد الحريري في جولة جديدة من الجدل السياسي حول استمرار الأزمة وحل المأزق الحالي؛ بحيث اتهم الجانبان في الأيام الأخيرة بعضهما البعض بالكذب بشأن وقف عملية تشكيل الحكومة.
حرب السيطرة علی مجلس الوزراء: ثلث ضامن أم نصف زائد واحد؟
لقد استمر عجز الحريري وإحجامه عن تشكيل الحكومة في الأشهر الأخيرة بذرائع مختلفة.
الحريري الذي أعاد رئيس الجمهورية تکليفه بتشكيل الحكومة منذ نوفمبر من العام الماضي بعد استقالة حسان دياب، يمنع إيجاد حل عملي لإخراج لبنان من المأزق السياسي والأزمة الاقتصادية الكبرى، بحجة الحاجة إلى تشكيل حكومة تكنوقراطية.
في الأسبوع الماضي، تصاعد الجدل اللفظي بين الحريري وجبران باسيل بشأن هذه القضية مرةً أخرى. حيث قال باسيل في خطاب متلفز للبنانيين يوم السبت الماضي، إن الحريري وفي اقتراحه الجديد إلى الرئيس ميشال عون لتشكيل الحكومة، دعا إلى الحصول على نصف أعضاء الحكومة زائداً واحداً، وذلك بهدف السيطرة على قرارات مجلس الوزراء.
وأضاف: إن "رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء المكلف شريكان متساويان في تشكيل الحكومة، لذلك يجب أن يتفق كلاهما على كل شيء، بما في ذلك شكل الحكومة وعدد الوزارات وتوزيع المناصب والمرشحين. ولا يمكن تشكيل الحكومة دون موافقة رئيس الجمهورية". واعتبر باسيل أن السبيل الوحيد للخروج من مأزق لبنان هو تنحية الحريري من مهمة تشكيل الحكومة من قبل مجلس النواب.
في المقابل، رفض تيار الحريري ادعاء باسيل واتهم ميشال عون وباسيل بمحاولة الاحتفاظ بـ "الثلث الضامن" في الحكومة المقبلة.
الثلث الضامن أو الثلث المعطِّل يعني حصول الأقلية علی ثلث المقاعد الوزارية زائدًا واحدًا. وهذا يمنع الأغلبية من اتخاذ قرارات مهمة وحاسمة بمفردها، خاصةً وأن الدستور اللبناني ينص على أن القرارات الحكومية تصبح مُلزمةً بعد موافقة ثلث أعضاء الحكومة عليها.
وفي هذا الصدد، قال مصطفى علوش نائب رئيس حزب تيار المستقبل الذي يتزعمه الحريري يوم الخميس، "كان لدى الحريري ملف تضمَّن تشكيلة أعضاء الحكومة كان قد اقترحها في السابق، وهو مستعد للتفاوض في كل القضايا ما عدا "الثلث الضامن".
لكن باسيل نفى هذه المزاعم، وبالإضافة إلى إعلانه عدم اهتمامه بالانضمام إلى حكومة الحريري وعدم المطالبة بأي نصيب من الوزارات، ذکَّر بحقيقة أن ميشال عون نفى مرارًا وتكرارًا أي محاولة منه لتأمين الثلث الضامن في المفاوضات مع الحريري.
وقال "إنهم (الحريري وحلفاؤه) يصرون على القول إننا والرئيس نريد ثلث أعضاء الحكومة؛ إنهم يكذبون".
إن الفرص التي يضيِّعها الحريري عمداً لتحقيق أهدافه السياسية المستقبلية آخذاً الشعب اللبناني رهينةً بيده، دفعت ميشال عون يرفع صوته للاحتجاج قائلاً "إذا كان رئيس الوزراء المکلف لا يعتبر نفسه قادراً على تشكيل الحكومة، فعليه أن يفتح الطريق أمام من يستطيع تشكيل الحكومة".
وأضاف الرئيس اللبناني: "دعوتي مصمّمة وصادقة للرئيس المكلّف إلى أن يبادر فوراً إلى أحد الخيارين المتاحين، لأن الصمت لم يعد مسموحاً به بعد اليوم".
زيارات الحريري غير المثمرة
بينما يتعرض الحريري لانتقادات بسبب مسؤوليته في إفشال العملية السياسية والإصرار على مطالب خارج نطاق القانون، الأمر الذي أضرَّ بموقعه الداخلي وانتقادات من الرئيس اللبناني، يعتزم من خلال العديد من الرحلات الخارجية والاجتماعات مع مسؤولين من دول أخرى، التظاهر بأن لديه إرادة حقيقية لتشكيل الحكومة، وإسناد المسؤولية عن الأزمة السياسية إلى الخصوم.
وفي هذا السياق، وبعد زياراته غير المثمرة للإمارات وتركيا، ولقائه بأردوغان ومحمد بن زايد، قام مؤخرًا بزيارة البابا فرانسيس، الزعيم المسيحي، ودعاه إلى لبنان للمساعدة في حل الأزمة.
ويبدو أن الحريري ومن أجل دفع ميشال عون للتراجع، يأمل في ضغط الرأي العام اللبناني المسيحي إذا حصل على دعم البابا.
ويأتي هذا العرض السياسي في الوقت الذي ألغيت فيه زيارة رئيس الوزراء اللبناني حسان دياب إلى بغداد الأسبوع الماضي، بضغط من الحريري والسعودية. زيارةٌ کانت تهدف إلى إبرام عقود اقتصادية کان يمكن أن تساعد في التخفيف من وطأة الوضع الاقتصادي المتردي للشعب اللبناني في الوضع الحرج الحالي.
من ناحية أخرى، حظرت السعودية مؤخرًا استيراد الفواكه والخضروات من لبنان بحجة تهريب المخدرات، من أجل تكثيف الضغط الاقتصادي على لبنان ومساعدة الحريري. خطوةٌ أثارت احتجاج مفتي لبنان الشيخ عبد اللطيف دريان أيضًا.
وعقب تحرك السعوديين هذا وكذلك احتجاجات ليلة الأربعاء التي خلفت أربعة جرحى، تراجعت الليرة اللبنانية مرةً أخرى، الخميس، أمام الدولار، لتصل إلى 13 ألف إلى 15 ألف ليرة مقابل الدولار الواحد.
منذ بداية الأزمة الاقتصادية الأخيرة، تراجعت قيمة العملة اللبنانية بنحو 90٪ وارتفعت البطالة بشكل حاد. کما ارتفعت أسعار السلع الأساسية والتضخم بشكل كبير، وقال المجتمع المدني والاقتصاديون إن حوالي نصف سكان البلاد يعيشون الآن تحت خط الفقر.
تظهر إجراءات الحريري بوضوح أنه من خلال العمل في إطار السياسة الأمريكية والسعودية، يأمل في استسلام خصومه(وخاصةً حزب الله) لمطالبه عبر تصعيد حالة عدم الاستقرار في لبنان، ولقاءاته الخارجية هي مجرد غطاء لإبقاء هذا المشروع سراً.