الوقت- وفقًا لتقارير وسائل الإعلام الأمريكية، في 23 أبريل 2021، أعلن جو بايدن لرجب طيب أردوغان أنه يعتزم الاعتراف بمذبحة عام 1915 للأرمن خلال الإمبراطورية العثمانية باعتبارها "إبادةً جماعيةً".
وتأتي هذه الأنباء في الوقت الذي أعلنت فيه الإدارة الأمريكية الطرد الرسمي لتركيا من البرنامج متعدد الجنسيات لإنتاج طائرات مقاتلة متطورة من طراز F-35 في الأيام القليلة الماضية.
كانت قضية الإبادة الجماعية للأرمن مثارةً منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، ولكن بسبب انضمام تركيا إلى صفوف حلفاء الغرب، فإن أسلاف بايدن في البيت الأبيض لم يكونوا أبدًا على استعداد للاعتراف بالمذبحة على أنها إبادة جماعية.
في السنوات الأخيرة، ومع فتور العلاقات بين واشنطن وأنقرة، سعى دونالد ترامب بنشاط إلى منع الاعتراف بـ "الإبادة الجماعية" للأرمن في الكونغرس الأمريكي. کما لم يستخدم باراك أوباما هذه الكلمة مطلقًا خلال السنوات الثماني التي قضاها في منصبه، على الرغم من مطالبة العديد من أقاربه، وبدلاً من ذلك أشار إلى هذه الأحداث بالكلمة الأرمنية "ميتز يغرين"(الشر العظيم).
لكننا نرى الآن أن جو بايدن يعتزم تأييد تصويت الكونغرس الأمريكي السابق للاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن. ومع أخذ ذلك في الاعتبار، فإن السؤال المطروح الآن هو لماذا يسعى جو بايدن في هذه المرحلة إلى الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن؟ وکذلك، ما هي عواقب هذا الإجراء الذي ستتخذه الإدارة الأمريكية على العلاقات مع تركيا في مختلف الأبعاد؟
الإبادة الجماعية للأرمن والدفاع التركي عن النفس
تشير الإبادة الجماعية للأرمن إلى سلسلة من الأعمال والمذابح التي ارتكبت ضد الأرمن خلال السنوات الثلاث للإمبراطورية العثمانية بطرق مختلفة. وقد أکدت أرمينيا دوماً على أن أعمال الإمبراطورية العثمانية في ذلك الوقت قتلت 1.5 مليون شخص.
ووفقاً للأرمن، بين عامي 1915 و 1917، كان هؤلاء الناس ضحايا لمجازر مخطط لها والتهجير القسري والمجاعة. وبحسب هذا الادعاء، خلال الحرب العالمية الأولى، عملت الإمبراطورية العثمانية علی ملاحقة الأرمن وقتلتهم بشكل منهجي.
ومع ذلك، لا يوجد إجماع بين المراقبين السياسيين والمؤرخين علی هذا الأمر. حيث يتحدث بعض المؤرخين عن مئات الآلاف من القتلى، والبعض الآخر يتحدث عن مليون ونصف مليون ضحية.
الجدير بالذكر أن أكثر من 30 دولة اعترفت حتى الآن بمذبحة الأرمن على يد العثمانيين خلال الحرب العالمية الأولى، على أنها "إبادة جماعية للأرمن".
فرنسا، كدولة أوروبية رئيسية، هي التي تحدثت لأول مرة في عام 2001 عن الإبادة الجماعية "للأرمن" في الإمبراطورية العثمانية. واتبع البوندستاغ الألماني(البرلمان) سياسةً مماثلةً في عام 2016؛ وهي القضية التي أدت إلى أزمة دبلوماسية بين تركيا وألمانيا.
كما شهدنا أن مشرعي الكونغرس الأمريكي اعترفوا أيضًا بالإبادة الجماعية للأرمن على يد الإمبراطورية العثمانية في 12 ديسمبر 2019.
وعلى الرغم من أن عدد الدول التي تعترف بالإبادة الجماعية للأرمن يتزايد كل يوم، إلا أن المسؤولين الأتراك نفوا الإبادة الجماعية في جميع العقود منذ تشكيل الحكومة الوطنية التركية الجديدة في عام 1924، مؤکدين أن ما حدث كان مجرد مسار من تطورات الحرب العالمية الأولى.
في الواقع، الحكومة التركية، مع الاعتراف بوقوع مثل هذه المجزرة، لكنها لا ترى أنها إبادة جماعية مقصودة، وتتفاعل بشدة مع هذا التعريف.
أهداف بايدن من الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن
على الرغم من معارضة تركيا الشرسة، إلا أن قضية اعتراف البيت الأبيض بالإبادة الجماعية للأرمن تبدو أقرب من أي وقت مضى. وعند دراسة أهداف بايدن من هذا الإجراء، يمكن ذكر عدة محاور أساسية.
كسر قواعد اللعبة بين أردوغان - ترامب: في السنوات الأخيرة، وعلى الرغم من كل ضغوط الكونغرس على الإدارة الأمريكية للتعامل مع تركيا، لم يتخذ دونالد ترامب موقفًا متشددًا أبدًا ضد الحكومة التركية بسبب قربه الشخصي من رجب طيب أردوغان وربما العلاقات الاقتصادية.
حتى في 12 سبتمبر 2019، عندما صوت الكونغرس الأمريكي لإدانة الإبادة الجماعية للأرمن، قاوم ترامب بسهولة مطالب المشرعين ومنع الاعتراف بالإبادة الجماعية، من أجل الحفاظ على العلاقات مع أردوغان.
لكن الآن، في الوضع الجديد ومع تغيير رئيس البيت الأبيض، يبدو أن نظرة الأمريكيين قد تغيرت، وينوي بايدن القضاء علی إرث أردوغان وترامب بحجة الدفاع عن حقوق الإنسان.
الحقيقة هي أنه ثبت مرارًا وتكرارًا أن حقوق الإنسان في الإدارة الأمريكية كان لها دائمًا معنى سياسي، وتستند إلى طموحات سياسية. وتصريحات بايدن الأخيرة تثبت هذه القاعدة مرةً أخرى.
مشكلة تركيا لحلف شمال الأطلسي وجهود احتواء أنقرة: من أهداف بايدن الأخرى في الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن، هو نهجه تجاه أوروبا وجهوده لإحياء الناتو.
في السنوات الأخيرة، أصبحت الحكومة التركية مصدر إزعاج كبير لحلف الناتو، ويُنظر إليها بشكل أساسي على أنها جهة فاعلة تعسفية دخلت في مواجهة قصوى مع الأعضاء الآخرين، ولكن تم تجاهل نهج أنقرة هذا في عهد ترامب.
في الواقع، كان جزءاً کبيراً من اللامبالاة الأمريكية تجاه تصرفات تركيا ضد اليونان والاتحاد الأوروبي في البحر الأبيض المتوسط، بسبب تجاهل واشنطن للاتحاد الأوروبي في عهد ترامب.
بالنسبة لإدارة ترامب، لم يكن حتى حلف الناتو العسكري أولويةً، وقد انتقد ترامب مرارًا عدم عدالة مساهمات الحكومات الأوروبية في الناتو، وكان من الطبيعي عدم رغبة إدارة ترامب في الدخول في توترات بين تركيا والاتحاد الأوروبي، وربما تركت تركيا من وراء الكواليس لتخلق التوترات مع الأوروبيين في البحر المتوسط کيفما تشاء.
وكانت هذه التوترات كبيرةً لدرجة أن فرنسا طالبت بطرد تركيا من الناتو. ولکن على الرغم من كل هذه التوترات بين أوروبا وتركيا، كانت أمريكا ترامب مجرد مراقب خلال هذه الفترة، ونادراً ما انتقدت تركيا كحليف لأوروبا وفرنسا. ولکن في الوضع الجديد، تغير الوضع تمامًا.
لأنه مع شعار إعادة بناء التحالفات التقليدية والتزام واشنطن بالمحيط الأطلسي، لا يمكن لبايدن أن يظل صامتًا في مواجهة أنقرة، كما كان الحال من قبل.
ونتيجةً لذلك، يبدو أن ضغط إدارة بايدن على تركيا للتخلي عن مغامراتها في البحر الأبيض المتوسط والتنافس مع الدول الأوروبية أمر مؤكد. ولذلك، يمكن قراءة الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن في سبيل تنفيذ هذا النهج.
السعي للإطاحة بأردوغان: على مستوى آخر، لا يتفق بايدن مع أردوغان بناءً على المواقف الشخصية، ويمكن ملاحظة أهم مظاهر ذلك في مقابلته مع صحيفة نيويورك تايمز في ديسمبر 2019، والتي وصف فيها أردوغان صراحةً بأنه سلطوي، ودعا الولايات المتحدة إلى دعم معارضي حزب العدالة والتنمية لإزاحته عن السلطة.
وبالتالي، بقدر ما ستشكل السياسة الخارجية تحديًا لتركيا في عهد بايدن، فقد تضاف القضايا الداخلية إلى التحديات الأخرى التي تواجه أردوغان والإدارة الأمريكية. کما أن مسألتي "حقوق الإنسان" و"الأكراد" قضيتان حساستان للإدارة الديمقراطية في البيت الأبيض، الأمر الذي قد يؤدي إلی تدخل جدي من مسؤولي واشنطن.
وبناءً على هذا النهج، يمكن اعتبار قرار بايدن الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن، أداةً لزيادة إضعاف أردوغان داخل تركيا. وبحسب ذلك، تستطيع أحزاب المعارضة تسليط الضوء على البرودة في العلاقات مع الولايات المتحدة باعتبارها القيادة الخاطئة لحزب العدالة والتنمية وأردوغان، من أجل تمهيد الطريق لفوزها في الانتخابات التركية المقبلة.
تداعيات اعتراف بايدن بالإبادة الجماعية للأرمن
فيما يتعلق بعواقب الإعلان الرسمي عن "الإبادة الجماعية" للأرمن من قبل إدارة بايدن، من المهم الإشارة إلى أنه من المحتمل أن يكون لهذا الحدث عواقب دبلوماسية، ولكن ليس هناك عواقب قانونية بالنسبة لأنقرة.
ومع ذلك، يمكن تقييم أهم النتائج الملموسة لهذا القرار، في شكل تقليص التعاون الاقتصادي والعسكري مع أنقرة وواشنطن. کما أن أزمات مثل شراء نظام الدفاع الصاروخي S-400، وهجوم تركيا على المواقع الكردية في شمال سوريا، وتناقضات أنقرة مع السياسات الكلية لحلف شمال الأطلسي في غرب آسيا والبيئة الدولية، كلها عوامل كان لها حتماً تأثير سلبي على التجارة والعلاقات الاقتصادية والتعاون الأمني والعسكري والمجالات الأخرى. لكن الحادث الأخير، أي الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن، تسبب في زيادة مستوى التوتر بين الجانبين.