الوقت- قبل أربع سنوات، أطلقت الاحتجاجات في العاصمة المنامة شرارة سلسلة من الأحداث التي خلفت استقطاباً وانقسامات عميقة داخل المجتمع البحريني بين الأقلية السنية الحاكمة والمعارضة التي تمثل معظم سكان البلاد وتستمد قوتها من الشيعة الذي يشكلون الأغلبية ولقد بدأ رد الحكومة القاسي على الاحتجاجات التي اندلعت في شباط عام 2011 تزامنًا مع أحداث مماثلة أطاحت بحكام عرب مضى على وجود هم في سدة الحكم أمد طويل من قبيل ما حصل في تونس ومصر، واليمن وليبيا ولقد قامت السلطات البحرينية بضرب المحتجين وإطلاق النار عليهم وأعلنت فرض قانون السلامة الوطنية فترة من الزمن واحتجزت ناشطي المعارضة وعذبتهم وسجنتهم على إثر محاكمات مغلقة وجائرة، ما استجلب عليها إدانة داخلية وخارجية.
وما زالت البحرين تمر هذه الأيام بأزمة سياسية وأخرى على صعيد حقوق الإنسان وتزعم الحكومة أنها ملتزمة بإجراء إصلاح حقيقي وفعلي، وهي ما انفكت تدعي قطعاً أنها قد أدخلت بالفعل تحسينات تتجاوز ما أشار إليه تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق على أنه إجراءات ينبغي تنفيذها على عجل ولكن واقع الممارسة العملية يشير إلى استمرار ارتكاب انتهاكات خطيرة على نطاق واسع وما زالت مستويات الإحساس بالظلم مرتفعة بين الضحايا وعائلاتهم ومجتمعاتهم المحلية. ولقد أحجم حلفاء البحرين مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي حتى الساعة عن انتقاد انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين علنًا، ويظهر أنهم قبلوا دون تمحيص مزاعم الحكومة حول إجراء الإصلاحات، وذلك من خلال قيامها بتقديم الدعم على صعيد بناء المؤسسات والتدريب على حقوق الإنسان بشكل عام.
وحول هذا السياق، كشفت العديد من التقارير الاخبارية قبل عدة أيام عن تواصل المسيرات والاحتجاجات المناهضة لولي العهد الخليفي ورئيس مجلس الوزراء "سلمان الخليفة" للأسبوع الثالث على التوالي، للمطالبة بإطلاق سراح السجناء السياسيين في البحرين. فقد خرجت تظاهرات في بلدات "أبو صيبع الشاخورة وسار وكرزكان والمعامير والدير وكرانة" وفي العاصمة المنامة تطالب بالإفراج الفوري عن جميع سجناء الرأي الذي زجت بهم السلطات الخليفية في السجن ظلما وعدوانا. وفي "السنابس" نظم الأهالي وقفة احتجاجية تطالب بإنقاذ سجناء الرأي من خطر فيروس "كورونا" الذي يحدق بهم داخل المعتقلات وكذلك من المعاملة اللاإنسانية التي يلقاها معتقلو الرأي داخل سجون "آل خليفة". وواصل أهالي "بني جمرة" اعتصامهم اليومي للمطالبة بتحرير الأسرى من معتقلات "آل خليفة" الأوباش الذين عاثوا في البحرين ظلما وفسادا.
وخرج اهالي "النويدرات" في وقفة تضامنية امام منزل معتقلة الرأي زكية البربوري التي ترفض حكومة ولي العهد الخليفي الإفراج عنها. ورصدت جمعية الوفاق الوطني الإسلامية 79 حالة احتجاج سلمي بين مسيرات ووقفات احتجاجية شعبية مطالبة بالإفراج عن السجناء منذ 28 مارس/آذار حتى 4 ابريل/نيسان شملت 41 منطقة بحرينية. وتداول نشطاء صورا ومقاطع فيديو لجوانب من تلك الاحتجاجات التي رفع المشاركون، فيها شعارات دعت للإسراع في إطلاق سراح المعتقلين السياسيين. وكان أهالي المعتقلين وقوى المعارضة ونشطاء بحرينيون دعوا إلى ما وصفوها بجمعة غضب الأسرى، تعبيرا عن رفضهم لما وصفوها بالأوضاع المزرية في سجون البلاد. وكانت تسجيلات صوتية لسجناء سياسيين وجهوا من خلالها نداءات للأهالي والمنظمات الحقوقية بالتحرك العاجل لإنقاذهم من خطر الوباء المحيط بالسجن.
وفي سياق ذلك شهدت عواصم عالمية احتجاجات تضامنية مع الأسرى البحرينيين منها لندن، باريس، برلين، قم، مشهد وغيرها وخلال الايام الماضية أفرجت السلطات البحرينية عن عشرات السجناء بينهم ناشطون سياسيون بعد تظاهرات طالبت بإطلاقهم وسط تفشي فيروس "كورونا" في السجون. فيما تستمر الاحتجاجات بالمطالبة بإطلاق جميع معتقلي ومعتقلات الرأي في السجون البحرينية. ولقد أكد مدير المكتب السياسي لائتلاف ثورة 14 شباط في البحرين "إبراهيم العرادي" تفاقم الأمراض لدى السجناء. ولفت إلى أن هناك الكثير من المعتقلين السياسيين لدى السلطات في السجون وهم رهائن، مضيفاً بالقول، "لن تهدأ احتجاجاتنا في البحرين حتى الإفراج عن كل المعتقلين في السجون وعددهم بالآلاف". كما أوضح أن عدم الإفراج عن السجناء هو خوف السلطات من عودة الحراك السلمي المطالب بالإصلاحات.
كذلك قال "لا نريد سوى حقوقنا ونرفض الحكم الشمولي بل نريد نظاماً سياسياً نحن الذين ننتخبه". وتابع إن "عدم الإفراج عن السجناء هو خوف السلطات من عودة الحراك السلمي المطالب بالاصلاحات". وأضاف "العرادي" قائلا: "لا نريد سوى حقوقنا ونرفض الحكم الشمولي بل نريد نظاما سياسيا نحن الذين ننتخبه". ومنذ أيام، أعلنت جمعية الوفاق الوطني الإسلامية في البحرين عن استشهاد المعتقل السياسي "عباس مال الله" في سجون النظام البحريني نتيجة الأوضاع الخطرة وغير الإنسانية. وبحسب مركز البحرين لحقوق الإنسان فإن "مال الله" هو المعتقل رقم 48 في قائمة المعتقلين الشهداء، الذين توفوا داخل السجون في البحرين منذ العام 2011. وطالب المركز في بيان له بالإفراج عن المعتقلين الذين تم اعتقالهم على خلفية قضايا متعلقة بالوضع السياسي والحقوقي في البحرين، وفتح تحقيق محايد ومستقل في قضية وفاة "عباس مال الله"، ومحاسبة من يثبت تورطهم في ذلك.
وعلى مدار أيام، شهدت مناطق متعددة في البحرين تظاهرات لأهالي وأمهات المعتقلين السياسيين في السجون البحرينية، للمطالبة بالإفراج عنهم في ظل تفشي فيروس "كورونا". حيث عّبر مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان عن عميق أسفه لوفاة الشهيد "عباس مال الله" بسجن "جو" يوم الثلاثاء الماضي ودعا المكتب السلطات في البحرين إلى فتح تحقيق محايد ومستقل في الظروف التي أدت إلى وفاته. كما شدد المكتب على إعادة تقييم الأوضاع الصحية في السجون لمنع تكرار مثل هذه الحوادث. ومع انتشار وباء "كورونا" في سجن "جو"، وتدهور المنظومة الصحية في السجن، وإلغاء المواعيد الطبية وتعطيل العلاج، حثت المفوضية السامية سلطات "آل خليفة" إلى إطلاق سراح جميع سجناء الرأي”. وخصت المفوضية في تغريدتها على تويتر أولئك المعرضين لخطر كبير من جراء وباء "كورونا". وارتفت حالات الإصابات في صفوف السجناء إلى ما يقارب 90 إصابة مؤكدة، فيما لا تزال السلطات تتكتم على عدد الإصابات وحالات المصابين. وفي ذات السياق قامت إدارة سجن "جو" بحرمان المئات من السجناء من الاتصال بذويهم بسبب نقلهم للأهالي عن أوضاع السجن.
ولقد كشفت العديد من المصادر الإخبارية، أن سلطات البحرين ترتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في سجونها، عبر استخدام أساليب قمعية لإخراس أي أصوات تطالب بحقوقها المدنية، فضلاً عن تعذيب منهجي للمدافعين عن حقوق الإنسان، من الرجال والنساء، وتستخدم البحرين جهاز الأمن الوطني، في التغلب على الاحتجاجات السلمية منذ حراك 2011 واتهمت منظمات حقوقية في تقرير بعنوان "غرف الموت" هذا الجهاز باللجوء إلى القوة المفرطة وتعذيب المعتقلين في السجون. واتهم حقوقيون وزير الداخلية البحريني بالإشراف شخصياً على عمليات تعذيب في سجون البحرين، وذلك في مؤتمر حقوقي استعرض دراسة بشأن أوضاع السجون في السعودية.
ولفتت تلك المصادر الإخبارية إلى أنه تم توثيق الكثير من أساليب التعذيب وسوء المعاملة ضد السجناء السياسيين في البحرين، ومنها ما يتعلق بالحرمان من العلاج الصحي حيث تتعمد إدارة السجن ابتكار أساليب جديدة في التعذيب للضغط على سجناء الرأي والتعبير. وكشفت تلك المصادر بأن هناك أكثر من 400 سجين مصيرهم مهدد بالموت جراء التعذيب، وهذا يكشف سر منع المقرر الأممي الخاص بالتعذيب من زيارة البحرين، فضلاً عن أن الأوضاع العامة في السجون البحرينية دون المستوى الأساسي من حيث الاحترام والعناية بالنزلاء ومن حيث الصحة والسلامة أو من حيث التأهيل والتعليم، حيث تم رصد الحالة العامة للسجون والسجناء بأنها لا تتوافق مع القواعد النموذجية لمعاملة السجناء، ولا تراعي قانون مؤسسة الإصلاح والتأهيل ولا اللائحة التنفيذية لهذا القانون.