الوقت- تزامن اليوم الثاني من الجولة الجديدة من الضربات الجوية الإسرائيلية على قطاع غزة، مع إطلاق صواريخ صهيونية على قواعد المقاومة في جنوب وجنوب غرب قطاع غزة، إضافة إلى أراض زراعية شرق مخيم "البريدج" للاجئين الفلسطينيين في هذا القطاع. وبينما تكررت الضربات الجوية الصهيونية والردود الصاروخية من قبل حركة "حماس" على أعماق الأراضي المحتلة في الأشهر الأخيرة، فخلافًا للمزاعم الصهيونية، فإن هذه الهجمات لم تقلل من القدرة الصاروخية للمقاومة في قطاع غزة. ولم تؤثر على إرادة فصائل المقاومة في هذه المنطقة التي تمكنت من الرد بسرعة ودون إغفال لعدوان الكيان الصهيوني، ولكن السؤال الآن ما هو هدف الصهاينة من هذه الهجمات العرضية والوحشية؟
محاولة يائسة لتقليص قوة "حماس" العسكرية
منذ سيطرة حركة "حماس" على قطاع غزة عام 2007، قام الكيان الصهيوني بفرض حصار بحري وجوي وبري كامل على ذلك القطاع، وخاضت المنطقة ثلاث حروب كبرى مع الصهاينة. وفي السنوات الأخيرة، وعلى الرغم من اشتعال ساحات القتال بعدما رد فيها الفلسطينيون على الضربات الجوية والحصار اللاإنساني للصهاينة وقاموا بإطلاق الصواريخ على الأراضي المحتلة، ظل اتفاق وقف إطلاق النار هشًا. وحول هذا السياق، كشفت العديد من المصادر الاخبارية بأن طائرات حربية إسرائيلية شنت في ساعة مبكرة من فجر يوم الجمعة الماضي غارات على مواقع في قطاع غزة، من دون أن يبلغ عن وقوع إصابات حتى الآن. ولم يُصدر جيش الاحتلال الإسرائيلي تعقيبا فوريا على الغارات، لكنه سبق أن قال إنه رصد قبل عدة أيام قذيفة صاروخية أُطلقت من قطاع غزة باتجاه المستوطنات الإسرائيلية، ما أدى إلى إطلاق صافرات الإنذار. وكشف الجيش الإسرائيلي عن أن سكانا من مدينة سديروت (الواقعة شمال قطاع غزة) احتموا في الملاجئ. وأوضح متحدث باسم المجلس الإقليمي لمنطقة "شاعر هنيغف" المحاذية لقطاع غزة أن المقذوف سقط في منطقة غير مأهولة، ولم يخلف ضحايا أو خسائر.
ومع كل هجوم، يزعم المسؤولون السياسيون والعسكريون الإسرائيليون أنهم تمكنوا من استهداف جزء من القادة العسكريين أو من قادة "حماس" العسكريين وأنهم تمكنوا من تقليص القوة العسكرية للمقاومة في غزة. وفي الهجمات الأخيرة، على سبيل المثال، قال الجيش الإسرائيلي في بيان إن "الأهداف شملت مركز تدريب وموقع إطلاق صواريخ مضادة للطائرات ومصنع خرساني وبنية تحتية للأنفاق". لكن على الرغم من هذه الهجمات المتكررة والحصار الجائر على المناطق الحدودية مع مصر (معبر رفح الذي يعتبر المعبر البري الوحيد في قطاع غزة مع العالم الخارجي على الحدود مع مصر)، لم تضعف إرادة حركة "حماس" ليس فقط من الناحية الدفاعية، لكنها زادت أيضًا من جودة وكمية صواريخها، ويمكنها اليوم تحدي أمن الأراضي المحتلة بسهولة، بل إنها تستخدم هذه القوة للحصول على تنازلات من "تل أبيب" لتخفيف الحصار والعقوبات الصهيونية المفروضة على قطاع غزة.
يُذكر أن الفصائل الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة قامت خلال الفترة الماضية بمناورات عسكرية بالذخيرة الحية هي الأولى من نوعها في القطاع الساحلي تزامنا مع الذكرى السنوية للحرب الإسرائيلية على غزة في 2008. وحول هذا السياق، قال "أبو حمزة" المتحدث باسم سرايا القدس الجناح المسلح لحركة الجهاد الإسلامي، في بيان له "انطلاق مناورات الركن الشديد التي ينفذها مقاتلونا ومجاهدونا من كافة الأجنحة العسكرية تحت قيادة الغرفة المشتركة". وأوضح أن هذه المناورات التي بدأت المناورة بإطلاق عدة صواريخ تجريبية باتجاه بحر قطاع غزة تنفذ بالذخيرة الحية عبر سيناريوهات متعددة ومتنوعة على امتداد قطاع غزة من شماله إلى جنوبه، وتحاكي تهديدات العدو المتوقعة. وتابع أن "المناورات الدفاعية التي تهدف إلى رفع كفاءة وقدرة مقاتلي المقاومة للقتال في مختلف الظروف والأوقات، هي تأكيد على جهوزية المقاومة للدفاع عن شعبنا في كل الأحوال وتحت كافة الظروف"، مؤكدا أن "قيادة المقاومة جاهزة لخوض أي معركة للدفاع عن شعبنا وأرضنا".
وقال محذرا إن "على قيادة الاحتلال أن تدرك بأن مجرد التفكير في مغامرة ضد شعبنا ستواجه بكل قوة ووحدة وستحمل الكثير من المفاجآت". وشارك في تلك المناورات 14 فصيلا عسكريا على رأسها كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي. ومع بدء المناورات، اتخذت وزارة الداخلية التابعة لحماس جملة من الإجراءات الميدانية من بينها إغلاق البحر أمام المواطنين وإغلاق الشارع الرئيسي الساحلي الممتد من شمال القطاع إلى جنوبه، إلى جانب إخلاء المقرات الأمنية والشرطية في القطاع. وقال عضو في غرفة العمليات المشتركة، إن "مئات العناصر المقاتلين شاركوا في التدريبات"، موضحا أنه "تمّ خلال المناورات التي استمرت 12 ساعة، إطلاق عدة صواريخ تجريبية مختلفة المدى يبلغ مدى بعضها حوالي مئتي كلم". وأكد العضو في الغرفة المشتركة أن المناورات "واحدة من عدة مناورات عسكرية ستجرى في الأشهر المقبلة"، موضحا أنها تمهد لتشكيل نواة لجيش فلسطيني موحد.
كفاح "نتنياهو" لإنقاذ نفسه من الأزمة
ويعود أحد الأسباب الرئيسية للهجمات العرضية على قطاع غزة في السنوات الأخيرة إلى الأزمة السياسية غير المسبوقة في الأراضي المحتلة. فحكومة الائتلاف الصهيوني هشة نتيجة الأزمات الداخلية والخارجية وقضية الفساد التي قامت بها عائلة "نتنياهو"، وإجراء أربعة انتخابات نيابية مبكرة في أقل من عامين والفشل في معالجة اوضاع تفشي فيروس "كورونا" في إسرائيل، الأمر الذي أدى إلى حدوث أزمة سياسية كبيرة داخل النظام الحكومي الحاكم في "تل أبيب". وفي غضون ذلك، كانت القضايا الأمنية، ولا سيما الانتقادات لسجل "نتنياهو" في السماح لأعداء إسرائيل في كسب السلطة والقوة داخل محور المقاومة في غزة ولبنان وسوريا، بالتأكيد أحد الأسباب الرئيسية لحدوث فجوة في الطيف اليميني داخل السياسة الإسرائيلية. ولقد أثار موضوع قطاع غزة والخلافات بين شخصيات يمينية بارزة مثل وزير الحرب السابق "إغدور ليبرمان" وزعيم حزب "إسرائيل بيتنا" المتطرف مع "نتنياهو" حول كيفية التعامل مع حركة حماس وقواتها العسكرية، الأزمة الأولى التي عصفت بحكومة "نتنياهو" في عام 2018.
وفي ظل هذه الظروف، يبدو أن الهجمات الخاضعة للمراقبة جاءت بناءاً علي أوامر من "نتنياهو" لإظهار التزامه الراسخ بأمن الأراضي المحتلة والتزامه بتقليص القوة العسكرية لمحور المقاومة في قطاع غزة، وفي حين أن "نتنياهو" يدرك جيدًا العدد المتزايد لتلك الهجمات الصهيونية وتوقيتها، سوف يُعقبها هجمات شديدة من غزة قد تستطيع سحب الكرسي من تحت قدميه والتسبب في قلبه وبالتالي، يرى "نتنياهو" أن التوترات مع قطاع غزة هي مفتاح النجاح من أجل التقريب بين الأحزاب اليمينية، لحثها على تشكيل حكومة جديدة.
الانتخابات الفلسطينية وهموم الصهاينة
ومن المهم أيضًا ملاحظة أن جولة جديدة من الهجمات على قطاع غزة في الشهر الماضي تأتي في الوقت الذي توصلت فيه الفصائل الفلسطينية إلى اتفاق لإجراء انتخابات بعد 16 عامًا من الجمود ومن المقرر أن تجري الانتخابات التشريعية الفلسطينية في 22 مايو وفي 31 يوليو سوف يتم اجراء الانتخابات الرئاسية وفي أكتوبر المقبل سوف يذهب الفلسطينيين إلى صناديق الاقتراع للمشاركة في انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني. الجدير بالذكر أن شعبية حركة حماس تصاعدت خلال الفترة الماضية نتيجة العدوان الصهيوني الذي حاول الاستيلاء على مدينة القدس والبلدات المحتلة في الضفة الغربية وخيانة بعض الدول العربية المؤيدة للتطبيع، ولهذا يبدو أن المقاومة الفلسطينية مستعدة للفوز في الانتخابات المقبلة وهذا الأمر شّكل مصدر قلق كبير للصهاينة. ولهذا يحاول الصهاينة منع إجراء الانتخابات بأي طريقة ممكنة أو تعطيل تنفيذها بالشكل الصحيح، حتى يستمر الصدع والازدواجية الذي كان موجود خلال السنوات الـ 16 الماضية بين الاحزاب والفصائل الفلسطينية. لذلك، يمكن اعتبار الهجمات على غزة جاء تماشيا مع اعتقال مرشحي حماس في الضفة الغربية والقدس في الأسابيع الأخيرة.