الوقت- كان ظهور المواجهة السياسية والأيديولوجية بين قطبي محور الإخوان والمحور السعودي الإماراتي في ساحة التنافس الجيوسياسي في المنطقة في العقد الماضي من السمات المهمة والبارزة للنظام الذي يمر بمرحلة انتقالية في غرب آسيا. وفي غضون ذلك، وعلى الرغم من أن أجواء العلاقات العدائية بين القطبين بعد تشكيل المصالحة في مجلس التعاون الخليجي، وكذلك ذوبان جليد العلاقات التركية السعودية بعد قمة مجموعة العشرين التي استضافتها الرياض، قد تحركت على ما يبدو نحو وقف إطلاق النار السياسي، لكن من خلال دراسة وتمحيص في تصرفات حكومتي السعودية والإمارات في تنظيم العلاقات مع الإخوان يظهر أن المواجهة مع جماعة الإخوان المسلمين لا تزال نشطة للغاية مثل النار تحت الرماد.
وفي هذا الصدد، ذكّرت حماس، بصفتها جماعة إخوانية في التطورات في فلسطين، مرارا وتكرارا حقيقة أن السعودية لم تتسامح مع إطلاق سراح سجناء ينتمون إلى هذه الجماعة على الأراضي السعودية فحسب، بل زادت أيضا من الضغط على أعضائها. حيث أكد الناطق باسم حماس حازم قاسم يوم الاثنين أن "الفلسطينيين المعتقلين في السعودية في وضع صعب وهناك تقارير مقلقة عن حالتهم البدنية".
ومن ناحية أخرى، وعلى الرغم من تحسن العلاقات مع تركيا والتراجع الواضح لأنقرة في قضية اغتيال جمال خاشقجي بعد الكشف عن تقرير سري لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية من قبل البيت الأبيض أكد على الدور المباشر لمحمد بن سلمان بارتكاب هذه الجريمة. لكن خلافا للتوقعات، لم تفرج الرياض عن شخصيات بارزة من الإخوان المسلمين مثل سلمان العودة، الموجود في السجن مع حكم محتمل بالإعدام، حيث قال نجله هذا الأسبوع فيما يتعلق بحالة السجين ومحاكمته: "الحكومة السعودية تستعد لتغطية إعلامية ضد والدي لتبرير أي حكم ظالم وغير عادل ضده".
المصالحة غير المتزنة.. أردوغان بين سندان الداخل ومطرقة الخارج
ما لا شك فيه أن أحد الأسباب الرئيسية لتجاهل المحور السعودي الإماراتي الواضح لتقليل مستوى الضغط على الجماعات الإخوانية بعد تخفيف التوترات مع تركيا كزعيم الإخوان في المنطقة والعالم العربي هو ان أردوغان عالق بين سندان الداخل ومطرقة الخارج. وهو ما قلل من القدرة التفاوضية لأنقرة للاستفادة من نهج خفض التصعيد.
هذا وترافقت الأزمة الاقتصادية في تركيا في السنوات الأخيرة، والتي تفاقمت بفعل تفشي فيروس كورونا ووجهت ضربة قاسية لموقف حزب العدالة والتنمية وشعبيته في الرأي العام المحلي التركي، جنبا إلى جنب مع الاتجاه المتنامي لتحالف الدول المتنافسة في مجال الخصومات الجيوسياسية في مناطق مختلفة بعد توقيع اتفاقيات التطبيع بين دول حاشية الخليج الفارسي والكيان الصهيوني، وكذلك مجيء حكومة بايدن والتقارب الأوروبي الامريكي ضد أنقرة وقد أدى ذلك إلى تحول في السياسة الخارجية لتركيا لتحسين العلاقات مع المحور العربي السعودي الإماراتي من موقف ضعف.
حيث يمكن رؤية هذه الحقيقة في الشروط التي وضعتها الإمارات والكيان الصهيوني لقبول طلب تركيا بوقف التصعيد. وفي وقت سابق من هذا العام، ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت الصهيونية أن الكيان الصهيوني وضع شروطا كثيرة لعودة العلاقات مع تركيا، أبرزها التزام أنقرة بإغلاق مكتب حماس في اسطنبول وتعليق إطلاق سراح السجناء المرتبطين بكتائب القسام.
كما ان تركيا شعرت بتهديد كبير ازاء تشكيل التحالف الصهيوني العربي بعد اتفاق التطبيع واعتباره تهديدا لموقفها الإقليمي وسعت إلى تحييد هذا التهديد. وهي قضية دفعت أنقرة إلى غض الطرف عن الضغط السعودي المتزايد على جماعة الإخوان في الداخل والفشل في الاستفادة من مناخ التهدئة لصالح قادة الإخوان وأتباعهم.
فلسطين ورقة لعب أردوغان
على الرغم من جهود أنقرة التي استمرت عقدين لاستعادة مكانة تركيا التاريخية في العالم الإسلامي وبالتالي التركيز على فلسطين باعتبارها أهم قضية في العالم الإسلامي في هذا الوقت، فإن أداء أردوغان التركي بشأن القضية الفلسطينية أظهر بوضوح انه يمكن قراءة وجهة نظر القادة الإسلاميين الأتراك بشأن فلسطين أكثر في سياق المنافسات الجيوسياسية وورقة لعب لتعزيز مصالحهم السياسة الخارجية، بدلاً من كونها قضية أيديولوجية مستقلة عن المنظور الاقتصادي للربح والخسارة.
وعليه، حافظت تركيا على علاقاتها الاقتصادية مع الكيان الصهيوني ووسعتها حتى في أوج التوترات السياسية، كما انها حتى بعد التحول الأخير في سياستها الخارجية، خففت بشكل كبير من الانتقادات السابقة لاتفاقية التطبيع ومحاولة الصهاينة الاستيلاء على المستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية. وقد يؤدي هذا حتى إلى إغلاق مكاتب حماس الإقليمية في اسطنبول. وفي الواقع، فإن إدارة أنقرة ظهرها لحماس باعتبارها التيار الفلسطيني الأهم المعارض لاتفاقيات التطبيع بات أمرا لا مفر منه في عملية تهدئة تصعيد أنقرة مع المحور العربي الصهيوني.